انتقد السيد مراد التلميني مدير عام مركز العلوم والتكنولوجيا النووية وأستاذ التعليم العالي المختص في الفيزياء الذرية الدعوة إلى إيقاف تنفيذ مشروع المفاعل النووي بتونس. وأشار الى أن «المشروع هو خيار استراتيجي ومجتمعي لن يُفرض... وأن الجدل حوله يُقبل ما إذا كان مبنيا على تحليل علمي دقيق ومقنع». وكانت «الشروق» قد أوردت في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي دعوة تقدّم بها السيد عثمان بوصندل المهندس المختص في الكيمياء التحليلية والامتصاص الذري تنادي بضرورة التخلي عن المشروع نظرا إلى «خطورته» على حد قوله. هذه الدعوة ساندها السيد عبد القادر الزيتوني المنسق العام لحزب تونس الخضراء قائلا إن الخضر سيتصدون للمشروع. تخلّف ردّا على هذه الدعوة قال الأستاذ الدكتور مراد التلميني انه ليس في موقع المدافع عن المشروع لكنه يمتلك من التفسيرات العلمية ما يمكنه الاقناع بمدى أهمية هذا المشروع الاستراتيجي بالنسبة الى تونس. وذكّر الأستاذ التلميني بأن ملف الطاقة النووية في تونس تم إغلاقه منذ الستينات وإلى غاية بداية التسعينات حيث تم تحيينه بإحداث مركز العلوم والتكنولوجيا النووية عام 1993... وبالتالي «خسرت تونس حوالي 30 عاما من المجهود العلمي في هذا المجال» على حد قوله. ما نتج عن انغلاق تلك السنوات هو تخلف تونس على الأقل عن ركب دول الجوار (ليبيا والجزائر والمغرب) في إحداث مفاعلات تجريبية مخصصة للتدريب والبحث العلمي... و«في شمال افريقيا اليوم لا توجد هذه المفاعلات في تونس وموريتانيا وهذا أمر مؤسف» وفقا لما جاء على لسانه. ندرة المياه والحاجة الى الطاقة فسّر الأستاذ الدكتور مراد التلميني الذي تم تعيينه في شهر أكتوبر الماضي مديرا عاما للمركز فكرة إحداث مشروع مفاعل نووي بتونس بالحاجة الملحّة الى الأمن الطاقي أولا وبالحاجة الى مواجهة أزمة ندرة مياه الشرب التي ستعيشها البلاد خلال السنوات القادمة ثانيا. «المصدر الأساسي للطاقة في تونس هي الطاقة الأحفورية وأعني الغاز والنفط ونحن موردين لهذه الطاقة ونتأثر بشكل مباشر بتذبذب أسعارها لذلك برزت الحاجة الى تركيز نواة نووية لتأمين الطاقة الكهرونووية للاستجابة لحاجيات الاستهلاك... علما أن الطاقات البديلة لا يمكنها تأمين هذه الحاجيات فمساهمتها في انتاج الطاقة لا تتجاوز حدود 15٪ بالاضافة الى الارتفاع المشط لكلفتها هذا من جهة. من جهة أخرى يتوجب علينا الاستعداد لمجابهة أزمة مياه الشرب التي ستعيشها البلاد بداية من عام 2030... والحل الوحيد والممكن لمواجهة هذه الأزمة هو تحلية مياه البحر وهي عملية ممكنة باستخدام التكنولوجيا النووية». وأضاف الأستاذ التلميني ان لهذه التكنولوجيا مخاطر يمكن التحكم فيها... وأن الحوادث الثلاث التي جدّت في تاريخ الطاقة النووية (وهي ثري مايل ايلند بالولايات المتحدة في السبعينات وحادثة تشارنوبيل بأوكرانيا عام 1986 وحادث فوكوشيما عام 2011) أعطت دروسا لمزيد تعزيز الأمان النووي فتحكم اليابانيين في مفاعل فوكوشيما هو استيعاب لدروس حادث تشارنوبيل. الدرس الياباني في البال قال السيد التلميني أيضا ان الاشكال الأبرز للمشروع يتمثل في النفايات «لكننا قادرون على التخلص منها وفقا لإجراءات السلامة المطلوبة»... يليه إشكال حراسة المفاعل والاجراءات المتعلقة بالأمن والأمان النووي. وإشكال ثالث متعلق بالجانب النفسي بالنسبة الى السكان... فمن الضروري فتح باب النقاش حول المشروع حتى يكون السكان على دراية بمختلف جوانبه وبالتالي المشاركة في قبوله. كما قال ردّا على تصريح السيد بوصندل حول عدم امكانية رفض المشروع قبل 14 جانفي إن «بن علي لم يكن على هذه الدرجة من النبوغ كي يأذن بصفة شخصية بإنجاز دراسة جدوى للمشروع عام 2006 لأن الفكرة هي مطلب اقتصادي اجتماعي تبنته تقارير تقدّم بها مختصون بحجج علمية مقنعة». وقال «يجب أن نستوعب الدرس الياباني، فاليابانيون هم أكثر الشعوب معاناة من النووي والذي عرفوه من خلال قنبلتين أبادتا سكان مدينتي «ناغازاكي» و«هيروشيما»... ورغم ذلك تضم اليابان اليوم 55 مفاعلا نوويا منها مفاعل «فوكوشيما» والذي نجحوا في التحكم فيه مؤخرا عقب تعرضه للزلزال ولمواجهة التسونامي»... وأكد أنه من حق السكان المشاركة في التفكير في هذا المشروع الاستراتيجي... والذي سيكون على جدول أعمال الحكومة القادمة... فهل يتم عرضه على استفتاء شعبي؟