القيروان: إزالة توصيلات عشوائية على الشبكة المائية في الشبيكة    بالفيديو: مطار طبرقة الدولي يستعيد حركته ويستقبل أول رحلة سياحية قادمة من بولونيا    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    في 5 سنوات.. 11 مليار دولار خسائر غانا من تهريب الذهب    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    اسرائيل تتآكل من الداخل وانفجار مجتمعي على الابواب    عاجل : ترامب يدعو إلى الإجلاء الفوري من طهران    كاس العالم للاندية 2025: تشلسي يفوز على لوس انجلس بثنائية نظيفة    بعد تسجيل 121 حريقا في 15 يوما.. بن الشيخ يشدد على ضرورة حماية المحاصيل والغابات    ميناء جرجيس يستقبل أولى رحلات عودة التونسيين بالخارج: 504 مسافرين و292 سيارة    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    أخبار الحكومة    انطلاق الحملة الانتخابية بدائرة بنزرت الشمالية    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يفوز وديا على المنتخب الايطالي الرديف 3 - 1    بورصة: تعليق تداول اسهم الشركة العقارية التونسية السعودية ابتداء من حصّة الإثنين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    منظمات تونسية تدعو سلطات الشرق الليبي إلى إطلاق سراح الموقوفين من عناصر "قافلة صمود".. وتطالب السلطات التونسية والجزائرية بالتدخل    طقس الليلة    تونس تعزز جهودها في علاج الإدمان بأدوية داعمة لحماية الشباب واستقرار المجتمع    إسناد العلامة التونسية المميزة للجودة لإنتاج مصبر الهريسة    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    عاجل/ وزير الخارجية يتلقّى إتّصالا من نظيره المصري    "تسنيم": الدفاعات الجوية الإيرانية تدمر مقاتلة إسرائيلية من طراز "إف 35" في تبريز    اتحاد الشغل يدعو النقابيين الليبيين الى التدخل لإطلاق سراح أفراد قافلة "الصمود"    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    العطل الرسمية المتبقية للتونسيين في النصف الثاني من 2025    عاجل/ باكستان: المصادقة على مشروع قرار يدعم إيران ضد إسرائيل    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    189 حريق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية….    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجل كألف...وألف كأف
نشر في الشروق يوم 06 - 06 - 2011

الرجال لا يقاسون بالطول والعرض، وجمال الخلقة.... وقبحها ولا بالغنى والفقر وأناقة المظهر والوجاهة والسلطان...فكل ذلك أعراض تزول وتموت مع الجسد...
ولكن البقاء للجوهر الذي هو الأصل وعداه مكملات لا ولن تعطي الرجل قيمته الانسانية وشخصيته البشرية ومكانته الاجتماعية ليكون رمزا فاعلا ومنفعلا في أي مجتمع على هذه البسيطة في دنيا الناس...
فالرجال عندي وفي اعتقادي كالمعادن هذا رخيص تافه وذاك غال نفيس عزيز وقد يكون هو الوتر النادر... فالأول في متناول الجميع سهل المنال...والثاني منقطع النظير أو يكاد...لا نجده إلا بعد جهد جهيد...وشتان بين الذهب الإبريز وبقية المعادن غير أن جميعها رغم تفاوتها قيمة وأصلا وفصلا مفيدة لا غنى عنها...كذلك الرجال يملؤون فضاءاتهم عملا دؤوبا ومثمرا أو يعيشون على هامش الحياة عالة على مجتمعاتهم غربانا تنعب أودودا يأكل أو خفافيش تملأ النفوس قلقا وحزنا... والمجتمعات كل المجتمعات العاقلة والتي تنقاد غريزيا كلها فيها الصالح والأصلح والطالح والأطلح، والأفسد والمفيد والأفيد، والفاضل والأفضل والشقي والأشقى وتلك قارئ العزيز سنة اللّه في خلقه وسرّ الخليقة وماهية وجودها والقدر والغيب والمشيئة فلحكمة أرادها العلي القدير... لم يكشف معناها...ولم ترفع عنها الحجب بعد...
والمتأمل في حياة الرجال العظام ذوي النفوس الكبيرة إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام فهذه النفوس الزكية العظيمة بأفكارها الثاقبة النيّرة وأعمالها الجليلة المبدعة وفضائلها السامية وثمار مجهوداتها اليانعة... وما تركوا لمجتمعاتهم وللبشرية قاطبة من أمجاد في بطولاتهم ومواقفهم الشجاعة وأعمالهم الخيّرة وسيرتهم كل ذلك خير وبركة مازالت البشرية مشرقا ومغربا تكرع من هذا التراث المفيد وتنهل من مائه العذب الفرات...والحضارات دائما يقيمها ويبنيها الرجال العظماء الذين لا يريدون جزاء ولا شكورا هكذا كالأشجار المثمرة ترميها بالحجر فترميك بالثمار وليس عجيبا مادام الرجال معادن وكل معدن يعبر عن ذاته بكل صدق وشفافية كل إناء بما فيه يرشح).
فهذه الأمجاد والتضحيات والبطولات لم يمحها الزمن...ولا حتى الموت وقد نتساءل حيارى مبهوتين ثم نقف مندهشين ذاهلين؟؟!!
سبحانك ربي! ما هؤلاء بشر!!!
فلا أقول بشر ولا ملائكة وإنّما هم ملوك الأرض...
وما إن ندرس سيرتهم ونقف على حياتهم ونطّلع على جميع مواقفهم الخاصة والعامة، الكبيرة منها والصغيرة، وفي معاملاتهم ورغباتهم، مبادئهم وطريقة عيشهم... بعد تلك الدراسة المعمّقة تتبيّن شمس الحقيقة وتظهر لذي عينين في عمق البصيرة على الأرض وبين الأنام. فتزول حيرتنا لأننا ندرك بعقولنا ونؤمن بقلوبنا أنّ هؤلاء بشر جعل منهم الإسلام أمّة متفرّدة منهجا وسلوكا ومتميّزة تربية وعقيدة ودستورا وتلك لعمري نعمة حبانا بها اللّه بفضل القرآن الذي مازال غضا طريا.
{إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون} وكذلك السنّة المحمديّة التي لولاها لما فهمنا القرآن ولا فقهنا الإسلام كدين وشريعة، وعقيدة عملا ومنهجا وسلوكا وبالتالي رقيّنا ونجاحنا دنيا وآخرة لا طقوس وعبادات تمتمات همسات وشطحات ركوع وسجود وبركات وعبادات ثم نتفاخر أيّنا عمل أكثر!!
فليس في هذا إلاّ أضعف الايمان فالاسلام دين وعمل وإدارة ودستور وحياة وجهاد في سبيل مجتمع أفضل وأرقى...
فهؤلاء المسلمون حقا والمتميّزون صدقا لم تتمرد عقولهم على قلوبهم. وإنما كانت عقولهم تنير لهم المجاهيل، ويبقى للعقل ميدانه وللقلب مجاله وللذّات احترامها وللروح قداستها وكل من العقل والقلب والروح في تفاعل وتكامل لبعث الانسان المبدع الفنان الذي يسعى وراء تمجيد الانسانية حتى تكون في مستوى عظمة الكون ونواميس الطبيعة في قوّتها وجبروتها، حنوّها وجمالها، خيرها وشرّها في وجود الى زوال محتوم وللّه الأمر من قبل ومن بعد...
وما الطبيعة ومظهر الكون الفسيح العجيب الغريب
الزمان والمكان والبداية والنهاية والانسان والجوهر والظاهر منه والباطن يحوي كل هذه المنظومة في إبداعاتها، تفاعلها وامتدادها في ماهية الزمان والمكان وما وجود تلك المنظومة إلاّ لبقاء الانسان ذلك الانسان الفاعل... رجلا كان أو امرأة... وطبعا لا يمكن أن يكون حيوانا أو جمادا... وهكذا نجد الرجل الطيّب والمرأة الطيّبة يتعاونان لبناء عالم يطيب فيه العيش ويحلو... وأما الذين خبثت نفوسهم، فلا يعطون إلاّ القبح والفساد والرّداءة وسوء المصير...
فهذه حقيقة نعيشها ونتعايش معها بكل مرارة... ومثلما قلت عن تجربة واقتناع. «رجل كألف... وألف كأفّ... أقول أيضا امرأة كألف... وألف كأفّ وذلك لأن حتميّة المشاركة بين الرجل والمرأة في البناء والتربية والخلق والتأسيس حتمية متلاحمة متصلة، وحتى في حالة الانفصال تأخذ وضعا آخر في عمق استقلاليته سموّ التضحيّة ومعاني البطولة وعبقرية الابداع، غير أنّ هذا المظهر يبقى ناقص التكوين للذّات البشرية بعيدا عن التأطير الاجتماعي في تكامله المتطوّر أفقيّا.
وعموديا في الفضاء الكوني القاعدي البنّاء وفي آفاقه وأبعاده في المطلق اللامحدود...
وفي طليعة هؤلاء الرجال وأعظمهم مكانة وأكثرهم سؤددا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، في عظمته قبل النبوة وبعدها وقد زادها الإسلام عظمة ونورا على نور، يهدي لنوره من يشاء... وقد اخترت هذه الشخصية المتميزة لأتحدث عنها إلا أني رأيت أنها تحظى بعناية السماء لتبليغ رسالة مقدسة ولهداية البشرية الضالة إلى الطريق المستقيم هذه واحدة والثانية أن محمدا رسول الله ے تناولته الأقلام قديمها وحديثها شرقا وغربا وأطنبوا في الحديث عنه حتّى أمسى معروفا بالضرورة... وما عاد ينكره إلاّ كافر عنيد أو مشرك لعين... ففكّرت وقدّرت، فإذا بشخصية درستها كثيرا وأحببتها حبّا جمّا من الشباب وفي المعهد الثانوي حتى الجامعة وبعد التخرّج وأنا في التدريس ومازلت شغوفا بها إنّها شخصية علي بن أبي طالب، ابن عمّ محمد رسول الله ے الذي كان مرآة صادقة لشخصية النبي رسول الله في كل كبيرة وصغيرة... ذلك الرجل العظيم الذي رفعه عمله إلى أعلى علّيين وتسامت بشريته سُمّوا كادت تضعه في مصافّ الأنبياء والرسل...فرأيت لزاما عليّ أن أبدأ بالكتابة عنه تعريفا وبيانا لأني آمنت أنّه جدير أن ينضوي في «رجل كألف وألف كأفّ» فإذا رضي كرّم الله وجهه أن يكون كذلك فمن تواضعه وزهده وتقواه لأنه أكثر ممّا ذكرت...
وهو أهل لذلك وأكثر لأننا مهما كتبنا عنه وتكتب لا نصل ولن نصل إلى إعطائه شيئا ضئيلا من حقّه علينا معشر المسلمين قاطبة...
إنّه بحق وبكل جدارة رجل كألف... فسيرته وحياته منذ الطفولة حتّى اغتياله بخنجر الغدر والكفر بيد عبد الرحمان بن ملجم تبت يداه وانتقاله إلى مولاه في مقام كريم جنّة عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين...
وحتّى ألقي بحمل ثقيل أتعبني... وأقضّ مضجعي... أخذت يراعتي وتوكلت على الله.. لأكتب ما توصّلت إليه وما حفظته وما جمعته وهو قليل نزر عن سيرة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه...
والكلام عن الخليفة الرابع ابن عم محمد رسول الله وصهره زوج ابنته الصغرى «فاطمة الزهراء أم الحسن والحسين حفيدي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، فالكلام عن هذه الشخصية النادرة خطير واسع وعميق متشعب تكل فيه العقول وتضيع فيه النفوس وتقف دونه العزائم وهذا ما يجعلني مقصّرا.. ولا سيما وأنا أكتب مقالا تضيق عنه الجريدة والفضاء المحدود...فعزائي الوحيد أن أكون حرّكت سواكن المثقفين من شبابنا العربي المسلم لشخصية من شخصيات آل البيت عاش كألف واستشهد قدوة ومثلا أعلى في دنيا البشر وبقي خالدا في العالمين..
هرعت السيدة فاطمة بنت أسد بن هاشم وهي حاملة بعلي عليه السلام في شهرها التاسع ورفعت طرفها تدعو الله حتى تضع حملها في أحسن الحالات، فإذا بجدار الكعبة ينشق، فتدخل السيدة فاطمة في جوف الكعبة وتلد ابنها عليا... وهناك مكثت ثلاثة أيام تأكل من ثمار الجنة... ولم يستطع زوجها أبوطالب، وجماعة من قريش فتح باب الكعبة، وتلك منة يمنها الله على أوليائه الصالحين وكرامة يهبها لمن يشاء... وليست الشيعة وحدها هي التي ذكرت هذه الكرامة، بل ذكرها أيضا علماء السنة كالمسعودي في مروج الذهب... وعبد الحميد خان الدهلوي في سيرة الخلفاء... وهكذا فرح أبوطالب... وتسلم وليده المبارك... فأخذه وقبله... وأولم أبوطالب ونحن ثلاثمائة من الابل وألف رأس من البقر وطافوا بالبيت سبعا.
والذي أثار الناس وحيرهم كلام علي في المهد ولم يتجاوز الأيام الثلاثة... والأغرب من ذلك أن يقرأ آيات من القرآن... مع أن القرآن لم ينزل بعد على النبيء وقتئذ، تكلم الرضيع علي بن أبي طالب فقال:
بسم الله الرحمان الرحيم «قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون... إلى آخر الآيات... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أفلحوا بك، وقرأ الرضيع تمام الآيات الى قوله «أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنت والله دليلهم وبك يهتدون وتلك تالية معجزة أظهرها الله مثلما ظهرت معجزة عيسى عليه السلام وهو يكلم الناس في المهد... فيقول: «إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيئا... الى آخر الآية...
وإني لا أرى غرابة في ذلك... فقد أنطق الله عيسى فما المانع ان ينطق عليا والفارق بين هذا وذاك، النبوة وخلافة النبوة وليس ذلك بعزيز على قدرة الواحد الأحد...
فتلك خارقة للعادة أردت ذكرها ليعلم خواص الخصوص والخاصة والعامة قيمة علي... وعلى كل فولادة علي بن أبي طالب يوم الجمعة في الثالث عشر من شهر رجب بعد مضي ثلاثين سنة من عام الغيل على أشهر الأقوال والله أعلم...
وقد تربى في بيت النبوة على يد محمد الأمين وبرعاية أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ذات الحرم المصون وقد ذكر الرواة التقاة الثقات أن محمد (صلى الله عليه وسلم) قال لأم علي فاطمة بنت أسد، اجعلي مهده بقرب فراشي وقد واصل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الاعتناء به منذ نعومة أظفاره، رضيعا وطفلا وشابا زكيا وقد قال فيه: «هذا أخي ووليي وصفيي، ذخري وكهفي وظهري ووصي، وزوج كريمتي، وأميني على وصيتي... وخليفتي... وكان لا يفارقه طرفة عين... ولو أردت الكتابة عن أفضلية علي عند رسول الله لضاق عنه ذلك الفضاء وهذا المقال ولما كفاني الا كتاب على رأسه لكن من يريد الاطلاع على علي الخليفة الراشد ومن آل البيت فعليه بفضائل الامام علي «لمحمد جواد مغنية ومحمد كامل حسن المحامي في «عظماء الاسلام... وعلي من المهد الى اللحد، ولمحمد كاظم القزويني والخلافة والخلاف في خلافة علي بن أبي طالب لأحمد اللغماني والقائمة تطول...
والإمام عليّ بقطع النظر على أنه ابن عمّ النبيء فإنه جاهد في اللّه حقّ جهاده ونصر الاسلام وكسّر الأصنام وفدى محمّدا بنفسه طيلة حياته وواصل الجهاد بنفس الايمان وبكل حماس وإخلاص لإعلاء كلمة اللّه وتركيز الدولة الاسلامية كلّفه ذلك ما كلّفه حتى انتهت حياته شهيدا مقتولا بخنجر الغدر المسموم على يد عبد الرحمان بن ملجم عند صلاة الصبح وفاز بالشهادة..
ويكفيه فخرا وعظمة قول النبي محمّد رسول اللّه ے: «لأعطينّ الرّاية غدا رجلا يحبّ اللّه ورسوله، ويحبّه اللّه ورسوله» وذلك في غزوة «خيبر الذي عجز أجلّ الصحابة ولم يقدروا على فتحها وهي معقل لليهود بالمدينة المنورة وقتذاك ورجع عمر بن الخطاب خائبا وكذلك أبوبكر الصديق لم يقدر فإذا برسول اللّه يأتي بالنبإ العظيم حسما للأمر فيقول لأعطينّ الراية الى آخره ثم قال: «أين عليّ بن أبي طالب»؟ ورغم مرضه استطاع النبي أن يداويه من رمد أصاب عينيه وكان ما كان وفتح اللّه عليه ودخل حصون خيبر المنيعة وفتحها وعاد عليّ الى صفوف المسلمين يحمل الراية لرسول اللّه وكان صدقا وعدلا «رجل كألف» وكما قلت آنفا لو كانت عنده هذه فقط لكفته فخرا وعظمة لكنّ الرجل كانت حياته كلّها جهادا وتضحية في سبيل عزّة الاسلام والحقّ والكرامة وشرف الإنسان.
وأضف الى ذلك فهو من أهل البيت بصريح الآية {إنّما يريد اللّه ليُذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا} صدق اللّه العظيم.
روى أبو سعيد في شرف النبوّة أن رسول اللّه ے قال لعلي: «أوتيت ثلاثا لم يؤتهنّ أحد، ولا أنا، أوتيت صهرا مثلي، ولم أوتَ أنا مثلي، وأوتيت زوجة صدّيقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما، ولكنّهم منّي وأنا منكم وقد فضّل اللّه عليّا فزوّجه فاطمة «الزهراء البتول» سيّدة نساء زمانها، وسيدة أهل الجنّة ابنة رسول اللّه محمد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب. وقد قال لعليّ «يا عليّ هذا جبريل يخبرني أن اللّه زوّجك فاطمة».
وإني لو واصلت تقديم مناقبه وفضائله كرّم اللّه وجهه لحبّرت مئات الصفحات وإنما أقف عند قوله: «إنّ إمامكم اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعامه بقرصيه» وقد باع سيفه ليشتري إزارا بدهمين، فما أعظمك يا خليفة رسول اللّه! تبيع سيفك وأنت خليفة المسلمين على العراق وفارس والحجاز واليمن ومصر، واكتفيت بطمريك وقرصيك، فليس غريبا وأنت ترعرعت وتربّيت في جوار الرّسول محمّد فاقتديت به قلبا وقالبا لكن الأعجب من ذلك وأنت بشر لم ينزل عليك وحي ولا أنت نبيء فتقول: «الدّنيا جيفة، فمن أراد منها شيئا فليصبر على مخالطة الكلاب» هكذا لفظتها لفظ النواة وكانت عندك يا عليّ «أتفه من ورقة في فم جرادة» ألا فلينظر حكّامنا وأولو الأمر الذين يتكالبون على الدنيا وشهواتها غير مهتمين بشعوبهم يأتون على الأخضر واليابس، يفسدون ولا يصلحون ألا فليفهموا ويتتبعوا سيرة حياة محمد رسول اللّه وصحابته الميامين والخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين عساهم ينالون خيري الدّنيا والآخرة فالسّلف الصالح بشر كانوا حكاما صالحين مثالا للعدل والتربية والأخلاق لم يتخرّجوا من المدارس الغربية ولا من الجامعات الكبرى ولم ينالوا الشهائد العلمية العليا في كل المجالات ولكنهم تخرّجوا من مدرسة الاسلام على يد محمّد رسول اللّه ألا تشبّهوا بهم إن لم تكونوا مثلهم فإنّ التشبّه بالكرام فلاح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.