من المفترض أن ينطلق اليوم عمل «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي» بعد شهرين من اندلاع ثورة الحرية والكرامة وقبل أربعة أشهر من انتخاب المجلس التأسيسي. ويأتي تشكيل هذه الهيئة وبدء عملها ليؤكد حرص الحكومة المؤقتة على الاستجابة للمطالب الشعبية التي تم التعبير عنها خلال الاجتماعات والاعتصامات التي تلت ثورة 14 جانفي للقطع مع سلوكات وممارسات العهد البائد. ويشير انطلاق عمل الهيئة العليا الى قطع الخطوات الأولى في اتجاه تحقيق أحد أهم أهداف الثورة وهو ارساء نظام ديمقراطي تعدّدي وحرّ. ولا شك أن تشكيل هذه الهيئة العليا التعددية والموسعة تطمئن كافة أفراد الشعب التونسي على مصير ثورتهم وتحصينها ضد محاولات الالتفاف عليها وتأمينها ضد احتمالات الانتكاس التي حامت حولها اكثر من مرّة خلال الاسابيع الماضية. وفي المقابل، فإن عديد الأطراف من منظمات وأحزاب وشخصيات وطنية لم تخف امتعاضها من التركيبة المعلنة، إذ رأت فيها اقصاء لأطراف شاركت في صنع الثورة وفي مساندتها وحمايتها، وأطراف أخرى عانت من قمع النظام البائد وجبروته، وبالتالي فإن هذه الهيئة لا تعبّر عن كافة مكوّنات المجتمع المدني والمشهد السياسي الوطني. وفي المحصلة، ودون الطعن في جدارة أي عضو من الاعضاء المعلنة اسماؤهم، أو في أهمية اللجنة العليا، فإنه كان على الحكومة تجنب هذه الممارسة الاقصائية التي ظن الجميع انها ولت مع الديكتاتورية، والاتجاه نحو توسيع التركيبة وتشبيبها لتمثيل أكبر ما يمكن من صنّاعها والمشاركين فيها. إن هذه الخطوة تحسب ضد الحكومة وتقلّص من ثقة المجتمع المدني والمواطنين فيها، خاصة بعد مبادرتها لتعيين وتثبيت عدد من المعتمدين المنتمين الى الحزب المنحلّ أو العاملين مع النظام السابق. وتبقى امكانية التدارك واردة في اتجاه توسيع الوفاق الوطني، خاصة أن أصواتا بدأت ترتفع من هنا وهناك لتضرب في شرعية اللجنة العليا أو ترى فيها التفافا على المجلس الوطني لحماية الثورة او رغبة بعض الأطراف في الانفراد بها وتوجيهها لخدمة أهداف محدّدة.