٭ تونس (الشروق): لم يتسنّ مساء أمس للهيئة الوطنية لتحقيق أهداف الثورة النظر في أيّ من نقاط جدول أعمالها المقرّر والّذي يشتمل على تلخيص المرسوم عدد 6 المؤرّخ في 15 فيفري 2011 وتعيين نائب الرئيس والمقرّر العام والناطق باسم الهيئة وتقديم لجنة الخبراء ولجانها الفرعيّة وتقديم مشروع مرسوم يتعلّق بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي. ولم يتّفق الحاضرون وربّما تحت ضرورة عدم تعليق الأعمال وإنهاء مهام اللجنة إلاّ على مواعيد الجلسات القادمة (22 و24 و26 مارس الجاري). عاصفة من التدخلات رافقتها موجة عارمة من التوتّر والتشنّج والاضطراب بلغت برئيس الهيئة عياض بن عاشور حدّ التأكيد على أنّه في غير مقدوره (من الناحية الجسميّة والنفسيّة) مواصلة مهامه في حال تواصل الأعمال على نفس الوتيرة لاحقا، إضافة إلى أنّ الهيئة كانت تعقد اجتماعها وسط وجود لعدد من المواطنين خارج مبنى المجلس الاقتصادي والاجتماعي كانوا يهتفون رفضا لهذه الهيئة ومُطالبين بإعادة تشكيلها مُعتبرينها غير ممثّلة لتطلعات الثورة ومن ثمّ تطلعات الشعب في تأمين الانتقال الديمقراطي المنشود والقطع نهائيّا مع الماضي. الاجتماع الّذي دام قرابة أربع ساعات انتهى بتكفّل رئيس اللجنة بنقل انتقادات الأعضاء حول تركيبة الهيئة وطريقة تشكيلها إلى الجهات الحكوميّة المسؤولة لتدارك النقائص وتعديل التركيبة بالحذف والإضافة وفق ما يتمّ التوافق عليه من مختلف الأطراف السياسية والجمعياتيّة. وقد تركّزت جلّ التدخلات على اتهام الوزير الأوّل بالنكوص عن تعهداته لأطراف «مجلس حماية الثورة» بتعميق التشاور حول التركيبة المقترحة لأعضاء الهيئة الوطنية لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي ، واتّهم عدد من المتدخلين السلطة القائمة بالتلاعب بإرادة المواطنين والشعب والسعي إلى الالتفاف على مبادئ الثورة. خطاب ناري وانسحاب وكانت الجلسة قد شهدت ومنذ بدايتها «خطابا ناريّا» تشارك فيه كلّ من شكري بلعيد (الناطق الرسمي باسم حركة الديمقراطيين الاشتراكيين) وسمير ديلو (رئيس الجمعية الدوليّة لمساندة المساجين السياسيين) مفادهُ انتقاد لآلية تعيين أعضاء الهيئة والتي قال عنها بلعيد إنها بذات الأساليب القديمة أي دون تشاور ولا مشاركة من الفاعلين السياسيين والمدنيين، إضافة إلى تعمّد الإقصاء والتهميش لقوى وفعاليات أساسيّة إضافة إلى الجهات والشباب والعديد من مكونات المجلس الوطني لحماية الثورة، وأشار بلعيد إلى أنّه: «تمّ تعويم الهيئة وإغراقها بعدد من الأشخاص تحت عنوان شخصيات وطنيّة في حين أنّ جزءا منها ارتبط بالنظام البائد وبحزبه المنحل وجزءا آخر لا مساهمة له مطلقا في النضال ضدّ الدكتاتوريّة وجزءا ثالثا منتميا إلى أحزاب سياسيّة». إلى ذلك قال ديلو أنّ المخاوف التي كانت تُلازم جزءا من الفاعلين السياسيين والنخب والأحزاب والمواطنين أكّدتها طريقة تعيين أعضاء الهيئة الوطنية لتحقيق أهداف الثورة والتي أثبتت أنّ الخطر لا يزال يتهدّد الالتفاف على الثورة وأهدافها ، واعتبر ديلو أنّ تشكيل الهيئة بما هي عليه: «انقلاب حقيقي فهي هيئة فئويّة ذات خلفيّة إيديولوجيّة». وانتهى كلّ من بلعيد وديلو إلى الانسحاب من الجلسة ومقاطعة أعمالها ، في الوقت الّذي اختار فيه عدد آخر من الأعضاء طرح انتقاداتهم مع المطالبة بتعليق أعمال الجلسة أو رفعها إلى حين اتمام المشاورات الضروريّة بشأن تعديل تركيبتها وفق رؤية تشاوريّة لا تُقصي أيّ طرف أو جهة، على غرار ممثّل الحزب الديمقراطي التقدمي منجي اللوز الّذي قال: «أطالب بتعليق هذه الجلسة والدعوة إلى التشاور العاجل من أجل التوافق»، والمحامي العياشي الهمامي الّذي أشار: «إلى أن الحكومة واصلت التعامل بطريقة الأمر الواقع وهي دوما تُعيد نفس الخطإ، ومن خلال وضوح التوجهات الرافضة للهيئة بتركيبتها الحالية وعدم الرضاء عليها داخل القاعة وفي ظلّ تواصل النزعة الاحتجاجيّة أقترح تعليق الجلسة وإرجاء أعمالها إلى حين التوافق بشأن تركيبة جديدة». إطار وفاقي لا يُقصي أحدا من جهته أعرب المنصف اليعقوبي (الاتحاد العام التونسي للشغل) عن استغرابه من تغييب أطراف ساهمت في الثورة وخاصة من الشباب والجهات وطالب هو أيضا بتأجيل أشغال هذه اللجنة ، وطالب مختار طريفي رئيس الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان بإعادة تشكيل اللجنة عبر التشاور مع الأخذ بعين الاعتبار تمثيل الشباب والجهات. وقال نور الدين البحيري (حركة النهضة): «نحن في حاجة إلى إطار وفاقي لا يُقصي أحدا ، إذ لا يحقّ على أحد أن يسطو على مستقبل البلاد ، وهذه الهيئة غيّبت عدّة أحزاب وممثلين عن الجهات والشباب». «فزّاعة الفئويّة» ومستقلون في جانب متّصل نبّه محمّد جمور (حزب العمل الوطني الديمقراطي) إلى خطورة «فزّاعة الفئويّة» والقول بالخلفيّة الإيديولوجيّة عند الحديث عن تركيبة الهيئة ، وأشار المحامي سمير بن عمر (المؤتمر من أجل الجمهوريّة) إلى هيمنة لأعضاء ومناصرين محسوبين على حركة التجديد (قال إنّ عددهم بين 24 و25 عضوا ) على تركيبة الهيئة في الوقت الّذي تُغيّب فيه أحزاب أخرى شاركت في الثورة. وأكّد عبد العزيز المزوغي أنّ بعض الأحزاب السياسيّة تريد السطو والهيمنة على الهيئة مشدّدا على دور المستقلين ومُطالبا من زملائه تقديم أسماء الأعضاء المورطين مع النظام السابق الموجودة داخل الهيئة، وقال المزوغي: «الظرفية دقيقة وتستلزم حلاّ منقوصا وهذا ليس عيبا». ضغط الوقت ورغبة شعبية وكان عياض بن عاشور رئيس اللجنة قد نبّه إلى مخاطر تعليق أعمال اللجنة على مهمّة تحقيق نجاح أهداف الثورة في الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي ، إذ أنّ ضغط الوقت والرغبة الشعبية في انتخاب مجلس وطني تأسيسي يوم 24 جويلية القادم تقتضي العمل وبسرعة ونجاعة لتحضير متطلبات الانتخابات وأشار إلى الصعوبة الميدانية لذلك مشدّدا على ضرورة الوفاق في هذه اللحظة التاريخية الفارقة وتحمّل المسؤوليّة من كلّ الأطراف منتقدا الطريقة الّتي تمّ بها تعيين أعضاء الهيئة من قبل الوزير الأوّل متعهّدا بنقل كلّ الآراء والمقترحات إلى السلطة.