٭ بقلم: عبد الخالق بوجناح (قاضي مستشار بدائرة المحاسبات) في الوسائل الكفيلة بدعم الاستقلال الخارجي للمراقبين تجدر الإشارة أولا إلى أن منظمة الإنتوساي ركزت بالخصوص على استقلالية الجهاز الأعلى للرقابة ورئيسه ولم تتعرض بالتفصيل إلى استقلالية المراقب خلافا لمنظمة الأيفاك التي خصصت جزءا كبيرا من ميثاق أخلاقيات المهنة الذي تبنته في 2005 إلى استقلالية المراقب. واتبعت الأيفاك في هذا الغرض نفس المنهج الذي نص عليه إطارها المرجعي لتدعيم استقلالية الجهاز الرقابي المتمثل في تشخيص المخاطر وتطبيق آليات الوقاية اللازمة وقدمت إلى جانب ذلك أمثلة عن الحلول التي يمكن تطبيقها لتدعيم استقلالية المراقب في صورة تعرضها إلى تهديدات، نذكر منها ما يلي: يشكل امتلاك المراقب أو أحد أفراد عائلته القريبة مساهمات مالية في رأس مال الحريف خطرا على الاستقلالية مرتبط بالمصلحة الشخصية يتطلب التدقيق في طبيعة هذه المساهمة للتعرف ما إذا كانت تخول لصاحبها التحكم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في قرارات الحريف. وتتمثل الوقاية في هذه الحالة في عدم تشريك صاحب المساهمة في المهمة الرقابية أو التفويت في المساهمة أو في الجزء الذي يمكن من التحكم في قرارات الحريف أو التباحث في الموضوع مع المسؤولين عن الحوكمة لدى الحريف (لجان التدقيق مثلا) أو مراجعة الأعمال الرقابية من طرف مهني آخر وفي صورة عدم كفاية هذه الإجراءات توصي الأيفاك برفض المهمة الرقابية. وتطبق هذه الوقاية أيضا في الحالات التي تكون فيها المساهمة على ملك عضو في الجهاز الرقابي أو أحد أفراد عائلته القريبة لا ينتمي لأعضاء المهمة الرقابية وله تأثير على سير العملية الرقابية أو نتائجها أو تكون المساهمة على ملك شخص له علاقة وطيدة مع أحد أعضاء المهمة الرقابية. تشكل العلاقات الاقتصادية أو العائلية أو الشخصية بين أحد أعضاء المهمة الرقابية والحريف أو أحد مسؤوليه خطرا على الاستقلالية مرتبطا بالمصلحة الشخصية والألفة والتخويف، وتقيم أهمية هذه المخاطر بالرجوع إلى المنصب الذي يشغله المسؤول المعني بالأمر عند الحريف والصلاحيات التي يتمتع بها للتأثير مباشرة على المعلومات المزمع مراقبتها وكذلك بالرجوع إلى الأعمال المكلف بها المراقب. وتتمثل الوقاية في أبعاد المراقب عن المهمة الرقابية أو عدم تشريكه في مراقبة العمليات التي تعود بالنظر إلى علاقته أو رفض المهمة في صورة عدم كفاية هذه الإجراءات. كما أن الاعتماد على نفس الشخص أو الفريق لمراقبة نفس الحريف خلال مدة زمنية طويلة يشكل تهديدا للاستقلالية مرتبطا بالألفة يتم معالجته من خلال ضمان تداول المراقبين خاصة في مستوى التأطير ومراجعة الأعمال الرقابية من طرف مهني آخر والتثبت في مدى احترام نظام ضمان جودة الأعمال الرقابية. وفي ما يخص الوضعيات التي لها علاقة بالتخويف توصي المنظمة في حالة وجود قضايا أو خلافات محتملة بين أحد أعضاء المهمة الرقابية والحريف بإعلام مسؤولي الهيئة الخاضعة للرقابة بطبيعة هذه الخلافات وأهميتها وإبعاد العضو المعني بالأمر عن العملية الرقابية وتكليف عضو من الجهاز لا ينتمي إلى المهمة الرقابية بمراجعة الأعمال الرقابية، وفي صورة عدم كفاية هذه الإجراءات لتقليص المخاطر إلى مستوى مقبول فإنها توصي بعدم قبول المهمة الرقابية أو التنازل عن مواصلتها. وفي كل الحالات توصي المنظمة لغرض وقاية استقلالية المراقب داخل الجهاز الرقابي من المخاطر التي تهددها بإتباع إجراءات العمل التي نصت عليها معاييرها واعتماد نظام ضمان الجودة ومتابعة تطبيقه وتوثيق إجراءات تشخيص وتقييم المخاطر التي تهدد الاستقلالية وإجراءات تشخيص وتقييم الأعمال الوقائية الكفيلة بإزالة هذه المخاطر أو تخفيف حدتها. ومن ناحيتها أكدت منظمة الإنتوساي على ضرورة دعم استقلالية المراقب داخل الجهاز الرقابي. فقد نص إعلان «ليما» حول الخطوط التوجيهية للرقابة على الأموال العمومية (المعيار إساي 1) على تحرر الأعوان المكلفين بالرقابة داخل الجهاز من كل ضغوطات يمكن أن تمارسها عليهم الهيئات الخاضعة للرقابة وعلى عدم تبعيتهم لها. وتعتبر المنظمة أن عدم إقامة علاقات مع الجهات الخاضعة للرقابة يدعم استقلالية أعوان الأجهزة العليا وموضوعيتهم وفي صورة تعاونهم (بناء على أوامر السلطة التشريعية) «بشكل وثيق مع المديرين (في لجان المناقصات مثلا)» توصي المنظمة بالمشاركة بصفة ملاحظ وعدم الضلوع في أخذ القرار. كما توصي بعدم المشاركة في مراقبة الهيئات أو المشاريع أو البرامج التي للمراقب فيها علاقات شخصية أو مصالح مالية. وتعتبر أيضا أنه من المهم، في صورة انخراط موظفي الأجهزة العليا للرقابة في أحزاب سياسية، تقييم مدى تأثير هذا الالتزام، في الظاهر وعلى أرض الواقع، على قدراتهم على أداء مهامهم بحيادية. ومن العوامل الأخرى التي تدعم استقلالية المراقب رفضه الهدايا والمكافآت المقدمة من الهياكل الخاضعة للرقابة. وكما هو الشأن بالنسبة للأيفاك ترى الإنتوساي أن الكفاءة والخبرة وإتباع إجراءات عمل متوافقة مع المعايير المهنية تمثل الثوابت التي يجب توفرها لتحقيق استقلالية المراقب عن الهيئات الخاضعة للرقابة. يتطلب الاستقلال الخارجي للأجهزة الرقابية بالأساس تجنب العلاقات والحالات مع الهيئات الخاضعة للرقابة التي من شأنها أن تؤثر بصفة مباشرة أو غير مباشرة على قراراتها، إلا أن تحقيقه لا يكفي لوحده لضمان الاستقلالية، فالأجهزة الرقابية مطالبة بتبني إجراءات تضمن استقلالية قرارات أعضائها عن كل تأثير مباشر أو غير مباشر يتأتى من داخل الجهاز. كما أن إرساء نظام رقابة داخلي ومساءلة يمثل أحسن سند لدعم استقلالية أعضاء الجهاز.