حمدا لله أولا وأخيرا أننا من هذه الارض الطيبة متجذرين في حضاراتها العميقة ومستمدين أصولنا منها ونشكره شكرا جزيلا أنه لم يُلق بنا لوح حمله الموج ولا اختطفنا قراصنة في عرض البحر او من جزيرة مجاورة ورمونا غرباء ثقالا على الساحل. فشكرا لهذه ال«بن» المثبتة في لقبنا و«الحمد» الذي ورثناه أبا عن جد في اسمنا «الصغير» مفتخرين به دون تغيير حرف الا لضرورة التخفيف لدى العامة. أما من اعتقد انه «أتى بالأسد من أذنه» أو أحرجنا فقد أخطأ المرمى وعلى الباغي ستدور الدوائر. تكرّم علينا مراد الصقلي الاستاذ المحاضر بالمعهد العالي للموسيقى جامعة تونس برد مطوّل على العمود الصحفي الذي كتبناه آنفا في حق الذين يشترون اليوم بطولات وهمية بعد صمت الأمس. وصاحب الرد السخيف وهو من هؤلاء لم نقرأ له أبدا كتابات في الجرائد السيارة لأن أهل الجامعة من أمثاله يعتبرونها غير «علمية» سوى هذا الرد المهزوز المليء بالأباطيل والادعاءات التي سنقاضيه من أجلها. وقد كانت فرصة ثمينة كشفت لنا ضحالة فكر هؤلاء وسماجة تحريرهم وتأكدنا من حقيقة مستواهم العلمي والأخلاقي الذي يدّعونه. تجاوز تلميذ «الدكتور المزيف» والخارج عن عباءته السلفية حدود الرد على وقائع وتقييمات ذكرناها ودخل في مهاترات تدل دون شك على صغر حجمه وارتجافه أمام هامتنا الموسيقية. فأصحابه الذين يُطلقون على أنفسهم «فرسان التجديد» والرافعين مثله لواء الهوية السلفية خرجوا من عباءتنا وقلّدونا في أسلوبنا ولم يقدروا فارتدّوا. كما أن أغلب الموسيقيين الموجودين الآن على الساحة عملوا في فرقة مدينة تونس للموسيقى العربية التي أسسناها عام 1977 في زمن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة او غنّوا تحت قيادتنا في «زخارف عربية» الخالدة. وما قدمناه طيلة مسيرتنا الفنية من اعمال ملتزمة بقضايا الانسان غيّر المشهد الموسيقي في تونس رغم أنف السلفيين وقوى الجذب الى الوراء وزرع بذور الثورة في الأجيال التي تابعت مسيرتنا. وبالمناسبة هل يظن صاحب الرد السخيف «البطل» الفاشل في ادارة مهرجان قرطاج 2010 ان تونس لم تكن موجودة قبل 14 جانفي 2011 وأننا جئنا مع المطر الاخير مثله؟ إن تونس حضارة عمرها ثلاثة آلاف سنة ولولا هذا العمق التاريخي والتمرد الدائم على القيم الظلامية لما ولدت فيها ثورات وثورات. نعم، نحن من جيل الاستقلال الذي تربى على التأسيس وعلى الدفاع عن المبادئ الانسانية السامية وقضايا الشعوب العادلة ولم نترب على المسكنة والخنوع للحاكم. ولولا هذا الجيل لما وجد مسرح جديد ولا موسيقى جديدة ولا سينما جديدة ولا اتجاهات تشكيلية وفكرية وشعرية جديدة. لقد ساهمنا كلنا وبدون مقابل ولا مصاهرات ولا سهرات ولا تنازلات في رسم تصورات كفيلة بالنهوض بثقافتنا نحو الافضل سواء كان ذلك في صلب لجان الحزب الحاكم او في اية هيئة مدنية أخرى لكننا لم نتواجد في أروقتها ولم نقدم لأحد فروض الولاء والطاعة أبدا. فهل من مزيد؟ إن ما قلناه في شأن ادارة مركز النجمة الزهراء لم نختلقه من خيالنا فهو معروف لدى أهل المهنة والمتتبعين للشأن الثقافي والسياسي أيضا. لقد تمت القسمة بين أهل الجهة الواحدة بالتراضي فهذا هنا والآخر هناك وكفى المؤمنين شر القتال «والاثنين متاعنا». لذلك فإن الألفاظ الفضفاضة لن تلمّع صورة البطل الاهوج، وكل إناء بما فيه يرشح و«الناس تعرف الناس». ونذكّر صاحب الرد السخيف انه لم يدعُنا قط الى اي من التظاهرات الموسيقية التي نظمها المركز طوال السنوات السبع التي أداره فيها. فلأية أسباب يا ترى؟ هل يعتقد انه أكثر منا معرفة وخبرة وابتكارا وتأليفا في الموسيقى وفي العلوم والشؤون المتصلة بها ام هو خوف من المواجهة؟ أم كان ذلك ترضية لأعرافه الذين عملوا على اقصائنا واسكات صوتنا لأن توجهاتنا ليست «تونسية» مثله ويصح عليها ما كان يُمارس من مزايدات «ستالينية» وتخوين في الوطنية؟ هل يعلم أننا كنا في ذلك الوقت عضوا دائما في منظمة موسيقى البحر المتوسط في باليرمو؟ لسنا في حاجة الى تعداد مواقفنا المعلنة في إبانها وغير «المجمّرة» سواء برفض وسام الاستحقاق الثقافي الذي مُنح الينا عام 89 او بالتصدي علنا للسياسة الثقافية التي انتهجها وزراء سابقون. لسنا في حاجة كذلك الى تعداد أعمالنا داخل البلاد وخارجها سواء منها المعزوفة بفرق أجنبية او المطبوعة في تونس وباريس وبيروت اضافة الى مسيرتنا في المسرح والسينما والتلفزيون التي شهد لنا بها «الكبار» ممن اعتمدهم للمقارنة. ولعلم صاحب الرد السخيف الذي نتحدّاه أن يحاول دخول أية مناظرة موسيقية في معهد أوروبي عال فقد كنا من بين التونسيين الثلاثة الاوائل الذين باشروا العزف في الأوركسترا السمفوني عام 1969 بقيادة المايسترو الفرنسي Jean-Paul Nicollet كما أن إقامتنا بالحي الدولي للفنون بباريس كانت في أوائل السبعينات. لذلك فإن قوله المغالط في شأننا «بالفِلْسَين مردود» وقد تجاوزنا مرحلة الهواية ومنظمة الشبيبة المدرسية من زمان ولْيبق فيها وحده. ونختم بقول المتنبي : واذا أتتك مذمتي من ناقص