كانت الفلاحة حسب مجموعة من الفلاحين الذين التقتهم «الشروق» خلال زيارة ميدانية الى ولايات الحبوب (باجةوجندوبة) الحلقة الضعيفة في العهد البائد وكان الفلاّح هو اكثر من يعمل وأقل من ينتفع ويجني من ثمرة تعبه فكان بمثابة جندي الخفاء في القطاع الاقتصادي ولكن الى أي حد يمكن ان يصبر على هذا الوضع؟ وهل تنصف الحكومة الحالية ومن ستتولى الحكم بعد 24 جويلية «الفلاّح»؟ وأية ضغوطات شهدها هذا الأخير خلال العهد البائد؟ أسئلة كثيرة تفرض نفسها عندما تقف وسط الحقول المترامية الأطراف لتتحدث الى عدد هام من الفلاّحين الذين ورثوا المهنة أبا عن جد والذين توفّرت لديهم الدراية العلمية الكافية لتوفير الغذاء لكل التونسيين. البداية كانت مع عبد العزيز البجاوي فلاّح بولاية باجة حيث أفاد انه منذ 35 سنة وهو يعمل في القطاع الفلاحي وتحديدا الزراعات الكبرى ويدرك جيّدا معاناة الفلاّح وشواغل القطاع بصفة عامة. وقال: «يوجد العديد من الفلاحين الذين يعانون كثيرا جرّاء المديونية وارتفاع الكلفة والدولة مطالبة بإيجاد الحلول اللازمة لهم حتى تستمرّ حلقة الانتاج». وانتقد سياسة منح شركات الإحياء والتنمية التي كانت تعتمد على منحها «لفلان» الذي يتفقّدها بسيارته الفاخرة عند نهاية الاسبوع عوض منحها لابن الفلاّح القريب منها والذي يتابعها يوميا. وأوضح ان سياسة اضعاف الفلاّح في العهد السابق وعدم ايجاد الحلول الملائمة له وعدم ايلاء الأهمية اللازمة لتكثيف الانتاج أدى الى تراجع كبير في المردودية حتى أن احدى الضيعات التي مكّنت صاحبها من شراء طائرة في عهد الاستعمار فأصبحت تدعى «ضيعة الطائرات» صارت حاليا تعاني مشاكل كبيرة جدا. وعن نفسه قال: «لقد أخذت على عاتقي العمل الجدي والمتواصل الذي يحول دوني والنزول عن انتاج 33 قنطارا في الهك». وأضاف انه رأى من الصالح اعتماد بذور جديدة هي البذور الايطالية التي تدعى «سرقولا» على مساحة 60 هك وأشار بيده الى الحقل لتمتد اعين فريق الزيارة المتكوّن من اعلاميين ومهندسين في البحث العلمي لتشاهد صابة جيدة تحتاج فقط الى الأمطار هذه الايام ليكتمل نموها شخصيا لاحظت الفرق بين صنف معالي وهو صنف تونسي وبين الصنف الايطالي وذلك في التناسق الموجود بين السنابل في الطول والإمتلاء والاخضرار. وقال: «هذه البذور حصلت على التسجيل في تونس بعد ان ثبتت أهميتها وأدعو الهياكل المعنية بالفلاحة الى الانفتاح على مثل هذه الأصناف حتى تعاضد الأصناف التونسية ويتزايد الانتاج وتعود تونس الى تسميتها القديمة «مطمورة روما». ولم يفوّت هذا الفلاح الفرصة للحديث عن مشاكل الأدوية التي تحتاج بدورها الى مراقبة حتى لا يخسر الفلاح الثمن والصابة في آن واحد. إنقاذ تركنا الفلاح عبد العزيز لننتقل الى ضيعة أخرى بعيدة عنها بأميال ولكنها في نفس ولاية باجة وبلغنا ضيعة الفلاح علي بوعلي وهو فلاّح أبا عن جد فلم يخف انشغاله حول نزول الأمطار رغم الصابة الجيّدة التي كان يقف الى جانبها. واستهل حديثه بأن الفلاح في حاجة الى احاطة وعناية اكثر بكثير من الوقت الراهن والعهد البائد. وقال: «لولا أننا فلاحون أبا عن جد لما واصلنا العمل في هذا القطاع». وأضاف ان المديونية أثّرت كثيرا على وضعية أغلب الفلاحين لذلك لابدّ من ايجاد حلول عاجلة حتى يتم تثبيته مجددا في الارض. وذكر ان الفلاح يجب ان تتوفّر لديه الخبرة كما ينبغي عليه مواكبة التطوّرات العلمية لأن الفلاحة أضحت علما. وأوضح انه من هذا المنطلق أراد استعمال البذور الايطالية بعد ان راجت حولها أخبار جيّدة خاصة في مستوى المردودية. وقال: «وزّعت أرضي في استغلال 17 هك للبذور الايطالية و150 هك للبذور التونسية كريم ورزّاق». وعن النتائج أكد ان الصنف الايطالي جيّد ويمكن الاعتماد عليه أكثر مستقبلا. مراجعة الأسعار الفلاح نور الدين بن يوسف هو من أول الفلاحين الذين اعتمدوا البذور الايطالية واعتبرها حلاّ من الحلول التي سوف تنهض بقطاع الزراعات الكبرى. وقال: «مشاكل الفلاح تتعلّق بالمديونية، وارتفاع كلفة الانتاج، كالمحروقات واليد العاملة وبالتالي عدم قدرته على مجابهة المصاريف وزادها الجفاف الطين بلّة وفي المقابل الحكومة لا تتولى مراجعة الأسعار بما يتناسب مع هذا كما تعتمد على سلّم تعيير لا ينصف الفلاّح بل ينفره من العودة الى الانتاج». ويتفق معه الفلاح محمد الحبيب الضاوي في الرأي حيث اكد على تنفيذ المطالب السابقة وهي مراجعة الأسعار التي لم تعد قادرة على مجابهة المصاريف الكثيرة التي يضعها الفلاّح لبلوغ صابة محترمة. وأوضح اننا نواجه في تونس صعوبة ادخال مشاتل (بذور) أجنبية وفي المقابل نورّد حاجياتنا من الحبوب. وقال: «اذا رفضت التعامل مع بذور أجنبية فما هو بديلها ليرتاح الفلاّح بمردودية محترمة وترتاح ميزانية الدولة من تسخير أموال طائلة للتوريد». في هذا الخصوص قال السيد شاكر بوقلّة مهندس بالشركة التونسية للمكوّنات والمعدات الفلاحية «سيما» ان ملف تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب لم يعالج بصفة جدية من قبل الهياكل المعنية في العهد السابق وكانت الدولة تلجأ دائما للتوريد حتى أن بلحسن الطرابلسي كان من بين المورّدين حيث التقاه سابقا بكندا وهو بصدد إمضاء صفقة. وقال: «توريد الحبوب مسألة مربحة تصل الى مليار ونصف من المليمات لو جلب المورّد 15 مليون قنطار». وأشار الى أن توريد البذور أقل بكثير من تكاليف توريد الحبوب للاستهلاك كما تمكّن الفلاّح من تحقيق الانتعاشة وربح المال وتوفّر مواطن شغل عديدة وتثبّت الفلاّح وابنه في ارضه إلخ... ومن هذا المنطلق اختار الفلاّح عبد العزيز الضاوي التعامل مع الصنف الايطالي الذي يراه الى حد الآن جيّدا في انتظار الحصاد الذي كشف خلال السنوات الماضية عن بلوغ انتاجية في حدود 76 قنطارا في الهك. وانطلقت السيارة لتعبر حقول الحبوب عبر المسالك الفلاحية في اتجاه ولاية جندوبة وتحديدا معتمدية بوسالم وتوقفنا عند ضيعة بوزديرة حيث تحدثنا الى الفلاح معز بلاقي الذي اعتمد الأصناف الايطالية على امتداد ثلاث سنوات وفي كل سنة يظفر بمنتوج هام. وقال: «الفلاّح حقيقة في حاجة الى مثل هذه الاصناف حتى يتخلص من المديونية المتراكمة لسنوات طويلة». واعتبر ان مزايا هذه الأصناف لا تقف عند ارتفاع المردودية فحسب بل تتعداها الى ارتفاع مردودية الأعلاف حتى توفّر 140 «بالة» اضافية. وهذا الفلاح لم يخف انشغاله بنقص الأمطار لذلك لجأ الى الري. وعرّج على ارتفاع كلفة الري في هذه المناطق مقارنة بالساحل والوطن القبلي. وطالب بالترفيع في أسعار الحبوب حتى يتمكن الفلاح من مجابهة غلاء مستلزمات الانتاج. توريد البذور قال المهندس شاكر نقلة ان تونس تورّد بذور البطاطا والبطيخ والفلفل وغيرها وهي مطالبة بالانفتاح على توريد بذور الحبوب حتى تتمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه المادة الأساسية للغذاء. وأضاف ان الاصناف الايطالية لم تثبت فقط نجاعتها في المردودية بل تمتاز ايضا بتوفرها على الجودة والبروتينات اللازمة والنافعة للجسم وهو ما يستجوب مراجعة سلّم التعيير لإضافة هذه المقاييس.