حوار: فاطمة بن عبد االله الكرّاي تونس الشروق : هو أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية، الذي أصدع بمواقفه منذ بداية الثورة... الأستاذ قيس سعيّد، ما فتئ يضع الاصبع ويؤشّر الى ما يراه العالم والباحث في مجال القانون، خللا... أو نقصا... أو انحرافا... لا مجال معه، لانصاف القوانين... وأشباه القرارات... والحلول الملفّقة... كما عهدناه عبر وسائل الاعلام، لا يخشى لومة لائم... وهو يتحدّث عن الشرعية والمشروعية... في هذا الحوار الذي خصّنا به الاستاذ قيّس سعيّد، يتحدث الجامعي والباحث والأستاذ عن ما استشفّه وقرأه من التصويت على المرسوم المتعلّق بانتخاب المجلس الوطني... فيقول: إن هناك طبائع استبداد وممارسات اقصاء، نراها تعود بعد الثورة... وتصدر عن الهيئة... كما يؤكد أن ذات الهيئة بلا مشروعية، وأن المشروعية الوحيدة تستمدّ من الشعب عبر اخضاع ما صوّت عليه أعضاء الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، الى الاستفتاء الشعبي، داحضا تعلّة أن تكون عملية الاستفتاء مكلفة... فما الذي قال الاستاذ سعيّد... وكيف برّر وفسّر وأدلى بدلوه رأي تراوح بين القانوني والسياسي... وبين الحضاري ونبذ الاعتداء على القيم... قيم العدالة والشرعية الثورية، التي تعيش على وقعها تونس. الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، وبمصادقة اعضائها على مشروع المرسوم المتعلّق بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي، تكون قد تخطّت أشواطا في تأمين العملية السياسية والقانونية للبلاد، فهل تستجيب هذه الهيئة من حيث التمثيلية للمشروعية التي تقتضيها الثورة وأهداف الثورة. ليست ممثلة... وليس لها تمثيلية وليست هناك جهة اليوم لها تمثيلية أو مشروعية شعبية، عدد كبير من هؤلاء الأعضاء تم اختيارهم على أساس الانتماء الحزبي أو على أساس أنهم شخصيات وطنية ولكن: أوّلا: الأحزاب أغلبها لم يظهر الا بعد 14 جانفي، ثم ان الشخصيات التي تم الاختيار عليها ليست بالضرورة معبّرة عن الاتجاهات السائدة لدى الرأي العام. ثانيا: هذا القانون الانتخابي هو أهم نصّ على الاطلاق في هذه المرحلة سيكون محدّدا لتركيبة المجلس الوطني التأسيسي وللدستور الذي سيتم وضعه من قبل هذا المجلس. وبناء على ذلك، كان يجب عرض المسألة المتعلّقة بطريقة الاقتراع على الجميع وذلك بالقيام بمشاورات واسعة حتى من خارج هذا المجلس. أو في صورة عدم التوصل الى وفاق يجب في ذلك الوقت اللجوء الى صاحب السيادة الحقيقي عن طريق الاستفتاء. فالشعب هو الذي سيختار ممثليه ومن حقّه أن يختار الطريقة التي بها سيختار نوّابه. ثالثا: الانتقال الديمقراطي يقتضي قبل كل شيء القطع مع الاستبداد ومع طبائع الاستبداد ومع آليات الاستبداد، فليس لأي كان أن ينصّب نفسه وصيّا على الشعب وأن يختار مكانه. هل توضّح لنا ماذا تقصد بطبائع الاستبداد، وكيف لاحظته في طريقة عمل الهيئة؟ طبائع الاستبداد تتمثل في أن البعض مازال مصرّا على أن يقدّم نفسه ناطقا باسم الشعب أو وصيّا عليه... ثم من ناحية أخرى، الاقتراع على القائمات بالنسبة الى الانتخابات القادمة هو تواصل مع نفس الطريقة التي تم اعتمادها «للمجلس القومي التأسيسي» سنة 1956، وادخال التمثيل النسبي على طريقة الاقتراع هذه ستؤدّي في نهاية المطاف، الى تشكيل قائمات لن يكون فيها حظ الى الفوز الا لرئيس القائمة. أما بقية المترشحين في نفس القائمة فلن تكون لهم حظوظ حقيقية في الفوز بأي مقعد. ما هي ملامح هذه الطريقة؟ طريقة التمثيل النسبي التي اعتمدها هذا المجلس، تقتضي توزيع المقاعد على القائمات المتنافسة حسب نسبة الأصوات التي تتحصل عليها كل قائمة وسوف يترتّب عن هذا الاختيار،أن رئيس القائمة المرشّحة هو الذي سيكون مرشحا للفوز بالمقعد، في مستوى الدائرة الانتخابية، أما بقية المترشحين والمترشحات فسوف يكون لهم حظ ضئيل في الفوز بمقعد داخل نفس الدائرة. كيف ترى نص البند الذي يشترط مناصفة بين الرجل والمرأة في القائمات التي ستتقدم الى الانتخابات؟ المسألة في الواقع مسألة مبدئية، تقديم قائمات فيها شرط التناصف بين النساء والرجال هو في نهاية المطاف مس من كرامة المرأة لأن المرأة مساوية في الحقوق مع الرجل وليس هناك ما يدعو الى وضع هذا الشرط. علما أن أفضل تمثيل للمرأة هو في الدول الاسكندنافية، ولكن المرأة في هذه الدول رفضت دائما أن تخصص لها حصص أو «كوتا» لأن في ذلك مسّا من المساواة بينها وبين الرجل... هو مسّ من كرامة المرأة. ما الذي يخافونه في اعتمادهم هذه الطريقة؟ لماذا لم يعتمدوا على الاستفتاء طريقة تضفي الشرعية الشعبية على مثل هذه القرارات؟ قالوا إن الاستفتاء مكلف من الناحية المادية. وهذه حجّة مردودة... لأن عملية الاعداد للانتخابات بالقائمات الانتخابية من صناديق الاقتراع والمكاتب، سوف يتمّ اعدادها للاستفتاء وللانتخابات في نفس الوقت. وحتى وإن كانت هناك تكاليف اضافية فالأفضل أن يمارس الشعب سيادته كاملة في ظل قانون وقواعد هو الذي يحدّدها... من أن تحدّد له قواعد لم يضعها لا هو مباشرة ولا عن طريق ممثليه المنتخبين بل تم وضعها من قبل أطراف لا تمثّل بالضرورة الاتجاه السائد لدى عموم الناخبين. هل تعتقد أن نص المرسوم الذي وقع التصويت عليه، والمتعلّق بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي، جاء ملفوفا بالسياسة أكثر منه يكتسي طابعا قانونيا؟ كل اختيار قانوني هو تجسيد لاختيار سياسي... القاعدة القانونية، توضع لتحقيق أهداف سياسية، وإذا كان البعض يفكّر منذ الآن في الاقصاء فإن الاقصاء يكون دائما مقدّمة للاستبداد. كيف ترى طريقة الاقتراع وأنت أستاذ القانون الدستوري، الذي يعي طبيعة المرحلة؟ طريقة الاقتراع التي تمثّل أو تتيح ترشحات أوسع واختيار أفضل هي طريقة الاقتراع على الأفراد علما أن هذه الطريقة ليس فيها اقصاء للأحزاب كما يتبادر الى البعض، فهي طريقة معمول بها في كثير من الدول... هذا من جهة، من جهة أخرى، المفروض الابتعاد عن القاعدة السكانية لتحديد العدد الجملي للمقاعد والاستعاضة عن ذلك بالمعتمديات، فيكون لكل معتمدية نائب، لأن الاعتماد على القاعدة السكانية سيؤدي الى تغليب المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والى تهميش الجهات التي كانت ولا تزال ضحيّة للاقصاء والتهميش. عندما تأخذ القاعدة السكانية، بالضرورة ستكون الغلبة للمناطق الموجودة بالشريط الساحلي ذات الكثافة السكانية العالية، وهذه الطريقة ليست بدعة، فالدول الاعضاء في الدولة الاتحادية على سبيل المثال الولاياتالمتحدةالامريكية، ممثلة كلّها على قدم المساواة بقطع النظر عن عدد السكان بكل ولاية... كل ولاية ممثّلة بشيخين (مجلس الشيوخ) فلماذا لم يقع التفكير في هذه الطريقة خاصة أن الثورة انطلقت من هذه الجهات المحرومة؟ ألا تعتقد أن الضبابية حلّت محل الرؤية الثاقبة، التي فيها اعمال للعقل والتمحيص وتوسيع دائرة التشاور؟ أسأل هنا عن عمل في أشغال الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة. أنا لا أقول ضبابية بقدر وجود عقليّة تقوم على المحاصصة والاقصاء. ماذا غيّرنا من بن علي؟ الخوف كل الخوف أن نعود الى النقطة الصفر. كيف تنظر الى القرار الذي يمنع من تحمّلوا مسؤوليات وزارية أو صلب التجمّع، ويشمل مسؤولياتهم طوال 23 سنة؟ أنا أرى فيه تجاوبا مع مطلب الشارع، ولكن كان من المفترض تحديد واضح لكل من هم ممنوعون من الترشح... الصياغة الحالية للنص تحتاج الى الكثير من التدقيق. يقال إن الحكومة المؤقتة ستنظر في نص المشروع. القضاة محايدون... عندما يترشح يمسّ بالحيادية من الأفضل أن ينأى القاضي بنفسه عن المعارك السياسية، لأن له دورا أهم في الحفاظ على القانون. في هذه الفترة، القضاة مدعوون خاصة، الى الاشراف على العمليات الانتخابية في اطار الهيئة العليا للانتخابات. فلا يمكن ان يكونوا قضاة ينظرون في النزاعات الانتخابية وفي نفس الوقت أطرافا يتنافسون على المقاعد مع بقية المتنافسين.