استئناف نشاط نقل المسافرين عبر القطارات بين محطتي المتلوي وتوزر على الخط 13    هيئة السلامة الصحية تحجز 15 طنا من منتجات "الزقوقو" والفواكه الجافة    ليفربول يضم ألكسندر إيزاك في أغلى صفقة بتاريخ الدوري الإنقليزي    "بالمعدل الذي يقتل فيه الجيش الإسرائيلي الصحفيين في غزة، لن يبقى قريباً أحد لينقل ما يحدث" - مراسلون بلا حدود    تحذير: التوتر عدو خفي لقلبك... وهذه علاماته وتأثيراته    المهدية: اختفت عن منزل والديها لمدة يومين: العثور على الطفلة «إيلاف» بالمنستير    رغم تعدّد المهرجانات الجهوية والمحليّة ..وجوه فنيّة من سوسة غائبة أم مغيبة ؟    مُربّ في البال: زهير بنجدو (أستاذ أول مميز درجة استثنائية ومدير متقاعد) نجاح مسيرتي ... تاج على رؤوس تلاميذي وزملائي    أولا وأخيرا: «أ في الله شك يزي فك»    وزير الشباب والرياضة يدعو إلى وضع تصوّر شامل لإصلاح قطاع الرياضة المدرسية والجامعية    السّرطان في ارتفاع مفزع...أكثر من 22 ألف إصابة جديدة في السنة    ليبيا: 16مصابًا بانفجار مخزن ذخيرة في مصراتة    الإطاحة ب"الشبح" المكنى شهلول مروع الأهالي في الزهروني    نادي آوغسبورغ الألماني يتعاقد مع اللاعب التونسي اسماعيل الغربي    هيئة الانتخابات: وضع قائمات الناخبين للتصويت على سحب الوكالة على ذمة العموم    لأسنان صحية: تناول الفاكهة كاملة وقلل من العصائر    حركة تونس الى الأمام تندّد بالتدخّلات الخارجيّة في تونس.. #خبر_عاجل    مبادرة إقليمية لتعزيز نظام الترصد الوبائي لشلل الأطفال في تونس    المجلس الوطني للاعتماد يسلم أول شهادة اعتماد لمؤسسة تونسية ناشطة في مجال المقارنات بين المخابر    توننداكس يرتفع بنسبة 67ر0 بالمائة خلال أوت 2025 في ظل تراجع لحجم الأموال المتداولة    الليلة: أمطار رعدية ورياح قوية بهذه المناطق..    المرحلة القادمة تتطلب مراجعة جذرية لكرة السلة التونسية وانا متفائل بمستقبل المنتخب (عادل التلاتلي مدرب منتخب كرة السلة أكابر)    مواعيد مباريات مرحلة الذهاب للرابطة المحترفة الثانية 2025-2026    رياح قوية تضرب شمال تونس وخليج قابس...رّدوا بالكم    ال ''Permis'' اليوم يتكلف بين 1500 و2500 دينار.. شوف التفاصيل    انفجار قارورة غاز في صفاقس: بتر ساق صاحب محل وسط المدينة    غدوة آخر نهار في''أوسّو''    منع استعمال''الجل'' وطلاء الأظافر بمكوّن TPO في هذه الدولة العربية    عاجل/ 5 مواعيد لخلاص بعض الالتزامات الجبائية في سبتمبر    عاجل/ خلال يومين فقط: 3 وفيات غرقا بشواطئ هذه الولاية    مفتي الجمهورية: الأمة الإسلامية مُستهدفة.. #خبر_عاجل    بشرى سارّة لمستعملي الخط D للشبكة الحديدية السريعة    أسطول الصمود العالمي: عمال ميناء جنوة الإيطالي يهددون ب"تعطيل أوروبا" في حال فقدان الاتصال بالأسطول    عاجل/ توفيت بعد خلاف مع جارتها: نتيجة تقرير الطب الشرعي بشأن وفاة امرأة اربعينية بالقصرين    عاجل/ رجّة أرضية في توزر    الSNCFT: إستئناف تدريجي لحركة القطارات على خط الضاحية الجنوبية تونس/الرياض وبعض قطارات الخطوط البعيدة    الدورة التاسعة من "خرجة المولدية" بتونس: دعوات لحفظ الذاكرة من الاندثار    القيروان: وزير الشّؤون الدّينية ومفتي الجمهورية يفتتحان الندوة المولدية الدولية    هذه تكلفة عصيدة "الزقوقو" لهذا العام..    وفاة أربعينية بعد شجار بالقصرين: تقرير الطب الشرعي يحسم أسباب الوفاة    قمة منظمة شنغهاي: الرئيس الصيني يدين "عقلية الحرب الباردة" وسياسة الترهيب    الكريديف يفتح باب الترشح لجائزة "زبيدة بشير للكتابات النسائية التونسية" لسنة 2025    خلال ال24 ساعة الماضية: إطفاء 121 حريقا في مناطق مختلفة..    بعد جريمة حرق القطط بالملاسين...هاذي العقوبة اللي تستنى الفاعلة حسب محامي    رابطة علماء: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة    الزقوقو يوصل ستين دينار.. والمولد على الأبواب!    عاجل/ مأساة: ارتفاع حصيلة ضحايا الزلزال في أفغانستان..    محمد فضل شاكر يكسر الصمت: 13 عاماً من الانتظار.. ونصيحة والدي غيرت حياتي    الملعب التونسي يوافق رسميًا على إنتقال خليل العياري إلى باريس سان جرمان    الاحتلال يواصل تفجير المنازل في جباليا ومدينة غزة وحصيلة الشهداء والجرحى تواصل الارتفاع..#خبر_عاجل    ارتفاع رقم معاملات قطاع التأمين إلى 2.2 مليار دينار    Ooredoo Music Fest by OPPO 3.0 يحقق نجاحاً باهراً في صفاقس    الأسعار والبيع: كل ما يلزمك تعرفو على تذاكر ماتش تونس وليبيريا    صيف المبدعين ..الشّاعرة لطيفة الشامخي .. الكُتّاب ،سيدي المؤدّب وأوّل حِبْر عرفته    عاجل: الطرابلسي يعلن قائمة نسور قرطاج وقائمة المحليين للمواجهات القادمة    النور الأخضر في صنعاء... زلزال عقائدي وعسكري يهزم المجرم نتنياهو    عاجل: موعد مع القمر والنجوم: معهد الرصد الجوي يدعوكم لسهرة فلكية مميزة    للتونسيين: 25 يوما على إنتهاء فصل الصيف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وإنّما الأمم الأخلاق...
نشر في الشروق يوم 14 - 04 - 2011

أدعو بإلحاح الشعوب العربية والحكام والمحكومين معا وجميع المسؤولين أيّا كان موقعهم أن يكونوا أمناء متخلّقين في تأدية وظائفهم والقيام بواجباتهم بكل إخلاص وصدق وتفان {إنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَات وَالأرْض وَالجبَال فأبَيْنَ أنْ يَحْملْنَهَا وأشْفَقْنَ منْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}. صدق اللّه العظيم. (سورة الأحزاب الآية: 72).
وبحمله الأمانة كان خليفة اللّه في أرضه يعمل بعقله الذي كرّمه اللّه به ومن ثمّة فهو مسؤول أعني مراقبا وفي نفس الوقت محاسَب إن خيرا فخيرا وإن شرّ فشرّا. فالأمة المتخلّقة هي الأمة الباقية وأيّم اللّه لن نكون أمّة متقدمة في جميع المجالات ولا في المقدمة ولا حتى في المؤخرة إذا ابتعدنا عن الأخلاق أو ظننّا أنها ضعف وهوان كما ذهب البعض منّا في ذلك ويا «للأسف»، وقد جاء في قوله تعالى مشيدا بأخلاق رسوله محمد بن عبد اللّه على أخلاقه العالية وهو القرآن يتحرّك ويتكلّم كما في حديث أمّ المؤمنين السيدة عائشة» وهذا ربّ النّاس يقول في بشر من النّاس {وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُق عَظيم} وما جعل السّلف الصالح من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والتابعين في طليعة الأمم عملا وقولا وفعلا وسلوكا إلا تعلقهم بالقرآن والسنّة وهي لعمري الأخلاق العالية في كلّ زمان ومكان رغم الداء والأعداء والمنافقين، ولماذا كانوا كذلك في حياتهم الخاصة والعامة كانوا كذلك وما بدّلوا تبديلا لأن أعمالهم ونيّاتهم واهتماماتهم ومقاصدهم تنبعث من نفوس كبيرة وكريمة تشعّ من قوله جلّ جلاله {وابتغ فيما أتاك اللّه الدار الأخرة، ولا تنس نصيبك من الدّنيا وأحسن كما أحسن اللّه إليك} هكذا كانوا وهكذا نكون ومعلّمنا وحبيبنا وقدوتنا محمّد رسول اللّه ے ومن أجل ذلك كنا خير أمّة أخرجت للنّاس لا بعلمائها ومصلحيها، ومعارفها وفنياتها فحسب وإنما بالأخلاق والقيم والمثل والسلوك الحسن القويم، ورسولنا يقول «إنّكم لن تسعوا النّاس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم» وها هو شاعر النيل «أحمد شوقي» يطلقها صرخة مازالت مدوية في الآفاق «وإنّما الأمم الأخلاق ما بقيت: فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا».
وشنّف أخي الثائر مسمعيْك بالشابي شاعر تونس الثورة والثروة وهو يقول في سخريته اللاذعة تقطر فلسفة حكيمة وتفيض مرارة من قصيده البديع «أبناء الشياطين» من ديوان «أغاني الحياة».
«أيّ ناس هذا الورى؟
ما أرى إلا برايا شقيّة، مجنونهْ
جبّلتها الحياة في ثورة اليأس
من الشر كي تجنّ جنونه
فأقامت له المعابد في الكون
وصلّت له وشادت حصونه»
ويواصل منتقدا مظاهر اجتماعية فاسدة ممقوتة لا تخلو منها مجتمعاتنا في تخلف ران عليها وقد غذّاها حكامنا منذ القدم ومازالوا كابرا عن كابر تقضّ مضاجعهم ثورة الشعب المعذب المكبوت.
ولولا ضيق الوقت والتزامي بالموضوع لنقلت القصيد «أبناء الشياطين» ولكن سوف أتعرّض له لاحقا ومستقبلا حين أتناول ذكرى أبي القاسم الشابي كشاعر تخرّج من مدرسة الشعراء مشرقا ومغربا، وحتى لا أنسى وأنا أتحدث عن الأخلاق كشرط أساسي للنهوض والسيادة والعزّة والكرامة في الحياتين الأولى والأخرى وينهي الشابي قصيده بخيبة أمل والأسى يمزّق نفسه الكئيبة فيقول:
«كان ظنّي أن النفوس كبار
فوجدت النفوس شيئا حقيرا
لوّثته الحياة ثم استمرّت
تبذر العالَم العريض شرورا
فاحصدوا الشّوكا... يا بنيها وضجّوا
واملأوا الأرض والسّماء حبورا».
ومن عطف البيان الى عطف النسق الذي كان عليّ لزاما تنزيل هذه الأبيات للاتحاف وجعل ثورتنا المبدعة في إطارها وهي جديرة بهذا وبأكثر إشادة وتعريفا وتقديسا..
ففي قصيده «الى الطاغية» وكأني بالشابي ينظر من وراء الغيب فيصبّ جام غضبه وحمَمه وشظاياه على أمّ رأس «المخلوع» وكلّ طغاة العالَم والأبالسة والشياطين فيقول:
«يقولون: صوت المستذلين خافت
وسمع طغاة الأرض (أطرش) أضخم
وفي صيحة ا لشعب المسخّر زعزع
تخرّ له شمّ العروش وتهدم
ولعلعةُ الحقّ الغضوب لها صدى
ودمدمة الحرب الضّروس لها فم
إذا التفّ حول الحقّ قوم فإنه
يصرّم أحداث الزّمان ويبرم
لك الويل يا صرح المظالم من غد
إذا نهض المستضعفون، وصمّموا!
إذا حطّم المستضعفون قيودهم
وصبّوا حميمَ السّخط أيّان تعلم..!
أغرّك أن الشعب مغض على قذى
وأن الفضاء الرّحب وسنان، مظلم؟
ألا إنّ أحلام البلاد دفينة
تجمجم في أعماقها ما تجمجم
ولكن سيأتي بعد لأي نشورها
وينبثق اليوم الذي يترنّم
هو الحقّ يغفى.. ثم ينهض ساخطا
فيهدم ما شاد الظلام (1) ويحطم
غدا الرّوع، إن هبّ الضعيف ببأسه،
ستعلم من منّا سيجرفه الدّم»
قد يغيب عن البعض أن كل ما نقوم به في حياتنا الشخصية على النطاق الضيّق ولعائلاتنا ومجتمعاتنا على النطاق الأوسع فينعكس علينا كأفراد أو جماعات أو في مجتمعاتنا كواجبات نؤديها ونحاسب عنها ما هي إلا أمانات تحمّلناها راضين بتأديتها فالثورة على الظلم أمانة، والمحافظة عليها أمانة، وتربية أولادنا أمانة، والحرص على خدمة المجتمع أمانة، والاخلاص في العمل والصدق في القول أمانة، وخدمة الدولة أمانة، والسّعي على جعلها مُهابة داخليا وخارجيا أمانة، فكلّ عمل ذي بال أمانة، وإني أرى الحياة أمانة كبرى، تنبعث من القيم العليا والأخلاق النبيلة وبدونها لا وزن للكائن البشري العاقل وذلك لأنها تعطي الانسانية في كل مكان وزمان تعطيه وجودا متطورا متفاعلا ومنفعلا يحيا ليبني للأمة كيانا وأصلا وفضلا ويؤسس لمجتمع أفضل يعطي الأجيال الصاعدة مقومات نهضة حديثة وحضارة بناءة يعلو بها الى السماء الأعلى لينصهر في الحقّ والمحبّة والسلام يؤثر بكل شجاعة في كرامة وتضحية وفداء.. لكن هذه المبادئ والقيم والأخلاق مازالت صعبة المنال في أغلب الشعوب غربية وشرقية إلا على مستوى الأمنيات وقد تحقق «ما كل ما يتمنّى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السّفن».
تطوّرت الحياة عن ذي قبل فتعقّدت مشاكلها فإذا بالحسد والحقد والانتهازية والمحسوبية والانتقام المجاني والحيف والغُبن والزّيف والأثرة والقتل والنّهب وسفك الدماء نراه ونشاهده يصاحب القيم والمبادئ وتبقى تتصارع على حساب الخير على الشرّ أو العكس.. وهذه سنّة الحياة وقانون البقاء للأقوى في دنيا الناس وإلا لما كانت الدنيا دنيا كما ألفناها وخبرناها وللّه الأمر من قبل ومن بعد.. غير أني متفائل وفي نفسي إيمان عميق متطلّع الى المعجزة الخارقة للعادة كتلك التي أطاحت بطاغية قد يقلّ مثيله في زماننا هذا، فقد كان في قمّة الفساد لا يرى الحياة إلا مغامرة وانتهازية وتهديما وتهميشا وكفرا ومقتا للأخلاق والقيم والمبادئ والشيء من مأتاه لا يستغرب فهذا ما كان في الحسبان أن ينهار بين عشيّة وضحاها ويُمسي هو ونظامه وزبانيته في خبر كان، أليس هذا من قبيل المعجزات؟ وهكذا شدّ اللّه أزر شباب آمنوا بأن اللّه لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم {وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى}فكانت ثورة شبابية أبهتت العالَم قاطبة شرقا وغربا فأعجب الصديق قبل الشقيق بثورتنا التونسية في ذكائها وإبداعها وجرأتها ونجاحها بتوفيق من اللّه العليّ القدير ،ثورة جاءت على عجل لتطهّر تونس من الظلم والفساد والوهن فكان ما كان، وأنقذت العباد والبلاد بعدما استجاب لها الشعب بكل فئاته وطوائفه في تلقائية فيها المحبّة والتقدير والبناء والتعمير فإذا بيوم 14 جانفي 2011 يمحو 7 نوفمبر ويقذف به مع صاحبه رأس الفساد بن علي الطاغية ونظامه الفاسد المأفون، وهكذا تسارعت دقّات الساعة رهيبة بطيئة في وجل واحتراز تسير نحو المجهول تدفعها الأقدار الى حيث لا ندري. وشاء ربّك لحكمة أرادها أن ينهار الطاغية مطرودا تتبعه لعنات الأجيال الى حيث ينام ملتحفا الخزي والعار.. هذا في الدنيا وفي الآخرة عذاب عظيم، جهنّم وبئس القرار..
حقّا كان كابوسا مفزعا انزاح وسقط بعدما قاسى الشعب التونسي الويل والثبور وكادت تونس تموت تحت هذا النظام وبيد هذا الطاغية وتحقّقت المعجزة وعادت تونس الى فرحتها لتسجّل انتصارها في حاضر مشرق وغد سعيد بسّام.
(1) الظِّلام بكسر الظاء: الظُّلم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.