٭ محمد الهاشمي الطرودي (صحافي ومحلل سياسي) إنّ التشديد على احترام المعايير التي تفضي إلى تشكيل قائمة، على هذه الصورة، يمليها الوعي بأنّ الشخصيات الوطنية تشكل في الواقع قوام هذا الإطار، والمصدر الرئيسي لإشعاعه وتألقه، وأيضا الضامن الفعلي لنجاعة أدائه، وانجاز مهامه، لأنّ وزن هذه الشخصيات/الرموز، وانتمائها إلى أصناف المجموعات التي ذكرنا كان سيؤمن للمجلس ثقة الرأي العام، ومساندة معظم ألوان الطيف السياسي، ومكونات المجتمع المدني ولأن هذا الفريق من مكونات المجلس وهو الأمر الأهم سيكون الأقدر بحكم استقلالية البعض، وموضوعية الرؤية للبعض الأخر، على إنضاج ظروف الوفاق الوطني وبلورة الحلول الوسطى بين الفرقاء السياسيين، حول أمّهات المسائل الخلافية. إذا فحصنا تركيبة قائمة الشخصيات الوطنية على ضوء ما سبق، نلاحظ، مع الأسف، أنها دبرت على عجل في أفضل تقويم، أو لغاية في نفس يعقوب، كما يقول المثل، في أسوإ التقويم. ليس من الموضوعية القول بأن القائمة تضمّ كثيرا من النكرات والمغمورين، أو ممن ركبوا موجة الثورة، فغالبية أعضاء القائمة من المناضلين السياسيين، ونشطاء حقوق الإنسان ومناضلات الحركة النسائية، كما تضمّ محامين وجامعين ومثقفين مرموقين لكن هذا لا يمنع من القول إن اختيار هذه القائمة وإذا استثنينا بعض الذوات الجديرة بهذا التشريف والتكليف لم يخضع لقاعدة الصالح والأصلح، ولو طبق «أهل الذكر» ممن تولوا، لسوء الحظ، إعداد هذه القائمة، لاختفت عديد الأسماء من الصالحين وعوضتها أسماء من فئة الأصلح. أما العيب الثاني فيتمثل في دوس الاعتبارات الأخلاقية والقيمية لبعض الأعضاء، وفي ذلك طعن لصدقية المجلس وقيمته ويبدو ذلك في أنّ بعض أعضاء القائمة عارض «مجلس حماية الثورة» بضراوة ولم يتحرّج من الانضمام إلى هذا المجلس، والحال أنّ هذا ربيب ذاك، وحتى الخلاف حول الصيغة الاستشارية أو التقريرية للمجلس لم يعد ذا معنى، لأنّ المجلس الراهن يتمتع عمليا، وبعد أن أصبحت الهيئة العليا إحدى مفردات هذا الإطار، سلطة شبه تقريرية، فالحكومة ستصادق دون شكّ على مشاريع وقرارات الاتجاه الأعلى في المجلس. ربما عذر هؤلاء الوحيد في هذا التراجع، هو أنّ التركيبة الراهنة للمجلس جاءت على هواهم، وأن معارضتهم السابقة لا تحكمها اعتبارات مبدئية بقدر ما تحكمها الاعتبارات الإيديولوجية والسياسية. يبدو ذلك من جهة ثانية في أنّ بعض الأعضاء ينتمون إلى تيارات وأحزاب لم ترتح اطلاقا لمبادرة تشكيل «مجلس حماية الثورة» في أنّ الحكومة، وأعني الحكومة السابقة، كفيلة بهذه المهمة وليست بحاجة إلى من ينازعها الأمر. يبدو أخيرا في أنّ البعض لا يتكرم إلى الأن، بوصف ما حدث بتونس بالثورة، فهو لا يزال مترددا بين تسميته انتفاضة أو ثورة. كان من المنطقي أن يتردّد هؤلاء في الانضمام إلى هذا المجلس، لأنّ هذا الإطار ولئن طرحته الحكومة بديلا لمجلس حماية الثورة فإنه يحمل روح الثورة، ويتبنى نهج التغيير الثوري، الذي تعهدت به حكومتكم والذي كانت خلف المبادرة الأولى، من المفترض أن تتّم مراجعة الموقف، اللهم إلا إذا كان البعض يريد خلاف ذلك، أو يطمح إلى سلب المجلس من تلك الروح. أما العيب الثالث فيتمثل في افتقار هذه القائمة للتوازن، فمن تولّوا وضعها، لم يكرسوا مبدأ العدل في التعاطي مع التيارات الإيديولوجية، وألوان الطيف السياسي التي تشكل المشهد الإيديولوجي والسياسي والثقافي التونسي فجاءت الغلبة فيها لمناضلي وأنصار العائلة اليسارية أو من هم على تخومها. ولا جدال أن انخرام التوازن، كان خلف العديد من الطعون، والشبهات والانتقادات، التي وجهت إلى هذه التركيبة، كما وفّر أرضية خصبة للمزايدات من أقصى اليمين وأقصى اليسار والتي في صلبها تكمن الأخطار الحقيقية على عملية الانتقال الديمقراطي، ومن البديهي أنّ البلاد ليست بحاجة في هذه المرحلة الصعبة، إلى التصعيد بقدر ما هي في حاجة إلى ترسيخ نهج الوسطية، والاعتدال والتمرّن على إبداع الحلول الوسطى، وإنضاج ظروف الوفاق بين مختلف العائلات الفكريّة والسياسية. ومن هذه الزاوية يمكن القول إن المسؤولين عن هذه العملية غيبوا لسبب أو لآخر هذه الرؤية في التعاطي مع إشكاليات وتعقيدات الوضع السياسي وكانوا خلف كل ما حدث. لو كنت فئويا، أو متعصبا لاستبشرت بهذه القائمة لأني أنتمي بدوري إلى العائلة اليسارية، وقضيت زهرة شبابي في السجون، التي أبى النظام البورقيبي إلا أن تكون مأوى لأجيال من مناضلي هذه العائلة، ضف إلى ذلك أنّ القائمة وشحت باسم أحد رفاق الدرب، جلبار النقاش، الذي قضى في سجن برج الرومي عشر سنوات وقضيت بجواره سبعا ويشاء توارد الخواطر، في هذه الرسالة، أن أتذكّر أنّنا دشنا هذه المرحلة السخيّة عام 1968 زمن توليكم حقيبة وزارة الداخلية، عزاؤنا أنكم أصبحتم مناضلا صلبا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في السبعينيات عندما كنا نقضي هذه «الربطية». لم أستبشر لأني أعتقد أنّ صون المصلحة العليا للبلاد لا يتأت إلا بالسعي إلى تحقيق التوازن والوفاق والمكافحة الجادة لأساليب الاقصاء والنظرة الأحادية مهما كان مأتاها، ومهما كانت التلوينات التي تسوق لها وأيضا لأنّ مصلحة هذه العائلة، وكما هو الشأن بالنسبة إلى بقيّة العائلات الفكرية والسياسية، وتحقيق طموحاتها في تعزيز حضورها الشعبي، ودعم تواجدها الفكري والثقافي في البيئة التونسية لا يمكن أن يتأت، في عصر الديمقراطية، وبأيّ حال من الأحوال، بالأساليب الإدارية وإذا حصل ذلك فهو مجرد كسب آني لا يسمن ولا يغني من جوع. ولذا كنت آمل أن يتواجد بجوار ذلك الشيخ من شيوخ اليسار، شيخ آخر من شيوخ النهضة، من أمثال الشيخ صادق شورو والذي قضى بدوره ما يزيد من 15 سنة في السجن، بعضها في زنزانة انفرادية، ولم يشف ذلك غليل زبانية بن علي فقد نفلوه بسنة أخرى بعد إطلاق سراحه. اسمحوا لي سيدي الوزير أن أعرض عليكم وانطلاقا من هذه المقاربة لتقويم حال تركيبة هذا المجلس وما طرحته من إشكاليات وملابسات بأن أعرض على أنظاركم ما هو مأمول بتقديري والذي يمكن أن أختزله في ما يلي: ٭ من الضروري مراجعة النظر في تركيبة المجلس لتكون أكثر توازنا، ولتترجم بأكثر ما يمكن من الموضوعية والدّقة حقائق الواقع السياسي والثقافي الذي أنشأته الثورة. ٭ من الأفضل أن يقتصر دور المجلس على النظر في مشروع القانون الخاص بانتخاب المجلس التأسيسي ومشروع «عهد وطني» يضمن الثوابت التي تلتقي حولها مختلف العائلات الفكرية والسياسية، إضافة إلى الإسهام في تحضير الانتخابات، وتوفير الشروط الكفيلة بإجراء انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة، أما مشاريع القوانين الأخرى، كقوانين الأحزاب، والصحافة، والجمعيات فالأحرى أن تكون من مشمولات نظر المجلس التأسيسي. ٭ من المحبذ ووفاء لشهداء الثورة، وترميزا لها، أن تسند الرئاسة الشرفية للمجلس لشخصية من الجهات من المشاركين في الثورة أو المساندين لها، أو لناشط من النشطاء السياسيين والحقوقيين ممن يتمتعون بالإشعاع والمصداقية . اسمحوا لي سيادة الوزير بالإشارة إلى أنّ هذه الرسالة تتنزل بتقديري، في صميم الدور الذي ينبغي أن يلعبه الإعلام، في هذه المرحلة، لمساعدة الثورة ولن يتأتى ذلك إلاّ بكشف الممارسات، وأساليب العمل، التي تلحق، عن وعي ودون وعي، عن خبرة أو نقص خبرة الأذى لهذه الثورة التي شدّت أنظار العالم، وشهد الجميع بأثرها في المنجز الحضاري الإنساني. إنّ ما بغيب عن القوى التي يشدّها الحنين إلى الماضي، وترتدي ثوب الثورة لاغتيال الثورة، أنّ جوهر ما أنجز في هذه الانعطافة التاريخية هو عزم الشعب التونسي، ورغم كل العراقيل والمصاعب، على العمل من أجل التحرّر من موروث ثقافة «المخزن» و«السيبا» وطرح قضية الخاصة والعامة من منظور المواطنة، أو بالأحرى العمل على تحويل مقولة «تونس لكل التونسيين» إلى حقيقة ملموسة. والله يهدي ما خلق.