بعد الجلسة العاصفة للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، والتي عرفت جدلا وتجاذبا سياسيا حادا بين أعضائها وانتقادا لتركيبة الهيئة وتحفظا على بعض أسماء الأعضاء الممثلين فيها. ينتظر بحسب مصادر مطلعة من داخل الهيئة تكثف المشاورات التي انطلقت منذ يوم أمس بهدف تلبية مطالب الأعضاء من مراجعة تركيبة الهيئة، وتعيين ممثلين جدد. وكانت الجلسة الافتتاحية للهيئة فوضت السيد عياض بن عاشور رئيس الهيئة بحمل مطالب اعضاء الهيئة وانتقاداتها ومقترحاتها إلى الحكومة المؤقتة والسيد الباحي قائد السبسي الوزير الأول المؤقت. لكن مع ذلك ما تزال عدة مسائل بشأن مقاييس اختيار ممثلين جدد أو سحب تمثيلية اعضاء من الهيئة يشوبها الغموض.. وشهدت الجلسة أول أمس انتقاد معظم الذين تداولوا على الكلمة لتركيبة الهيئة وكيفية اختيار اعضائها خاصة منهم قائمة الشخصيات الوطنية، وقائمة الأحزاب التي ضمت حسب تصريحاتهم أسماء أشخاص إما ناشدت الرئيس السابق، أو لم يصدر منها أي موقف ضد دكتاتورية الرئيس بن علي ونظامه البوليسي، أو أن بعضها متهم بالقيام بدور مشبوه خلال النظام البائد رغم تحملهم لمناصب حزبية، أو ما يبدو عليهم من استقلالية بالنسبة للشخصيات الوطنية.. وبات مؤكدا الآن وحسب المعطيات المتوفرة لدينا حصول تغيير جذري في مقبل الأيام في تركيبة الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة، في اتجاه خلق توازن فعلي بين مكناتها الثلاث وهي قائمة الشخصيات الوطنية التي تتمتع بنصيب الأسد (42 عضو من جملة 71)، وقائمة الأحزاب، وقائمة مكونات المجتمع المدني. ومن غير المستبعد أن تشهد قائمة الشخصيات الوطنية اعادة نظر شاملة بالنظر إلى التحفظات العديدة الصادرة عن بعض اعضاء الهيئة ضد اسماء معينة في القائمة، وقد يشمل ذلك النزول بعدد اعضائها، واضافة مقاعد لممثلين عن أحزاب غير ممثلة حاليا بالهيئة، وممثلين عن جمعيات وطنية جديدة، وخاصة ممثلين عن الجهات وعن ما بات يعرف بالشباب "القصبة" أو الشباب "الثائر"، والطلبة.. وحسب مصادر مطلعة من داخل الهيئة فإن معظم اعضائها الحاليين سينفذون التزامهم بالحضور في الجلسة الثانية المقررة ليوم الثلاثاء المقبل، بعد أن اخذوا وعدا من رئيس الهيئة بالعمل على مراجعة تركيبة الهيئة. كما علمنا أن عددا من الأحزاب الممثلة بالهيئة شرعت بعد في مناقشة مضمون النص التشريعي المقترح لانتخابات المجلس التأسيسي على غرار حركة النهضة وفق ما أكده لنا السيد نور الدين البحيري عضو الهيئة التأسيسية للحزب، الذي أكد أن الحركة ستشارك في الجلسة المقبلة للهيئة من منطلق سعيها لتحقيق الوفاق لكنه جدد شروط الحركة لمراجعة تركيبة الهيئة وخاصة منها ما يتعلق باقصاء من ثبت تورطهم في مناشدة النظام السابق، وعدم قبول تمثيلية احزاب "ديكور" كانت بالماضي القريب تمجد في بن علي ونظامه.. وكان السيد عياض بن عاشور قد قبل بمبدأ مراجعة تركيبة الهيئة وتوسعتها على أن لا تتجاوز 100 عضو وبرر ذلك بأنه لو تجاوز عدد أعضاء الهيئة ال100 ستصبح حسب اعتقاده شبيهة ب"الهيئة البرلمانية"، وهو ما يتناقض مع صلاحياتها.. لكن لا يعرف تحديدا أية مقاييس سيتم اعتمادها لتمثيل احزاب أخرى داخل الهيئة إذا عرفنا أن المقصيين من الاحزاب عن الهيئة فيهم من تحصل على تأشيرة قانونية وفيهم من ما زال ينتظر دوره، علما ان عدد الأحزاب المتحصلة على تاشيرة فاقت ال40 . فضلا عن ما يناهز 40 آخرين ينتظرون الحصول على تاشيرة ويرغبون بدورهم في تمثيلهم ضمن مجلس الهيئة على غرار حركة اللقاء الاصلاحي الديمقراطي.. إلى ذلك اصدر الحزب الديمقراطي الوحدوي بيانا يستنكر فيه إقصاء فعاليات كان لها دور ريادي في الثورة وأهمها الشباب وعائلات الشهداء خاصة في "تونس الأعماق". وقال الوحدوي أنه يبني ما اسماه "برنامج الوفاء لمطالب الثورة" ويعتبره مرشده الأول في مواقفه السياسية، ودعا كل الأطراف إلى التخلي عن منطق الالتفاف أو الوصاية على الثورة والانخراط في منطق الوفاء لمطالبها بكل ما يستوجبه من مسؤولية عالية إزاء الوطن والشعب. وكان السيد عياض بن عاشور رئيس الهيئة الوطنية لحماية الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي نفى اول أمس ان يكون مسؤولا عن تعيين اعضاء الهيئة، وأكد أن التسمية تتم بقرار من الوزير الأول.. واقترح بن عاشور احداث لجنة مصغرة تقوم بمهمة الاتصال ببقية مكونات المجتمع المدني والأحزاب والشباب والجهات لتمثيل أعضاء لها بالهيئة، لكن الفكرة لم تحظى بتوافق الأعضاء فتم الاتفاق في النهاية أن يقوم بنفسه بنقل مقترحات والانتقادات الموجهة لتركيبة الهيئة إلى الحكومة حتى تقوم بمراجعتها وتوسيعها لاحقا مع مواصلة اجتماعات الهيئة المبرمجة خلال الأسبوع المقبل مع امكانية نقل مقر الجلسات إلى مجلس المستشارين عوضا عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي قد يعجز عن استيعاب الجلسات المقبلة في صورة توسعتها..