إجراءات لفائدة القطاع السياحي بزغوان    الشعباني يقود نهضة بركان للفوز بكأس ال «كاف»    قرعة كأس العرب ..تونس في المجموعة الأولى مع قطر    بوتين يهنئ قادة الدول والحكومات الإفريقية ب"يوم إفريقيا"    مع الشروق : آه منكم يا عرب !    مصر.. تحذيرات غامضة من "حدث كبير وشيك"    منذ بداية العام وإلى غاية 23 ماي: تسجيل 411 قتيلا و2390 جريحا في حوادث المرور    الصندوق العالمي للطبيعة بشمال افريقيا ينظم "مخيم القرش" بجرجيس من 16 الى 19 جوان 2025    أحمد الجوادي يحرز برونزية سباق 1500 م سباحة حرة في ملتقى ماري نوستروم    اختتام الدورة الثالثة من الأيام المسرحية بالمؤسسات التربوية بدار الثقافة المزونة    السعودية: المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال ذي الحجة مساء الثلاثاء    بداية من الغد: الانطلاق في إجراء تحليل تقييم خطر الإصابة بتسمم الحمل في مستشفى وسيلة بورقيبة    أمين عام "حزب الله".. ننصح ترامب أنه أمام فرصة التحرر من إسرائيل والدفع بالاستثمار الأمريكي بالمنطقة    وزارة الصحة.. الناموس يمكن ان ينقل امراضا فيروسية وهكذا نحمي انفسنا مه    غرق سفينة تنقل مواد خطرة قبالة سواحل الهند    القصرين: تنظيم قافلة صحية متعددة الإختصاصات بالمدرسة الإعدادية "الزردة" بفريانة    وزير الشباب والرياضة يشرف على اختتام النهائيات الوطنية لألعاب القوى على المضمار لحاملي الإعاقة للموسم الرياضي 2024-2025    كأس تونس.. الترجي يقصي بنقردان ويمر الى النهائي    طقس الليلة    ارتفاع صادرات القوارص بنسبة 46% خلال موسم 2025/2024    أخر أجل لقبول الترشحات للبرنامج التدريبي في تقنيات إعداد البودكاست الأدبي 3 جوان 2025    الخارجية تعلن رسميًا: استئناف نشاط القنصلية التونسية ببنغازي    دراسة: تونس تتمتع ببنية تحتية رقمية في توسع مستمر في ظل وجود إمكانات كبيرة للاستفادة من التقنيات الحديثة لخدمة المصلحة العامة    أشرف الكعلي وبرنامج "فكرة سامي": ترويج الغباء ونظرية المؤامرة    توزر.. يوم إعلامي حول الانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة دقاش حامة الجريد تمغزة    لأول مرة: الباكالوريا تبدأ يوم الإثنين عوضًا عن الأربعاء!    الكاف: الاتحاد الفلاحين يدعو إلى تأخير موعد الانتفاع بمنحة التسليم السريع للشعير    بلدية جرجيس: سوق وحيدة لبيع الأضاحي وقرارات صارمة ضد الانتصاب الفوضوي    ''ست الحبايب'': هكذا ولدت الأسطورة اللي يسمعها كل تونسي في عيد الأم!    تعرف على هذه العلامات التحذيرية المبكرة للخرف    وزير الداخلية يتابع نسق الحركة التجارية بمعبر ذهيبة وازن    إذاعة صفاقس عبد الوهاب الجربي ومُحمد قاسم يتحدثان عن آخر الإستعدادات لإمتحان الباكلوريا    خطوات بسيطة لمنزل أنيق ونظيف: كيف تتخلّصين من الفوضى وتحافظين على النظام؟    تراجع القروض البنيكة غير المهنية من 851 م د الى 3ر569 م د بين 2023 و2024    أكثر من 167 ألف سائح في 4 أشهر: نابل تستعد لصيف استثنائي    تونس تحتفل بمرور 30 سنة على اعتماد سياسة النهوض بالاستثمار الخارجي: من الأقطاب التكنولوجية إلى ريادة صناعية قارية    ريال مدريد يعلن رسميًا تعيين تشابي ألونسو مدربًا جديدًا بعد رحيل أنشيلوتي    وزير الداخلية يشرف على إحياء الذكرى 67 لمعركة رمادة    زراعات كبرى: بوادر صابة وفيرة واستعدادات حثيثة لتأمين موسم حصاد 2025 وإنجاحه    بطولة هامبورغ للتنس: الإيطالي فلافيو كوبولي يتوج باللقب على حساب الروسي روبليف    جندوبة: حجز كمية كبيرة من سماعات الغشّ في عملية أمنية    لحظات من الرعب.. راكب مجنون يحاول قتل ركاب طائرة يابانية متجهة إلى أمريكا!    لماذا يحتفل اليوم بعيد الأمهات في تونس؟    مايا تواصل دعم قضايا المرأة بأغنية اجتماعية تنال تفاعلًا واسعًا    يوم مفتوح لفحص مرض الكحلي يوم السبت المقبل بمعهد الهادي الرايس لامراض العيون بباب سعدون    قبلي: المدرسة الابتدائية بجمنة تتحصل على جائزتين من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الامم المتحدة للطفولة    جوائز مهرجان كان السينمائي 2025.. تألق عالمي وبصمة عربية    أمطار متفرقة بالمناطق الساحلية الشمالية صباح الاحد وارتفاع طفيف للحرارة    الفيلم الإيراني "مجرد حادث" يحصد السعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي    أولا وأخيرا: «يطول ليلها وتعلف»    جندوبة: الاحتفاظ بشخص وإحالة 3 آخرين بحالة تقديم من أجل تحوّز أجهزة الكترونية معدة للغش في الامتحانات    طقس الليلة    عاجل : النيابة العمومية تفتح تحقيقاً بعد وفاة شابة بطلق ناري في الكاف    كرة السلة: اليوم الجولة الرابعة لنهائي البطولة المحترفة    عاجل/ تفكيك شبكة مختصة في ترويج سماعات الغش في الامتحانات..وهذه التفاصيل..    الفكر المستقيل    موعد بدء إجازة عيد الأضحى في السعودية    29 يوم فقط تفصلنا على بداية فصل الصيف    









حديقة بلا سياج: الوحدة و الحرية
نشر في الشروق يوم 29 - 03 - 2011

لو كان الاستبداد عامل وحدة حقيقيّة لصدّقنا أنّ طغاتنا لم يستبدّوا إلاّ من أجل تحقيق الوحدة العربيّة! بدليل الزعيق نفسه المنبعث من ثكنة العزيزية ومن قصر صنعاء. وما تنضح به خارطة الدم المستباح الذي وصل بين مدنٍ كانت منثورة على خرائط متباعدة، فإذا سيدي بوزيد ومصراطة والسويس ودرعا والمنامة أسماء متعدّدة لمدينة واحدة.
والحقّ أنّ في وسع طغاتنا أنّ يدّعوا في الوحدة فلسفةً! فقد برع كلٌّ منهم في توحيد شعبه على حدة قبل أن يبدعوا في توحيد العرب مجتمعين!! وكيف لشعب أن لا يلملم أطرافه وطبقاته وأجياله ليثور في وجه عقود من الاستبداد والفساد تؤمّنها مافيا سرطانيّة وتتوّجها عائلة من الورثة مصّاصي الدماء؟ كيف لا تشعر الجماهير العربيّة بأنّها واحدة وهي تشاهد المسلسل نفسه يُعاد بثّه على مدار الساعة:
خطاب أوّل يتوعّد العصابات الضالّة كلبًا كلبًا أو يهدّد مواطنيه زنقة زنقة! يتلوه خطاب ثانٍ بين جرعة من دم المواطنين وجرعة من الزطلة. يتلوه خطاب ثالث عن الفهم والتفهّم أو اقتراح التنحّي لفائدة أيدٍ أمينة، سرعان ما يتّضح بعده أنّ الحقائب كانت جاهزة للرحيل المخزي!
مسلسل من تأليف بن علي واقتباس مُبارك ومُراجعة علي صالح. أمّا بطولته فهي مشتركة بينهم وبين زملائهم من الطغاة العرب الآخرين الموجودين على قائمة الكاستينغ، ليس عن رغبة منهم بل بفضل كفاءتهم الاستبداديّة التي يشهد لهم بها المُخرج العظيم: التاريخ.
ويبدو أنّ القذافي مرشّح جدّي للالتحاق بأبطال هذا المسلسل قبل غيره، لكنّه يعيد الآن قراءة الكتاب الأخضر لعلّه يجد في النظريّة الثالثة فقرة تصلح لإعادة تأليف النهاية على غير السيناريو المحتوم!
بعيدًا عن السخرية، لنقل إنّ وحدة الشعوب أمام طغيان طُغاتها كانت تظلّ وحدة سالبةً لا تخرج عن ردّ فعل الضحيّة وهي تنتفض بين أنياب جلاّدها، لو لم تنتقل بها الثورة إلى مستوى الفعل والإيجاب.
في أسابيع معدودة بدا للجميع أنّ الجماهير العربيّة أصبحت جمهورًا واحدًا متوحّدًا تخرّج بتفوّق وبسرعة خاطفة من مدرسة واحدة: مدرسة الثورة. وفي ثلاثة أشهر بات من الواضح أنّ هذه الجماهير تنطلق من ثقافة مشتركة، لا حدود تفصل بين أهدافها وبرامجها ولا جمارك تحول دون تفاعُل خططها وحيَلِها للالتفاف على ترسانات طُغاتها.
هكذا لم يعد غريبًا أن ترتفع الأعلام التونسيّة في ليبيا ومصر وأن ترتفع الأعلام المصريّة والليبيّة في تونس واليمن وسوريا والبحرين والمغرب والجزائر. كما لم يعد غريبًا أن نرى الإبداع نفسه يتواصل من ساحة القصبة في تونس إلى ميدان التحرير في القاهرة إلى ساحة الحريّة في صنعاء وبنغازي إلى ساحة اللؤلؤة في المنامة إلى ساحة الكرامة في درعا.
بلا شقشقة إيديولوجيّة صنعت الثورة في أسابيع أكثر ممّا صنعته شعارات الوحدة العربيّة وحزبوتُها في عقود طويلة. وخرجت بحلم الوحدة من سماء الفراديس المفقودة أو المنشودة إلى أرض الواقع والراهن.
حقيقة لا يمكن إلاّ أن تثير حنق الطغاة وغيرتهم. لذلك يتمسّكون بالسلطة حتى آخر مواطن، بل حتى آخر رضيع في البلاد حسب الرواية القذّافيّة. كلّ ذلك بدعوى السماح وباسم الكفاح ورغبة في الإصلاح!!
المشكلة أنّهم يستعملون هنا مفردات لم تعد صالحة للتواصل مع شعوبهم لكثرة ما أفرغتها الممارسة من كلّ مضمون، وبسبب نسبتها إلى من هم أصل الفتنة والفساد الذين لا يتذكّرون الإصلاح إلاّ بعد أن يرفعوا صوت السلاح، ضدّ شعبهم تحديدًا وليس ضدّ «أعداء الشعب» أو «أعداء الأمّة»!
مفردات علاها الصدأ وأصبحت تنبعث منها رائحة الفورمول نفسها المنبعثة من آباط مستعمليها. مومياوات خارجة من توابيتها للتوّ، لم تنتبه بعد إلى أنّها تحكم شبابًا من بينهم 20 إلى 25 مليون شخص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كادوا يعيدون اختراع ال«فايس بوك» و«تويتر» وغيرهما من عطايا الأنترنات لفرط ما أحسنوا توظيفها، بعد أن عرفوا كيف يضعون اليد عليها باعتبارها ثقافةً لا مجرّد أدوات.
ثقافة قائمة على مجموعة مبادئ أساسيّة من بينها: عدم احتكار المعلومة، وإصدارها بشكل أفُقيّ، وتداولها بطريقة تفاعليّة. وهي مبادئ لا مجال معها لسلّم أولويّات غير ما تتطلّبه المستجدّات من أسبقية حضور وتداول، ولا مكان معها لهرميّةٍ تحتكر ذروتها القمّة بالمقارنة مع القاعدة. وللكلّ في سياقها الحقّ في أن يكون صاحب المبادرة والسبق. فالعبرة بالأداء والكفاءة ولا أهميّة للموقع.
المعلومة هي السلطة.
لذلك انتزعت الجماهير السلطة من الطغاة حين عرفت كيف تسيطر على المعلومة وكيف تتقاسمها. وليتنا نرى قياداتها الآن تسير على النهج نفسه، لعلّها تخرج بنا من الوحدة في الاستبداد إلى الوحدة في الحريّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.