عندما تتكاثر الصور وتتداخل، وتجرح النظر صور النار والقتل والدمار،وتعتلج العواطف في الصدور، يخترق الذاكرة بعض مما دونه لنا التاريخ قديمه وحديثه عن الطغاة ونهاياتهم... في مطلع التاريخ المسيحي حكم في روما الطاغية (نيرون) الذي وصل الى السلطة بكثير من الاغتيالات التي طالت حتى اقرب المقربين اليه من أصدقاء وأقارب وضباط وقائد جيش، وثبّت عرشه على تلال من الجماجم وبحور من الدماء ،وخنق العديد من الثورات والانتفاضات..كان مولعا بالعزف والغناء متعطشا للأوسمة والألقاب يسعى اليها هنا وهناك ليعود بها مزهوا الى قصره ...وفي ذات يوم من عام 64م ارتسم في خياله «مشروع» اعادة بناء روما فعمد الى اشعال الحريق الشهير.. كانت ألسنة اللهب تتصاعد وآلاف الأجساد تحترق والضحايا يستغيثون بينما جلس هو على ربوة يتسلى بمنظر الحريق ويتغنى بأشعار هوميروس التي كتبها عن حريق طروادة...ووجّه التهمة للمسيحيين «الجرذان» وساق الى الموت منهم الأفواج وراء الأفواج على مدى اربع سنوات كاملة ..الى ان أعلنه مجلس شيوخ روما (عدوا للشعب) ..تخلى عنه أصدقاؤه وأزلامه فهرب من قصره إلى كوخ بعيد لأحد خدامه الذين بقوا معه وظل مختبئا يبكي حتى سمع وقع أقدام الجنود تحوم حول المكان فانتحر..وكتب في التاريخ طاغية. في نهاية القرن الثامن عشرسرق نابوليون بونابارت ثورة الشعب الفرنسي ونصّب نفسه امبراطورا واطلق عساكره شرقا وغربا الى ان مات وحيدا منفيا في جزيرة (الب).. وفي النصف الاول من القرن العشرين امسك ادولف هتلر بزمام السلطة في المانيا وجر وراءه شعبا جرحته اتفاقيات (فرساي) التي عفّرت وجه الالمان في التراب لكنه سرعان ما أخذه الزهو والغرور فطغى من عليائه على شعبه ثم على العالم كله ومات منتحرا بعدما تحولت المانيا الى أطلال تقاسمتها قوى الشرق والغرب...وعايشه في زمنه طاغية آخر هو بينيتو موسوليني. أراد بصلفه ان يصل ب«علم الفاشية الى النجوم» فوصل بايطاليا الى الدرك الأسفل وقتل مشنوقا من رجليه في محطة بنزين في ميلانو في افريل 1945مع عشيقته وليس أكثر من خمسة عشر فردا ظلوا معه...ومع مطلع هذا العام 2011 أطلق الطاغية بن علي زبانيته يثخنون في صدور الشباب، وأذنابه يهتفون بأنه مازال المنقذ الذي «غلّطوه» لكن هيهات وقد سبق السيف العذل..وعلى خطاه تباكى حسني مبارك وتوسّل مثله بما قدمه للوطن من «تضحيات» وأصر على البقاء فوق كرسيّ ملّه حتى خشبه ...ومثلهما يفعل علي عبد الله صالح يقتل ويشكل «لجانا للتحقيق» متبرئا من القتلة ويقول ان عدد الضحايا لا يزيد على ثلاثة فيما تواري الجماهير الثرى عشرات الجثامين ...وفوق ارض المختار الحبيبة يصر القذافي على ان «شعبه يحبه» وان مئات الآلاف من البشر الذين خرجوا للشوارع يطالبونه بترك «السلطة للشعب» ما هم الا شرذمة من «المهلوسين» و«الجرذان»(؟) وعملاء «القاعدة» فيستبدل الحكمة بالطغيان، ويوجّه الى الصدور العارية ومنذ الوهلة الأولى فوهات المدافع تحصد الأرواح بلا رأفة، والدبابات والطائرات وراجمات الصواريخ تدك الأخضر واليابس ويقول انه سيفعل ذلك (زنقة زنقة ودار دار) بل حتى الجدران سيقلبها والخزانات سيفتشها بحثا عن هؤلاء «الجرذان» لا تأخذه بهم شفقة ..ولم تسلم مدينة ولا قرية في شرق ليبيا وغربها حتى كان التدخل العسكري الغربي (والعربي) تحت غطاء الأممالمتحدة ومجلس الامن وتحترق ليبيا كلها : «الجرذان» بنيران القذافي.. وقوات القذافي بالنيران الامريكية والغربية ويسيل الدم العربي الليبي الغالي مدرارا. يتدخل الغرب ويعطي تدخله عنوانا: «فجر أوديسا»..والاوديسة هي الملحمة الإغريقية لهوميروس مع الإلياذة..والاوديسة تعني عودة «البطل» اوليس الى بلده والى زوجته (بينيلوب) بعد غياب ومعاناة دامت عشر سنوات ..فماذا يعنون بالاوديسا الآن؟ والى اية عودة يشيرون؟ ومن هو البطل العائد الى حضن الوطن؟ وتقفز صورة أخرى من التاريخ ...صورة الجنرال الفرنسي (غورو) وهو يقف على قبر البطل الخالد صلاح الدين في دمشق عام 1920 بعد معركة (ميسلون) ليطلق قولته الحاقدة الشهيرة ( ها قد عدنا يا صلاح الدين). ليت الطغاة يقرؤون التاريخ وليتهم يدركون ان الشعوب ليست «جرذانا» وان الاوطان بأهلها باقية وهي أغلى من الكراسي الزائلة حتى ولو تربع عليها الاباطرة او ملك الملوك.