نحن في شهر مارس «الطويل» كما ينعته المزارعون. وربما يعود هذا الوصف الى طول معاناة الفلاحين فيه ترقّبا للمطر ولضيق اليد منذ بدايته تقريبا. ولهذا الشهر مكانته ومقاييسه في الذاكرة الشعبية. فهو الشهر الذي يتحول فيه الغيث الى ذهب خالص حتى قيل وتردّد القول عبر كل الأجيال «المطر في مارس ذهب خالص» وهو عندهم شهر تنقية الزرع من الأعشاب الطفيلية وموعد لتزاوج الطير والبيض: إذ يقال منذ آماد «في مارس نقّي زرعك وفارص تلقى عظم الحجل والزرارس». فهل أصبح مارس الطويل هذا له نفس الوجه في الشكل والمضمون في الحقل السياسي. فمن حيث المضمون فيبدو أن غيث الثورة في هذا الشهر كان ذهبا أخلص من الخالص وهو ما أثار حفيظة فلاحي السياسة ومزارعيها في هنشير الكراسي للمسارعة بمقاومة الأعشاب الطفيلية حسب زعمهم حتى وإن عفّسوا وداسوا «زرع الناس» تحت شعار هذا الزعم بحثا عن بيض الحجل الذي يجيد التخفّي و«الزرّيس» الذي يجيد التمويه في إخفاء العش والكل يأكل سياسة ويشرب سياسة ويتنفس الصعداء سياسة وهو يبحث عن أعشاش الحجل و«الزرّيس» لجمع بيضها. ولا أحد له معرفة ولا دراية لا بالبيض الصالح للتفريخ ولا ب«العظام الحارمة» في أي عشّ من هذه الأعشاش إطلاقا. أما شكلا فلمارس الفلاحة ومارس السياسة نفس الطويل إذ يبلغ طول الأول، واحدا وثلاثين يوما والثاني واحدا وثلاثين حزبا أي بمعدل حزب لكل يوم ويوم لكل حزب وللمَارَسَيْن نفس الممارسة في الزرع والتنقية والبحث عن البيض والنتيجة لا تقبل القسمة على إثنين إمّا «صابة» وإما «عجرودة». وفي انتظار العودة أقول لكم تصبحون على حزب جديد.