يُعَدُّ الاقتصاد من أهم المرتكزات الأساسية التي يتوقف عليها نجاح الدول، ويعمل الاقتصاد على تحسين الثقافة الاجتماعية للشعوب وتطوير دورها الإنساني خصوصاً عندما تكون معتمدة على أسس سليمة ومستقلة. وإن من أهداف الدول ذات الكيان المستقل تنظيم حركة رأس المال، وحل المشاكل المالية والاقتصادية العالقة، ولقد اختلفت الدول في مذاهبها الاقتصادية وفي أسلوب إدارة الدولة فمنها من هورأسمالي ومنها الشيوعي ومنها الإسلامي ولكل منهم فلسفته الخاصة والمعقدة كالأسلوب البائد الذي اختاره الرئيس المخلوع في إدارة الاقتصاد التونسي وهو (مفيوزي) ممتد كخيوط العنكبوت في الفساد واختراق القوانين وأخلاقيات السوق والبارع في السرقات الموصوفة. من الصعب جداً أن أجد تفسيراً حقيقيا لفكرة أن إمكاناتنا الاقتصادية لا تنعكس أوبعبارة أخرى لا تعكسها مخرجاتنا التنموية، هذا سؤال كبير يحتاج إلى تقييم وفهم للواقع الذي توجد فيه التنمية في المجتمع التونسي. أسباب الأزمة الاقتصادية في تونس ضعف فلسفة الحكم السياسي البائد في إدارة الدولة والأطماع غير المشروعة في ثروات الشعب والتوزيع غير العادل للثروة مع التزاحم بين أصحاب رؤوس الأموال ومبدإ الاحتكار ليتزايد حجم الضرائب المفروضة في تأثير الأرباح غير المشروعة على مصالح المجتمع لأن اعتماد فكرة الحصول على أرباح وفق تشريعات تسوغ للحكام والشركات والبنوك فرض سياسات قذرة تغرق الناس بالديون سوف يحدث تباين طبقي واضح بين الأغنياء والفقراء والتضخم والعجز المالي ولصوصية الإدارات المالية، كما تجدر بنا الإشارة إلى أن هناك هدراً حقيقياً للطاقة ورؤوس الأموال كالتي تصرف على عمليات إنتاج وبيع المشروبات الكحولية وتجارة المخدرات والتبغ وعلى أندية اللهوغير البريء خارج نطاق النظم العائلية، وهناك إسراف وترف أيضا في مصروفات الطبقات الغنية كما هي سرقات المال العام: وتؤثر هذه التي ترتكبها الشركات والبنوك والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية وأفراد العائلة الحاكمة على المستوى المعيشي للأفراد والتي تفسح المجال أمام نمو المشاكل وخلق الكثير من الأزمات فإن التقارير التجارية والطبية التي تصدر عن المؤسسات الرسمية وغير الرسمية بشأن مبيعات الكحول والسجائر والمخدرات تؤكد وجود إهدار مستمر لأموال تصرف في شراء مواد مضرة وتخلق مشاكل عديدة كما تدفع إلى جرائم خطيرة كجرائم القتل والتحرش الجنسي والاعتداء على الأعراض وحوادث السير مما يدعوإلى ضرورة الحد من إنتاجها وتصريفها. الممارسات الجنسية خارج نطاق النظام العائلي: وهذه المصاريف تؤثر بالتأكيد على الوضع الاقتصادي للأسرة كما أن هذه الممارسات وسيلة خطيرة لانتقال الأمراض التي تستنزف المال لكل من العلاج والدواء وفي إنفاقات الدولة على الصحة العامة. التنمية الفكرية الفرضية الأولى التي يمكن أن نخرج بها من ملاحظة الواقع التنموي التونسي هوعدم التزامن بين التنمية الفكرية (الإدراك والوعي) للمجتمع وبين التنمية المادية وهذا ينتج ما يمكن تسميته الهوة الثقافية.. التنمية التي يدفعها اقتصاد قوي ومتين إذا لم تتلقاها عقول قوية ومتينة فإن هذه التنمية تتعرض إلى سوء الاستخدام وعدم الكفاءة في نزولها على أرض الواقع، وهنا يأتي السؤال الأهم أين تكمن الأفكار الخلاقة والإبداعية لجعل التنمية أكثر تأثيراً في الإنسان والمجتمع..؟. في الحقيقة إن مفاصل النجاح في التنمية كما تقول أدبياتها هي خطط إستراتجية قصيرة وطويلة المدى، ثم نظام مالي يعتمد المحاسبة والرقابة ثم نظام بيروقراطي غير مركزي ثم استدامة في التخطيط وأخيراً إنسان يعيش هذه التنمية ويتفاعل معها فكراً وتطبيقاً، وهذا ليس كل شيء في التنمية ولكن هذه المفاصل أساسية لإتمام عملية ولادة التنمية بشكل صحيح. التنمية ليست في إكمال المشروعات الإسمنتية أوشق الطرق هذه عملية تنفيذية سهلة في مقابلة متابعة التنمية واستدامتها وتقديرها مجتمعياً، التنمية هي في آليات استخدام هذه المشروعات والمحافظة عليها ومن ثم الاعتماد عليها كمرتكزات تنموية لتطوير الإنسان في المجتمع .. ولكي تكون الصورة اكبر وضوحاً أقول إن التنمية لا تعني إنشاء طرق أوجامعات أومراكز أبحاث فقط هذه ليست تنمية هذه عمليات إنشائية في جسد التنمية ولا تشكل سوى جزء بسيط من التنمية، فالتنمية هي أن تساهم هذه الإنشاءات في بناء الإنسان وتسهيل مهامه وتطوير تفكيره واستثمار عقله .. أخطر ما في التنمية المادية التي تأتي على حساب التنمية الثقافية أنها تخلق عداء مستحكماً بين الإنسان وبيئته وخاصة عندما يعجز عن فهمها. وللتدليل على ذلك أقول إن عدم المحافظة على معطيات التنمية بجميع أشكالها المادية والثقافية هوعجز من الإنسان في المجتمع عن فهم التنمية كما أن التطرف في الفكر أوالمواقف ضد المجتمع وعمليات التحديث فيه هوعجز عن فهم معطيات التنمية .. التنمية السليمة هي المسار الوحيد لترويض الإنسان فكرياً مع معطيات التطور وهذه التنمية لا تحدث لمجرد وجود المشاريع العملاقة إنما تحدث لكون هذه المشاريع تساهم في إعادة تشكيل العقل البشري في المجتمع التنمية الحقيقية هي التي دائما تساهم في تغيير الفكر المجتمعي لصالحها أما إذا سبقت التنمية المجتمع بمعطياتها المادية فإن فرصة الموقف السلبي من هذه التنمية تكبر وتتضخم وتصبح هناك علاقة طردية بين التنمية والتوافق مع معطياتها من الإنسان في المجتمع .. (يتبع) ٭ بقلم الكاتب والمخرج المسرحي: رياض الحاج طيب (صفاقس)