ان ما تم التنبيه إليه من عمل مبيت لفرض الوصاية على منظمتكم العتيدة قد حصل بالفعل تبعا لتسلط فئة معينة من القيادة الحالية عليها، وقد تجلى ثبوت هذا التوجه بعد إنجاز أشواط عديدة للمخطط المعدّ لذلك. لقد حصلت لهذه الفئة قناعة راسخة أنهم أوصياء بالفعل عليها وهم داخلها وبعد خروجهم منها باستنساخ قيادة جديدة صنيعة أيديهم يسيرونها من الخلف وقد أصبحت الطبخة جاهزة بمواصلة تنصيب النقابيين الموالين عن طريق الضغط والتزييف على ما تبقى من المؤسسات الكبرى دون ممثليهم أصحاب الحق الشرعيين في غياب العمال تبعا لعزوفهم عن هذه القيادة أو إثر غلق مؤسساتهم أو لانشغالهم بأمور أخرى مرتبطة بالوضع الحالي في البلاد الى غير ذلك. فبالنسبة الى هذه المجموعة الغاية تبرر الوسيلة فالتحكم في المنظمة ضمان لما يخططون لمستقبلهم وفرصة لدسّ أصابع اضافية لزيادة التمكن لنيل المبتغى أو المساومة بذلك فيما يشاؤون أو لغاية في نفس يعقوب كالتهرب كما يروج البعض من طائلة القانون لمن هم غارقون حتى العنق في تهم وذنوب يسوق لها في الساحتين النقابية والوطنية حيث لم يبق لهم مكان شاغر في هذا المجتمع ولا من المفروض أيّ دور يلعبونه في المستقبل مع إنطلاقة هذه الثورة المباركة وما ينوي شبابها وعزمه على بنائه وتوطيده. فحتى أعوان المنظمة ذاتها باعتبار عددهم الهام الذي يخول تواجدهم في مؤتمرها المقبل خضعوا لنفس المسار الأسود حيث حصل ما حصل من تجاذبات وخلافات وضغوط على انسحاب بعض الوجوه غير المرغوب فيها وممارسة ترغيب وترهيب على النواب وفرض لعبة الطاعة والصمت والإنصياع لإرادة الأغلبية أي أصحاب الوصاية على الاتحاد وقد كانت النتيجة طبعا كالمعهود للموالين المخلصين الدائمين لهم. إذ يبدو أن فريضة الخوف والإرهاب أصبحت السمة المميزة لبعض رموز هذه القيادة حيث انقلب مبدأ العمل بالنيات الى ضرورة الطاعة العمياء وأصبح للكثيرين أضعف الإيمان ما تردده المقولة«اضحك للقرد في دنيته وقل له نعم الحبيب» أو «إمان الأبكم في صدره» الى غير ذلك. فالحرية والديمقراية صار لهما معاني نسبية ومقياسهما ذو مكيالين لمن لهم ولمن يخالفهم حيث يعتبر أهل الوصاية أن الصنف الثاني خطر حتمي عليهم وجب معاملته طبقا لآليات معينة كالمتابعة والمراقبة والتحوير والتجميد والحرمان من الإمتيازات إلخ...وهذه أمور يخشى عواقبها عديد النقابيين خصوصا ضعفاء الحال منهم أمر يتفهمه الجميع. فالبقاء في الاتحاد صار يفرض لمن كانت قواعدهم صلبة قوية ومتماسكة قادرة على ردّ الفعل بالمقدار المطلوب أو لمن قبل كما أشرنا بالرضوخ للأمر الواقع ودائما مع وجوب توخي الحذر في كلتا الحالتين. اما ان كنت خارج الهياكل معتمدا على انخراطك في الاتحاد وتريد ممارسة حقك في التعبير عن رأيك عن طريق الحوار أو الوقوف في البطحاء فالأمن النقابي لك بالمرصاد بهراواته وسواعده المفتولة ولكماته الغليظة. وللعلم فان الأمن الجامعي وكل الأجهزة الأمنية الأخرى تم التخلص منها في البلاد ولم يبق لها أثر الا على مستوى هذه المجموعة القيادية فهي تؤمن بها الى حدّ القناعة كما عهدته مع العهد البائد وتتوخاه الى حدّ الساعة كأسلوب تعامل وتحاور ومجابهة النقد والرأي المخالف مع بقية النقابيين وكأن ليس لهذا الصنف مكان لا في البطحاء أو المؤتمرات واللقاءات الى غير ذلك فالمقصود بانتمائهم للمنظمة لا يتعدى مبالغ انخراطاتهم فقط. هل هذا ما خصلت اليه هذه القيادة: التنكر لمبادئ المنظمة وتجاهل أهدافها فقد ذهب العهد البائد وباتت هي محافظة على ممارساته، الا يدخل هذا في باب فرض الخوف والإرهاب على الجميع للبقاء وتبعا لذلك هل بقيت جديرة بالتقدير والاحترام وهل يمكن منحها ولو دقيقة واحدة من الثقة لمواصلة المشوار وتأمينها على المنظمة ومنخرطيها. إن لي قناعة بأن كل نقابي داخلها أو خارجها يقاسمني نفس الاحساس ويؤمن باقتراب ساعة الانتفاضة النقابية وترك الخوف والإرهاب جانبا لنصرة الحق والتوجه السليم ودعم وحدة الصف النقابي هذا الطلب الأساسي والملح في هذا الظرف بالذات لإيقاف هذا النزيف والإنشطار وتجنيب المنظمة ما لا يحمد عقباه. عاش الاتحاد العام التونسي للشغل موحدا ومرصوص الصفوف على الدوام الأمين العام المساعد سابقا عبد النور المداحي