٭ محمد الهاشمي الطرودي (صحافي ومحلل سياسي) اسمحوا لي سيادة الوزير، انطلاقا من هذا الاجتهاد لفهم ومقاربتكم السياسية، ومن مجمل هذه التساؤلات التي طرحتها، وردود الفعل التي أجملتها، أن أطرح أمام أنظاركم السامية بعضا من المسائل والملاحظات والمقترحات. ٭ السؤال المشروع الذي طرحه العديد من المعنيين بالشأن السياسي، والمراقبين، هو ما هي المعايير والمواصفات التي اعتمدتها الجهة التي تولت مسؤوليّة وضع قائمة المجلس. لقد سئلت، يومها، في برنامج بقناة الجزيرة عن هذه القضية موضع الجدل: فأجبت: إنّ من حقّ الناس أن يتساءلوا عن معايير الاختيار، ومن واجب المسؤولين توضيح وجهة نظرهم كما ناشدتكم، في نفس السياق، أن تتولوا النظر في الأمر، لأنّ المستهدف الأول، في تقديري، هو مصداقية حكومتكم، والرصيد الرمزي الذي اكتسبته في هذا الظرف الوجيز. ما ينبغي في تقديري، ليس توسّع اللجنة كما يرى البعض، وليس إعادة النظر في تركيبتها كما يرى البعض الآخر، قبل هذا وذاك ينبغي إجراء تحقيق جاد ومستقل حول الملابسات التي حفّت بتشكيل هذه القائمة لكشف الحقيقة وللنظر في مدى وجاهة وحجمهم وأيضا لتبرئة ساحتهم إذا تمّ دفع القائمين على هذه العملية، الشبهات التي يروجها البعض، بأنّ العملية كانت أيضا ثمرة «التكنين والتخنتيب، والأخوانيات، والعادات السيئة من ثقافة أولاد الحكومة حكومة وأخيرا لا بدّ من البحث عن دور ما سماه البعض بالجهات غير الواضحة، أو القوى الغامضة أو الحكومة الخفية. إنّ قوى النظام السابق -ومن الخطإ نعتها بالفلول- لن تكف، في عهد حكومتكم، عن الهمس واللمز، والمناورات، ووضع الخطط للشدّ إلى الوراء، ومحاولة إعادة إنتاج النظام القائم،وإن بديكور جديد، وحكاية هذه القائمة ربما هي بعض من هذه المناورات. لكن حظ حكومتكم أنّها تحظى – وخلافا للحكومة السابقة- بمساندة كل القوى السياسية والاجتماعية الحريصة على حماية الثورة، وفي مقدّمتها شباب الجهات الذين ثمنت موقفهم بسخاء، علاوة على أنّها ليس لها أكثر من خصم، وخصمها الوحيد هو تلك القوى التي تريد شرّا بالثورة. إنّ الجميع، على يقين، أن حكومتكم ستسعى على حدّ قولكم إلى فرز الغثّ من السمين، وتخليص الحرير من الشوك، أي أنّها «ستتعاطي مع تلك القوى بعقلانية وواقعية، براغماتية وحسّ رفيع بدقّة الوضع، وسيل المخاطر المحدقة بالثورة والبلاد». أحد الأخطاء القاتلة للحكومة السابقة، أنّها طمحت إلى التصدّي لقوى الثورة المضادة، ورفضت في الآن نفسه، الأيدي الممدودة لمساندتها على تحقيق هذا الهدف. إنّ اللجنة الحكومية، أو الإدارية، التي باشرت العملية، وأنجبت هذه التركيبة، فإمّا أن تكون فعلت ذلك نتيجة عجز عن استيعاب رؤية الحكومة الجديدة، في التعاطي مع الشأن السياسي، وقصور عن فهم الوضعية السياسية ومتطلباتها فهذه مصيبة، وإمّا أن تكون فعلت ذلك عن عمد، وسابق إضمار، لاعتبارات إيديولوجية أو لأغراض سياسية، تتطلب زرع الولاءات والزبائن فهذه مصيبة أعظم، لأنّ في ذلك إساءة للحكومة، ومحاولة لزعزعة روابط الثقة بينها وبين النخب والرأي العام الوطني، أو قل إنّها دعوة إلى العود على بدء عبر الإشعار بأنّ هذه الحكومة كأختيها. ٭ تركيبة المجلس: تضمّ اللجنة 12 حزبا سياسيا والتي بلغت اليوم ما يزيد على 30 حزبا، كما تضمّ، فقط، ممثلين عن 15 منظمة من منظمات المجتمع المدني. وما يثير الاستغراب في هذا الصدد هو غياب ممثلين عن «الاتحاد الوطني للفلاحين»، أو باختصار ممثلين عن الفلاحين، وكأنّ من اختارتهم «العناية الالهيّة» للإشراف على حظوظ هذه القائمة تناسوا أنّ بلادنا مهد الزراعة منذ فجر التاريخ، العالم القرطاجي ماغون صاحب الرسالة الشهيرة في علم الاقتصاد الزراعي . ونسوا وهو الأهم، أنّ الفلاحين كانوا وقود ثورات التحرّر الوطني، بدءا من انتفاضة تالة عام 1904 وانتهاء بثورة التحرّر الوطني وقبلها ثورة ابن غداهم، تلك الصرخة المدويّة في وجه الظلم، والاستبداد، والقمع، والاستغلال، الذي مارسه بايات تونس على الأهالي ومعظمهم من البدو والفلاحين، وأبناء هؤلاء كان لهم، أيضا، دور حاسم في خوض ثورة (14/1/2011) في المواطنة والديمقراطية. قدماء أبناء أرياف بوزيد، ومنزل بوزيان، وبئر الحفي، والقصرين وتالة والحامة وغيرها من القرى والمدن ساهمت في تعبيد طريق الحريّة التي ننعم. نسي هؤلاء « النابهون من جهة أخرى منظمات، وجمعيات المثقفين والمبدعين، من كتاب، وسينمائيين ومسرحيين، وفنّانين، ورسامين... لا أثر لها في القائمة. لا ندري أكان ذلك جهلا أم تجاهلا منهم لدور الثقافة والمثقفين، في نشر قيم الثورة، وغرس مبادئها في الحقلين السياسي والاجتماعي، فهل نحن بحاجة إلى تذكيرهم أنّ النضال لتحقيق أهداف الثورة على الجبهة الثقافية لا يقل أهميّة عن النضال في الجبهة السياسية، والإعلامية، والاقتصادية، والاجتماعية. ربّما عذرهم في إقصاء أهل الثقافة هو أنهم لا يزالون أسرى لرؤية السيد السابق للبلاد، للثقافة، رؤيته على أنّها تضليل وتزمير وفلكلور. غاب من هذه القائمة أيضا ممثلون عن الجمعية التي تشكلت أخيرا للدفاع عن العاطلين من أصحاب الشهائد، متناسين أن هذه الفئة من الشباب كانت، ولا تزال، أحد مكونات الحركة الثورية. ٭ قائمة أعضاء المجلس من الشخصيات الوطنية فقد استأثرت بالحظ الأوفر من الجدل، سواء، داخل المجلس أو في دوائر النخب السياسية والثقافية، وهو أمر طبيعي، فمن حقّ الأحزاب والمنظمات الأهلية أن تعيّن من تشاء لتمثيلها، أما اختيار أعضاء قائمة الشخصيات الوطنية فينبغي أن يخضع إلى معايير دقيقة وصارمة وأن يتحلّى المسؤولون عنه بقدر من الاستقلالية، والحيادية، والموضوعية، تتيح لهم اختيار شخصيات كفأة لا تتمتع فحسب، بالثقة والاشعاع، والنزاهة، والمصداقية، وإنّما تكون لها دراية بحقائق الواقع السياسي والثقافي الذي أنشأته الثورة، وحضور ملحوظ، ومشاركة ملموسة في الشأن العام، لأنّ هذه الشخصيات الوطنية تشكل، في الواقع، قوام هذا الإطار. يعني ذلك أن تضم القائمة مجموعة من الشباب الثائر، والمناضلين السياسيين والنقابيين ممن ساهموا في صنع الثورة، بالمساندة والدعاية، والإحاطة بالجماهير الثائرة، خاصة مناضلي الجهات، التي اندلعت منها الثورة، وباتت معاقل لها. يعني ذلك أيضا أن تشمل مجموعة من المناضلين، السياسيين، والحقوقيين، والإعلاميين الذين سكنهم الحلم بتونس أفضل وأجمل، والذين كافحوا في العهدين وعلى اختلاف مشاربهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية من أجل الإسهام في تحقيق طموحات الشعب التونسي للحريّة والعدل السياسي والاجتماعي، لم تثنهم عذابات السجون والمنافي ومختلف أصناف القمع والاضطهاد والحرمان، من الإصرار على التمتع بحق المواطنة ومواصلة المشوار. صحيح أنّ الثورة عفويّة ولكن من الصحيح أيضا أنّها نتاج تراكم تلك النضالات. يعني ذلك أن تشمل، ثالثا مجموعة من المحامين الشيوخ والشبان، الذين واكبوا مسيرة سجناء الرأي، ودافعوا عن الحقّ والعدل فكانوا لهم نعم النصير. يعني ذلك أخيرا أن تشمل، مجموعة من المثقفين والجامعيين، وأهل المهن الحرّة، ورجال الأعمال ممن يتمتعون بالإشعاع ويساهمون، كل من موقعه، في إعلاء منزلة تونس. كان من المفروض أن يتمّ الحرص في وضع هذه القائمة، من جهة أخرى، على تحقيق نوع من التوازن بين مختلف ألوان الطيف السياسي، وبين المنتمين إلى مختلف المرجعيات الإيديولوجية والفكرية.