٭ بقلم: عبد الخالق بوجناح (قاضي مستشار بدائرة المحاسبات) في صعوبة تحقيق الاستقلالية تعتبر الأيفاك أن لكل مهمة رقابية ظروفها الخاصة التي قد تشكل تهديدا لاستقلالها وأنه من المستحيل التعرف مسبقا على كل هذه الظروف وضبط الإجراءات اللازمة لمعالجتها وتوصي في هذا الصدد بتفعيل آليات التشخيص والوقاية بمناسبة كل مهمة رقابية قصد التعرف على هذه التهديدات وتطبيق الإجراءات اللازمة لتفاديها أو للتخفيف من حدتها. وفي خصوص الظروف التي تشكل مصدر تهديد لاستقلالية العمل الرقابي ذكرت المنظمة الحالات التالية: المصلحة الشخصية: وتتمثل في إمكانية حصول الجهاز أو أحد أعضائه على منافعَ مالية أو غير مالية من خلال المهمة الرقابية وذكرت المنظمة أن المساهمات في رأس مال الحريف أو العلاقات التجارية الوثيقة معه أو إمكانية الحصول على قرض أو على شغل مُغرٍ تمثل تهديدا للاستقلالية. الرقابة الذاتية: أي مراقبة أعمال سبق للجهاز أو أحد أعضاء المهمة الرقابية أن شارك في إعدادها أو شغل منصبا يُمَكّنه من التأثير عليها أو مراقبة هيئة كان الجهاز أو المراقب عضوا في مجلس إدارتها أو إطار تسيير فيها. النيابية: وتتمثل في تبني، لسبب أو لآخر، وجهة نظر الهيئة المراقبة بصورة عشوائية وبدون أي اعتبارات موضوعية وهي الحالة التي يكون فيها الجهاز الرقابي مثلا مفوضا من الهيئة المراقبة للدفاع عنه في نزاعه مع طرف آخر أو مكلفا بترويج مساهماته بالسوق المالية. الألفة: وتتمثل في وجود قرابة أو صداقة حميمة بين أعضاء المهمة الرقابية وأعضاء إدارة الهيئة المراقبة أو موظفيها أو في تواجد عضو سابق بالجهاز في مجلس إدارة الحريف أو في إطار التسيير أو في منصب يُمكّنه من التأثير على العمل المزمع مراقبته. التخويف: وهي الحالة التي يتعرض فيها أحد أعضاء المهمة الرقابية لتهديدات تهدف إلى المس من حياديته أو ثنيه عن أداء مهامه وفق المعايير المهنية وتشمل التهديد بالطرد أو بالتعويض بمراقب آخر. وترى الأيفاك أن المدة الزمنية المعنية بهذه المخاطر لا تنحصر في المدة المغطاة بالعمل الرقابي بل تشمل فترات ما قبله و بعده. وبالنسبة إلى منظمة الإنتوساي، تتمثل الحالات التي تهدد استقلالية الأجهزة الرقابية والأعضاء العاملين بها في : النفوذ والتأثير الخارجي الأحكام المسبقة على الأشخاص والهيئات المراقبة أو على البرامج والمشاريع محل الرقابة الانحياز السياسي: تؤكد الإنتوساي على أهمية المحافظة على الحيادية السياسية في الأفعال وفي المظهر وعلى التصدي لكل تأثير يمكن أن يتعرض له المراقب من الأحزاب السياسية نتيجة تعامله مع السلطتين التنفيذية والتشريعية أو انخراطه في حزب سياسي. تضارب المصالح : توصي المنظمة بتغليب مصالح الجهاز الرقابي على المصالح الشخصية للمراقب أو لغيره وبعدم استعمال المعلومات التي تم الحصول عليها للتمتع بصفة مباشرة أو غير مباشرة بمنافع شخصية أو للإساءة للغير كما توصي برفض الهدايا والمكافآت المتأتية من الهيئات الخاضعة للرقابة وتجنب العلاقات التي يمكن أن تدخل الشك في استقلالية المراقبين. وتعتبر الإنتوساي أنه من خلال تطبيق المبادئ المتعلقة بالاستقلالية، يمكن للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة أن تتجنب هذه المخاطر وتوصي كُلّ جهاز بتقييم وضعه الحالي ومقارنته بالوضع الذي يجب أن يكون عليه وتحديد حاجياته لسد الفجوة وبلوغ الوضع المثالي. ويتم تقييم الوضع الحالي حسب الإنتوساي بالاعتماد على عدة أدوات (المراجعة المستندية، الاستبيان، لجان التفكير، المعاينة الميدانية، المقابلات الشخصية) للتعرف على نقاط قوة و نقاط ضعف الجهاز ويحدد الوضع الواجب أن يكون عليه بالرجوع إلى المعايير الدولية ذات الصلة ورؤية الجهاز المستقبلية والمهام القانونية الموكولة إليه وما هو معمول به في أجهزة مماثلة ومتطلبات البيئة الداخلية والخارجية للجهاز. وقد قامت المنظمة بدراسة للتعرف على مدى تطبيق أعضائها (113 عضوا من دون أعضاء المجموعة الأوروبية «الأوروساي») لمبادئ الاستقلالية أثبتت أن الوضع يختلف من بلد إلى آخر وأن عدة عوائق تحول دون ذلك. وجاء بهذه الدراسة أن استقلالية الأجهزة العليا للرقابة على الأموال العمومية لا تزال تشكو من عدة نقائص خاصة على مستوى الممارسة حيث عاينت المنظمة أنه رغم تأكيد النصوص التشريعية على مبدإ استقلاليتها فإن معظم الأجهزة لا تتحكم في آليات تطبيق هذه الاستقلالية التي بقيت من مشمولات السلطة التنفيذية ويتجلى هذا سواء من خلال آليات توفير الموارد البشرية والمالية اللازمة للقيام بالأعمال الرقابية أو من خلال آليات ضمان استقلالية رئيس الجهاز أو أيضا من خلال آليات التنظيم الداخلي للجهاز التي بقيت هي أيضا تحت سيطرة السلطة التنفيذية. وأفرزت الدراسة أن 84 جهازا يتمتع بحرية تنظيم وتسيير هياكله الداخلية وأن 72 جهازا يحصل بشكل كامل وغير مقيد على المعلومات اللازمة لأداء مهامه و 70 جهازا له صلاحيات إجراء رقابة على كل من الهيئات الحكومية والشركات التجارية العمومية والسلطات الجهوية وأن 69 جهازا يعرض ميزانيته مباشرة على موافقة السلطة التشريعية. كما أفرزت أن 60 جهازا يتمتع بحرية نشر تقاريره (بما فيها التقارير حول أنشطة الجهاز) و 20 جهازا يتمتع بدرجة معقولة من الاستقلال المالي وأن نسبة 25٪ فقط من الأجهزة تستجيب للمعايير المتعلقة باستقلالية رئيسها. وجاء بهذه الدراسة أيضا أن تطبيق مبادئ الاستقلالية يختلف من مجموعة إقليمية إلى أخرى ومن بلد إلى آخر في نفس المجموعة. فقد عاينت المنظمة أن أجهزة المجموعة العربية والمجموعة الإفريقية الناطقة باللغة الفرنسية لا تتمتع بحرية نشر وتوزيع تقاريرها. كما أنه على عكس أعضاء الأفروساي الناطقين باللغة الأنقليزية الذين يتصرفون بحرية «كاملة» في الموارد المالية المتوفرة لديهم فإن أعضاءها الناطقين باللغة الفرنسية يتصرفون فيها بحرية «محدودة جدا». وفي ما بخص حرية انتداب الموظفين وترقيتهم وضبط رواتبهم وتسريحهم فإن بعض أعضاء المجموعة العربية يتمتعون بهذه الصلاحيات. وخلصت المنظمة إلى أن عددا هائلا من أعضائها لا يؤدي مهامه وفق المعايير التي نصت عليها لوائحها وخاصة تلك المضمنة بإعلان «ليما» حول الاستقلالية والذي سبق أن تبناه نفس هؤلاء الأعضاء منذ سنة 1977. الجزء الثاني : في الوسائل الكفيلة بتدعيم استقلالية الأجهزة العليا للرقابة تعتبر منظمة الأيفاك أن تدعيم استقلالية العمل الرقابي يتم من خلال تشخيص المخاطر التي تهدد هذه الاستقلالية أولا (أنظر الفقرة المتعلقة بصعوبة تحقيق الاستقلالية) ثم تطبيق الإجراءات الوقائية اللازمة ثانيا. ويتم تطبيق هذه الإجراءات من خلال الآليات التالية : الآليات الوقائية التي جاء بها القانون أو التراتيب أو المهنة والتي يتم بموجبها التحقق، قبل قبول أية مهمة رقابية أو مواصلتها، من احترام القواعد التي نصت عليها. وتشمل هذه الآليات إجراءات التشكي التي يمكن من خلالها للمراقبين الآخرين أو الهيئات الرقابية أو العموم جلب الانتباه حول كل تصرف لا مهني أو مخالف لتلك القواعد. الآليات الوقائية التي جاءت بها «بيئة العمل» وتشمل الإجراءات الوقائية العامة التي يطبقها الجهاز في كل المهمات الرقابية والإجراءات الوقائية الخاصة التي يضبطها حسب نوعية المهمة الرقابية المزمع إنجازها وكذلك الإجراءات الوقائية المتبعة من طرف الحريف للتحقق من استقلالية المراقبين. وترى المنظمة أن هذه الطريقة أنجع من تلك التي ترتكز على ضبط مبادئ عامة بصورة مسبقة، لا تتناسب في بعض الأحيان مع متطلبات المهمة الرقابية، ومتابعة مدى احترامها. ومن جهتها اعتبرت الإنتوساي أن تحقيق الاستقلالية يتطلب تطبيق كل المبادئ التي نصت عليها معاييرها. وترى هذه المنظمة أنه بعد التقييم والتعرف على المعوقات التي تواجه الاستقلالية، يمكن وضع إستراتيجية للارتقاء إلى الوضع الواجب أن يكون عليه وذلك باعتماد التدرج والمرحلية «مع التركيز في البداية على وضع الأساسيات في إطار ما هو متاح من إمكانات مادية وغيرها من المعوقات الداخلية والخارجية». وتعتبر المنظمة أنه لا يوجد مخطط موحد لهذا الغرض بل يجب على كل إستراتيجية أن تكون عملية ومصممة خصيصاً للتوافق مع الظروف العامة المتعلقة بالجهاز الرقابي. وقد قدمت أمثلةً عن التطبيقات الجيدة لهذه المبادئ وخاصة أمثلة عن الضمانات التي يمكن توفيرها في المواقف والحالات التي يكون فيها الجهاز الأعلى للرقابة غير قادر على تلبية بعض مبادئ الاستقلالية، معتمدة في ذلك على الحلول التي توصلت إليها الأجهزة الأخرى لملاءمة التشريع المتعلق بأنظمتها الرقابية مع مبادئ الإنتوساي. ومن جهتها قدمت الأيفاك أمثلة عن التطبيقات الجيدة للضمانات التي يجب توفيرها في صورة تعرض المهمة الرقابية إلى مخاطر تهدد استقلالها إلا أنها أكدت على الصبغة الاستثنائية لهذه الحلول وأن القاعدة تبقى آليات التشخيص والوقاية التي نص عليها الإطار المرجعي لميثاق أخلاقيات المهنة. ويمكن تقسيم هذه التطبيقات إلى صنفين : تطبيقات لتدعيم الاستقلالية على المستوى الخارجي، وتطبيقات لتدعيمها على المستوى الداخلي.