عندما تناولنا ملفات الفساد في بعض مؤسساتنا العمومية وذلك بالحجج والبراهين والوثائق الدامغة وقفنا على أكثر من حقيقة تؤكد أن «الماء كان سايب على البطيخ» على حدّ مثلنا الشعبي والأموال العمومية كانت مهدورة دون رقيب ولا حسيب أو ربما كان البعض من المكلفين بالمراقبة والتفقدية والمحاسبة مورطين هم أيضا في ذاك الفساد باعتبار أن الوثائق واضحة ولم يتم التوغل في ثناياها بالشكل الذي يرسخ الشفافية وحماية الاقتصاد الوطني وبالتالي فإن بعض المسؤولين في بعض المؤسسات العمومية ربما اقتفوا أثر «رأس القرطلّة» الذي تبيّن أنه «مافيوزا» ولا يكتفي بالاستبداد والاختلاسات والصفقات المشبوهة بقدر ما ذهب الى دعم عناصر عصاباته المتعدّدة وفي كل القطاعات وفي مختلف المجالات بشرط تلميع صورته هو وحرمه «المصون» والقيام بأي شيء حتى وإن كان هذا الشيء متسما بالتجاوز والاخلال وهو ما يعني أنه إذا كان صاحب البيت بالطبل ضاربا فلا نلوم الصغار على الرقص طالما أن تونس والمصلحة العليا لا تهمهم بقدر ما تهمهم مصالحهم الشخصية الضيقة.. والضيقة جدا... جدا. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل يمكن معالجة الأوضاع في مؤسساتنا العمومية بما يؤكد التغيير الجذري والعميق في البلاد بعد ثورة 14 جانفي 2011 ويتم تفعيل دور المراقبين الأنقياء والوطنيين ومن خلالهم دور الادارة بمختلف هياكلها لانقاذ مؤسساتنا من الفساد ووضع برمجية علمية تؤسس للمرحلة القادمة التي نريدها شفافة وبعيدة عن كل نزيف قد يعود ليؤثر سلبا على البلاد والعباد ولا تستفيد منه إلا أقلية الأقليات الانتهازية على حساب الأغلبية الساحقة من الجماهير الشعبية... كما يمكن مراقبة المراقبين أنفسهم ومن قبل أطراف معروفة ومشهود لها بالنزاهة والكفاءة حماية لتونس الثورة من كل أشكال التعاطف السلبي والمجاملات وأيضا الشكوك ودعما للمرحلة القادمة... دار لقمان على حالها...؟؟!! كثيرون هم الذين تذمروا في المظالم التي سلطتها عليها المؤسسات التي يعملون فيها خلال الفترات التي سبقت 14 جانفي الماضي ورفعوا تقاريريهم ومطالبهم لسلط الاشراف من أجل انصافهم والتثبت في التجاوزات غير أن الوزارات وطالما أنه مازال فيها بعض المديرين الذين تربطهم علاقات وطيدة ومشبوهة بمسؤولي المؤسسات فإنها لم تعالج تلك المسائل إلا بالطرق «القديمة» وأرسلت شكاوى العاملين وتقاريرهم الى مؤسساتهم التي حرصت على تصفية حساباتها بالمتظلمين وردت لسلط الاشراف ما يشوّههم ويدينهم ظلما ومع ذلك يقولون إن العقلية والممارسة تغيّرتا بعد الثورة والحال أن دار لقمان مازالت على حالها؟؟!! التنمية في الجهات؟!! التنمية في الجهات الداخلية التي ظلت محرومة على مرّ السنين نتيجة للتجاهل ولتصفية الحسابات وحتى العقوبات المسلطة عليها بسبب نضالات البعض من الذين اختلفوا مع أصحاب النفوذ يبدو أنها بدأت تجد حظوظها في «الحكومة المؤقتة» لتكون نسبتها 80٪ للمناطق الداخلية مقابل 20٪ للمناطق الساحلية غير أنه وإن كان المنطق يفرض ذلك علينا أن لا ننسى أن عديد المناطق الساحلية ظلت بدورها منسيّة ومحرومة من حقوقها في التنمية وبالتالي لا بدّ من مقاييس علمية وموضوعية يتم بموجبها وضع البرمجة التنموية حتى لا تحرم جهات شبيهة بجهات القصرين وجندوبة وسيدي بوزيد وسليانة وباجة والكاف وقفصة وتوزر وقبلي والقيروان وغيرها خاصة إذا علمنا أن التنمية كانت مرتبطة أساسا بالعلاقات بين أصحاب النفوذ ومصالحهم وبعض أزلامهم من الذين يوفرون لهم سبل الاستثمار في جهاتهم فضلا عن الموارد والمناخات الطبيعية؟؟!! التعامل مع التونسيين والأجانب؟؟ كنا في أعداد سابقة أشرنا إلى إقصاء المؤسسات التونسية من المجمع الكيمياوي التونسي مقابل تعامله مع مؤسسات أجنبية بعمولات مختلفة والحال أن الواجب يفرض التعامل أساسا مع المؤسسات التونسية التي تشغّل اليد العاملة التونسية وتساهم في تبديد البطالة وخاصة على مستوى أصحاب الشهائد العليا خاصة إذا علمنا أن مسألة «العمولات» هذه ومع الأجانب تبقى مثيرة للتساؤلات ولردود أفعال مختلفة؟؟!! بين صناديق الأمس وإرادة اليوم؟ قيل في الماضي في فترة الفساد والاستبداد إنّ الشعب أصبح محظوظا وبالتالي لا بدّ من توفير السيارة الشعبية له قبل توفير الحاسوب العائلي الذي روّجوا له كثيرا وغيرهما من البرامج الرئاسية قبل أن يتضج بأن في كل ذلك سمسرة بالشعب وإيهاما للعالم والرأي العام الدولي أن التونسي بلغ درجة هامة من الحياة الراقية ولذلك أصبح يتوفر له كل شيء قبل أن يكون التشغيل أولوية رئيس العصابة والاهتمام ب«الزوالي» كبيرا وذلك من خلال صندوق (26 26) الذي عرفنا بعدها أين تذهب أمواله وذلك بإسم التضامن الوطني وغير ذلك من الصناديق والبرامج وهو ما يعني أن الشعب وبعد الثورة أصبح واعيا ومدركا أن إيهامه بأي برنامج أصبح صعبا جدا ولا يصدق بسهولة ولذلك لا بد من الشفافية واستيعاب الدروس حتى لا تعود حليمة الى عادتها القديمة وعندها يكون التضارب جائزا وتكون الأوراق مبعثرة مقابل التأكيد على أن شعبنا طيب ونقي السريرة ولا يتردّد في دعم «الزوالي» وفي التضامن الصادق والنقي من أجل تونس الإرادة والثورة والمستقبل والتنمية الفعلية والناجعة. الثورة الثقافية واستقامة الحال؟ أي دور للمثقفين من الأدباء والرسامين وغيرهم في الحياة السياسية خاصة أن الثورة من المفروض أن تكون شاملة وعميقة وفي اعتقادنا للمثقفين دورهم الكبير لتكون الثورة ثقافية ومساهمة وفعالة في تطوير المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في البلاد باعتبار أن الثقافة خير مفتاح للتوغل لفتح كل أبواب الحياة التي ترتقي بمستوى الشعوب بعيدا عن «البعلي» والهنجهيات الجوفاء وتكسير اللغة ورفع المنصوب وكسر المفتوح فضلا عن الذوق الراقي المعزز لكل التدخلات السياسية المؤثثة أساسا بسبل الاقناع الثقافية ومن خلالها السياسية ولذلك لا بدّ من الاعتماد على الثورة الثقافية التي بدونها لا يستقيم الحال.