كثيرا ما تتردد بيننا أزمات اجتماعية مثل الانضباط في قضايا كثيرة ومنها الرغبة الدائمة في كسر القوانين لإنجاز الأعمال والتهاون في إتقان الأعمال والتهاون في تقدير الأخطار على النفس والآخرين وتناقص الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية وتنامي الأفكار السلبية وزوال الأخلاق المهنية ذات العلاقة بالآخرين سواء الأخلاق الخاصة بمتطلبات المهنة التي يزاولها الإنسان أوأخلاقيات التفاعل مع المجتمع المحيط، كل ذلك مسؤولية التنمية والتنمية التي تسبق الإنسان هي خطر كبير والتنمية التي تتأخر عنه هي كذلك خطر .. الإنسان الذي تسبقه التنمية لن يحمل لها التقدير ولذلك سوف يدمرها وفقاً لفهمه لأن الإنسان لا يستطيع أن يجاري ما لا يفهمه كما أن التنمية التي تتأخر عن الإنسان تصيبه بالأزمات فهويسبقها بمعطياته الفكرية فلذلك يصاب بالإحباط من عدم مقدرة التنمية على الوصول إليه وهذه الأزمة تعاني منها تونس ودول كثيرة في العالم وسوف تزداد مع زيادة اقتحام العولمة الفضاء ووصولها إلى كل مجتمع . إن الدول ذات الاقتصاد الكبير فيها فرص أكبر لعملية توافق بين الإنسان في المجتمع وبين التنمية إذا ما استطاعت هذه التنمية أن تدرك متطلبات هذا الإنسان الحقيقي المركزية البيروقراطية هي احد أهم معوقات التنمية في مجتمعاتنا نحن بحاجة إلى منظومة بيروقراطية تؤمن بفكرة (سوسيولوجيا الثقة وأيديولوجيا المراقبة والمحاسبة) نحن بحاجة إلى تفسير كل ما نريد أن نصل إليه وبحاجة إلى معرفة إلى أين سوف نذهب بالمجتمع بعد عشر سنوات أوعشرين أوحتى خمسين عاما قادما.. نحن بحاجة إلى عمليات تخطيطية تساهم في إطالة النظر في أعيننا لكي نرى كيف سنكون بعد نصف قرن أوحتى بعد قرن من اليوم، هذه هي فلسفة التنمية فإما أن تكون التنمية سببية فهذه هي الأزمة، التنمية ليست سببية وإنما تنبؤية، والتنمية التي لا تراهن أن منتجها البشري في المجتمع سوف يحمل الصفات التنموية المحددة من اليوم للأجيال القادمة، هي تنمية سببية تقوم في تطورها على الأسباب بمعنى دقيق التنمية السببية هي تنمية أقرب ما تكون إلى تنمية تقوم على إدارة أزمات .. جميع المشكلات الفكرية والثقافية والاجتماعية نستطيع أن نوجد لها الحلول إذا ابتعدنا عن فكرة الحلول الجاهزة والسريعة للتنمية، التخطيط بعيد المدى هوالذي سوف يضمن بإذن الله تنمية ناجحة .. نحن بحاجة إلى مشروع تنموي تتزامن فيه التنمية المادية مع التنمية الفكرية الثقافية وهذا لن يحدث دون أن يكون التعليم أحد أهم أولوياتنا ليس من حيث عدد المدارس والطلاب والمعلمين ولكن من حيث نوعية التعليم وكفاءات مؤسسات التعليم عليها أن تمنح أبناءها وبناتها مهارات القرن الحادي والعشرين على طبق من التعليم المتطور الذي يعتمد وسوف يعتمد بشكل أكبر على اقتصاد المعرفة وتقنية المعرفة فالإنسان في كل أنحاء العالم سيتضاعف استخدامه لعقله خلال هذا القرن عشرات المرات فالقوى العضلية للبشر سوف يتضاءل استخدامها. العقل البشري في مجتمعنا هناك مناطق إدارية ذات تنوع جغرافي واقتصادي واجتماعي قابلة للتطوير باستخدام اللامركزية في القرار الإداري المحلي وليس القرار السيادي، بالإضافة إلى الأنظمة وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني والمجالس المحلية لتطوير العملية التنموية وتوجيهها بحسب الحاجة الاجتماعية، فالتنمية الحقيقية هي تلك التي تمنح الإنسان القدرة الحقيقية على رؤية مستقبلية بوضوح من خلال أفق تنموي تسطع فيه شمس المستقبل .. الفرد والأسرة في المجتمع بحاجة إلى أن تساهم التنمية والتخطيط لها في تعريفه إلى أي اتجاه تربوي يجب أن يقود أبناءه بدلاً من السير في طرقات تربوية يصبح فيها الأبناء عالة على المجتمع مع كل ما يحملونه من مؤهلات علمية في مجالات لم تعد مطلوبة اجتماعيا فالكثير من الشهائد العلمية تمنح في مجتمعاتنا لعلوم يستطيع الفرد أن يلم بتفاصيلها ويتقن مهاراتها ليس عبر الجامعات ولكن عبر تصفح شبكات الانترنت. إن التنمية والتخطيط لها لن تكون بالأمر الهين إذا لم تكن البيئة الإدارية والاجتماعية جاهزة لإحداث التحولات والتغيير .. المجتمعات ذات الاقتصاد المتطور يجب ألا تضيع الفرصة في بناء قيم التنمية بطرق تضمن لها الاستدامة دون النظر إلى مصادر الطاقة والاعتماد المربوط بوجودها فالإنسان أبقى من الطاقة ومصادرها ولذلك يجب أن تكون أهدافنا الدائمة هي بناء الإنسان لاكتشاف مصادر للطاقة غير قابلة للنضوب فنحن لا نعيش اليوم أوغداً، نحن مطالبون بمستقبل سوف يكون فيه أبناؤنا إما شاهدين علينا أوالعكس . عواقب الحكم البائد في تونس وما يتطلبه القادم المشاكل الاقتصادية اليوم في تونس والتي تمر بها خلال هذه الفترة الانتقالية في تاريخها الحديث وبعد القضاء على مرحلة الحكم المافيوزي البائد لبن علي وتفاقم أزمة البطالة لأصحاب الشهائد العليا وانتشار الظواهر الخطيرة وعلى رأسها الفقر والغلق لبعض المؤسسات الاقتصادية خلال فترة الثورة والمطلبية الفردية التي تتعدد في هذه المرحلة وخروج المجتمع عن الضوابط المعهودة وفي غياب مبدئي لهيبة الدولة وتطبيق القانون مع التقدم نحوالانفراج وحل بعض المشاكل دون دراسات مسبقة أي ارتجالية القرار لتجاوز المشاكل وما يتطلبه القادم من فلسفة معتدلة تحترم حقوق الإنسان وتكفل له العيش الكريم وتحقق له حالة من الاستقرار مع حسن اختيار الحكام على طريق الانتخابات الحرة النزيهة ووجب مراجعة قوانين الاستثمار والتنمية وقانون الجباية وتخفيف الضرائب التي ترهق الناس مع الحد من مظاهر الفساد التجاري والاقتصادي وترشيد مصاريف الدولة، والعمل على إيقاف إنتاج المواد المضرة بالصحة العامة كالكحول والتبغ والبحث عن المشاريع الاقتصادية ذات جدوى ثابت لا متحرك والعمل من أجل القضاء على ظاهرة الفقر وإعداد الدراسات ذات الاستراتيجيات البعيدة والقريبة والمستعجلة وكل ذلك يتوقف على تعاون المجتمع الدولي الذي لابد له من أن يتحمل المسؤولية الإنسانية. ٭ بقلم: المخرج المسرحي والكاتب رياض الحاج طيب (صفاقس)