الداخلية تندّد بحملات التشويه على مواقع التواصل وتؤكّد تتبّع مروّجي الشائعات قضائيًا    مستقبل القصرين.. زياد الدربالي يخلف ماهر القيزاني    نجم المتلوي يؤكد مشاركته في بطولة الرابطة المحترفة الاولى    طقس الليلة    سليانة: ضبط خطة جهوية لمقاومة الحشرة القرمزية    الوضعية التقنية والمالية للشركة التونسية الهندية للأسمدة وآفاق إعادة هيكلتها محور جلسة عمل برئاسة وزيرة الصناعة    ترامب يفرض رسوما جمركية إضافية على الهند بنسبة 25 ٪    بطولة الرابطة المحترفة الاولى: الاولمبي الباجي يعلن عن تسوية كل النزاعات والمشاركة في البطولة    وزير الشؤون الدينية يكشف: إجراءات جديدة للقيام بمناسك العمرة    انطلاق فعاليات الملتقى الوطني حول الدمج المدرسي "التحديات والأفاق" ليتواصل إلى غاية 8 أوت الجاري    قفصة : برمجة 18 مهرجانا صيفيّا خلال هذه الصائفة    عاجل/ مقتل وزيرين في تحطم مروحية بهذه الدولة..    مصر تشن حملة واسعة ضد محتوى ''تيك توك''    السالمي: إلغاء جلسات التفاوض حاجة خطيرة وبرشة حاجات صارت اليوم تفوق الخطورة    كرة اليد: منتخب الأصاغر يفوز على المنتخب الأمريكي    عاجل: لقاء الترجي مهدّد بالتأجيل... وهذا هو السبب !    توننداكس يسجل تطورا ايجابيا قارب 31ر16 بالمائة خلال النصف الأول من سنة 2025    عاجل: مشروع قانون جديد باش ينظّم ''الفرنشيز'' ويحدّ من الاستغلال    نابل: محضنة المشاريع الناشئة "حمامات فالي هاب" تنظم لقاء التواصل بين رواد الاعمال المقيمين في تونس وفي الخارج    فتح باب الترشح للطلبة التونسيين للتمتّع بمنح دراسية بمؤسّسات جامعية بالمغرب وبالجزائر    اعتقال شقيق الممثلة أسماء بن عثمان في أمريكا : زوجته تكشف هذه المعطيات    بعد 14 عاما من الغياب : أصالة نصري في زيارة مرتقبة لسوريا    الجبل الأحمر: 8 سنوات سجن لشاب نفّذ "براكاج" مروّع لطالبة قرب المركب الجامعي    النوبة الجندوبية بمهرجان بلاريجيا تستعيد أمجاد الفن الشعبي    50 درجة حرارة؟ البلاد هاذي سكّرت كل شي نهار كامل!    عاجل : الحرس الوطني يكشف معطيات حول فاجعة اشتعال النّار في يخت سياحي بسوسة    عاجل- سوسة : غرفة القواعد البحرية للتنشيط السياحي تنفي و توضح رواية السائحة البريطانية    عاجل: دولة عربيّة تعلن الحرب عالكاش وتدخل بقوّة في الدفع الإلكتروني!    ما هي التطورات المتوقعة في قطاع الاستهلاك الصيني؟    عاجل: ماهي حقيقة تنحي الطبوبي؟ تصريحات رسمية تكشف كل شيء!    عاجل/ رئيس قسم طب الأعصاب بمستشفى الرازي يحذر من ضربة الشمس ويكشف..    علامات في رجلك رد بالك تلّفهم ...مؤشر لمشاكل صحية خطيرة    كيلي ماك.. نجمة The Walking Dead تخسر معركتها مع المرض    الحمامات: وفاة شاب حرقًا في ظروف غامضة والتحقيقات جارية    زيلينسكي مدمن".. روسيا تشن حرباً رقمية واسعة على أوكرانيا    اختتام فعاليات المهرجان الدولي للفنون الشعبية وسط أجواء احتفالية وحضور جمهوري واسع    المرصد التونسي للمياه تلقى 604 بلاغا بشأن صعوبات متصلة بامدادات مياه الشرب خلال شهر جويلية 2025    لبنان يغيّر اسم شارع حافظ الأسد إلى زياد الرحباني    قوات الاحتلال تعتقل صحفية فلسطينية بالضفة الغربية..#خبر_عاجل    ماء الليمون مش ديما صحي! شكون يلزم يبعد عليه؟    إحداث قنصلية عامة للجمهورية التونسية بمدينة بنغازي شرق ليبيا    كتب ولدك للسنة الثامنة أساسي (2025-2026): شوف القائمة الرسمية    عاجل : وفاة بطل كأس العالم مع منتخب ألمانيا    الرابطة المحترفة الاولى : شبيبة العمران تعلن عن تعاقدها مع 12 لاعبا    جريمة مروعة تهز هذه الولاية..والسبب صادم..#خبر_عاجل    أوساكا تتأهل إلى قبل نهائي بطولة كندا المفتوحة للتنس وشيلتون يُسقط دي مينو    فرنسا: حريق ضخم يلتهم آلاف الهكتارات بجنوب البلاد    مهرجان قرطاج الدولي 2025: الفنان "سانت ليفانت" يعتلي ركح قرطاج أمام شبابيك مغلقة    تاريخ الخيانات السياسية (37) تمرّد زعيم الطالبيين أبو الحسين    استراحة صيفية    أضرار فلاحية في القصرين    تراجع نسبة التضخم في تونس خلال جويلية 2025 إلى 5.3 بالمائة    دبور يرشد العلماء ل"سرّ" إبطاء الشيخوخة..ما القصة..؟!    عاجل- في بالك اليوم أقصر نهار في التاريخ ...معلومات متفوتهاش    التراث والوعي التاريخيّ    جامع الزيتونة ضمن سجلّ الألكسو للتراث المعماري والعمراني العربي    فنان الراب العالمي بلطي يروي قصص الجيل الجديد على ركح مهرجان الحمامات    تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديقة بلا سياج: الوحدة و الحرية
نشر في الشروق يوم 29 - 03 - 2011

لو كان الاستبداد عامل وحدة حقيقيّة لصدّقنا أنّ طغاتنا لم يستبدّوا إلاّ من أجل تحقيق الوحدة العربيّة! بدليل الزعيق نفسه المنبعث من ثكنة العزيزية ومن قصر صنعاء. وما تنضح به خارطة الدم المستباح الذي وصل بين مدنٍ كانت منثورة على خرائط متباعدة، فإذا سيدي بوزيد ومصراطة والسويس ودرعا والمنامة أسماء متعدّدة لمدينة واحدة.
والحقّ أنّ في وسع طغاتنا أنّ يدّعوا في الوحدة فلسفةً! فقد برع كلٌّ منهم في توحيد شعبه على حدة قبل أن يبدعوا في توحيد العرب مجتمعين!! وكيف لشعب أن لا يلملم أطرافه وطبقاته وأجياله ليثور في وجه عقود من الاستبداد والفساد تؤمّنها مافيا سرطانيّة وتتوّجها عائلة من الورثة مصّاصي الدماء؟ كيف لا تشعر الجماهير العربيّة بأنّها واحدة وهي تشاهد المسلسل نفسه يُعاد بثّه على مدار الساعة:
خطاب أوّل يتوعّد العصابات الضالّة كلبًا كلبًا أو يهدّد مواطنيه زنقة زنقة! يتلوه خطاب ثانٍ بين جرعة من دم المواطنين وجرعة من الزطلة. يتلوه خطاب ثالث عن الفهم والتفهّم أو اقتراح التنحّي لفائدة أيدٍ أمينة، سرعان ما يتّضح بعده أنّ الحقائب كانت جاهزة للرحيل المخزي!
مسلسل من تأليف بن علي واقتباس مُبارك ومُراجعة علي صالح. أمّا بطولته فهي مشتركة بينهم وبين زملائهم من الطغاة العرب الآخرين الموجودين على قائمة الكاستينغ، ليس عن رغبة منهم بل بفضل كفاءتهم الاستبداديّة التي يشهد لهم بها المُخرج العظيم: التاريخ.
ويبدو أنّ القذافي مرشّح جدّي للالتحاق بأبطال هذا المسلسل قبل غيره، لكنّه يعيد الآن قراءة الكتاب الأخضر لعلّه يجد في النظريّة الثالثة فقرة تصلح لإعادة تأليف النهاية على غير السيناريو المحتوم!
بعيدًا عن السخرية، لنقل إنّ وحدة الشعوب أمام طغيان طُغاتها كانت تظلّ وحدة سالبةً لا تخرج عن ردّ فعل الضحيّة وهي تنتفض بين أنياب جلاّدها، لو لم تنتقل بها الثورة إلى مستوى الفعل والإيجاب.
في أسابيع معدودة بدا للجميع أنّ الجماهير العربيّة أصبحت جمهورًا واحدًا متوحّدًا تخرّج بتفوّق وبسرعة خاطفة من مدرسة واحدة: مدرسة الثورة. وفي ثلاثة أشهر بات من الواضح أنّ هذه الجماهير تنطلق من ثقافة مشتركة، لا حدود تفصل بين أهدافها وبرامجها ولا جمارك تحول دون تفاعُل خططها وحيَلِها للالتفاف على ترسانات طُغاتها.
هكذا لم يعد غريبًا أن ترتفع الأعلام التونسيّة في ليبيا ومصر وأن ترتفع الأعلام المصريّة والليبيّة في تونس واليمن وسوريا والبحرين والمغرب والجزائر. كما لم يعد غريبًا أن نرى الإبداع نفسه يتواصل من ساحة القصبة في تونس إلى ميدان التحرير في القاهرة إلى ساحة الحريّة في صنعاء وبنغازي إلى ساحة اللؤلؤة في المنامة إلى ساحة الكرامة في درعا.
بلا شقشقة إيديولوجيّة صنعت الثورة في أسابيع أكثر ممّا صنعته شعارات الوحدة العربيّة وحزبوتُها في عقود طويلة. وخرجت بحلم الوحدة من سماء الفراديس المفقودة أو المنشودة إلى أرض الواقع والراهن.
حقيقة لا يمكن إلاّ أن تثير حنق الطغاة وغيرتهم. لذلك يتمسّكون بالسلطة حتى آخر مواطن، بل حتى آخر رضيع في البلاد حسب الرواية القذّافيّة. كلّ ذلك بدعوى السماح وباسم الكفاح ورغبة في الإصلاح!!
المشكلة أنّهم يستعملون هنا مفردات لم تعد صالحة للتواصل مع شعوبهم لكثرة ما أفرغتها الممارسة من كلّ مضمون، وبسبب نسبتها إلى من هم أصل الفتنة والفساد الذين لا يتذكّرون الإصلاح إلاّ بعد أن يرفعوا صوت السلاح، ضدّ شعبهم تحديدًا وليس ضدّ «أعداء الشعب» أو «أعداء الأمّة»!
مفردات علاها الصدأ وأصبحت تنبعث منها رائحة الفورمول نفسها المنبعثة من آباط مستعمليها. مومياوات خارجة من توابيتها للتوّ، لم تنتبه بعد إلى أنّها تحكم شبابًا من بينهم 20 إلى 25 مليون شخص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كادوا يعيدون اختراع ال«فايس بوك» و«تويتر» وغيرهما من عطايا الأنترنات لفرط ما أحسنوا توظيفها، بعد أن عرفوا كيف يضعون اليد عليها باعتبارها ثقافةً لا مجرّد أدوات.
ثقافة قائمة على مجموعة مبادئ أساسيّة من بينها: عدم احتكار المعلومة، وإصدارها بشكل أفُقيّ، وتداولها بطريقة تفاعليّة. وهي مبادئ لا مجال معها لسلّم أولويّات غير ما تتطلّبه المستجدّات من أسبقية حضور وتداول، ولا مكان معها لهرميّةٍ تحتكر ذروتها القمّة بالمقارنة مع القاعدة. وللكلّ في سياقها الحقّ في أن يكون صاحب المبادرة والسبق. فالعبرة بالأداء والكفاءة ولا أهميّة للموقع.
المعلومة هي السلطة.
لذلك انتزعت الجماهير السلطة من الطغاة حين عرفت كيف تسيطر على المعلومة وكيف تتقاسمها. وليتنا نرى قياداتها الآن تسير على النهج نفسه، لعلّها تخرج بنا من الوحدة في الاستبداد إلى الوحدة في الحريّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.