القيروان: إزالة توصيلات عشوائية على الشبكة المائية في الشبيكة    بالفيديو: مطار طبرقة الدولي يستعيد حركته ويستقبل أول رحلة سياحية قادمة من بولونيا    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    في 5 سنوات.. 11 مليار دولار خسائر غانا من تهريب الذهب    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    اسرائيل تتآكل من الداخل وانفجار مجتمعي على الابواب    عاجل : ترامب يدعو إلى الإجلاء الفوري من طهران    كاس العالم للاندية 2025: تشلسي يفوز على لوس انجلس بثنائية نظيفة    بعد تسجيل 121 حريقا في 15 يوما.. بن الشيخ يشدد على ضرورة حماية المحاصيل والغابات    ميناء جرجيس يستقبل أولى رحلات عودة التونسيين بالخارج: 504 مسافرين و292 سيارة    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    أخبار الحكومة    انطلاق الحملة الانتخابية بدائرة بنزرت الشمالية    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يفوز وديا على المنتخب الايطالي الرديف 3 - 1    بورصة: تعليق تداول اسهم الشركة العقارية التونسية السعودية ابتداء من حصّة الإثنين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    منظمات تونسية تدعو سلطات الشرق الليبي إلى إطلاق سراح الموقوفين من عناصر "قافلة صمود".. وتطالب السلطات التونسية والجزائرية بالتدخل    طقس الليلة    تونس تعزز جهودها في علاج الإدمان بأدوية داعمة لحماية الشباب واستقرار المجتمع    إسناد العلامة التونسية المميزة للجودة لإنتاج مصبر الهريسة    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    عاجل/ وزير الخارجية يتلقّى إتّصالا من نظيره المصري    "تسنيم": الدفاعات الجوية الإيرانية تدمر مقاتلة إسرائيلية من طراز "إف 35" في تبريز    اتحاد الشغل يدعو النقابيين الليبيين الى التدخل لإطلاق سراح أفراد قافلة "الصمود"    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    العطل الرسمية المتبقية للتونسيين في النصف الثاني من 2025    عاجل/ باكستان: المصادقة على مشروع قرار يدعم إيران ضد إسرائيل    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    189 حريق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية….    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ منصور معلى يكتب ل «الشروق»: الانتخابات وما بعد
نشر في الشروق يوم 22 - 04 - 2011

أبى الا ان يدلي بدلوه في ما يحدث بالوطن.. تما هي مع الثورة... وعبّر عن أفكار توجهاته، التي عهدناها منه... له ثقة كبرى في طاقات التونسيين الذين أبهروا العالم بثورة، هي الأولى من نوعها، من حيث بعدها المدني... وبعدها الثائر على الدكتاتورية... وتوقها الى بناء نظام ديمقراطي تعددي...
كيف يمكن بلوغ الأهداف النبيلة، وتونس الثورة، تزخر بعشرات الأحزاب، وترنو الى مجلس تأسيسي يقُدّ للبلاد دستورا يقطع مع الماضي..
على هذه الأعمدة، يضمّن الأستاذ منصور معلى أفكارا ملفتة وتحاليل، تنمّ على أن الرجل ليس في قطيعة مع المجتمع ولا مع حراك السياسة والاقتصاد والمال...
في النظام الانتخابي يتحدث... وعن التمثيلية النسبية يتجه بالتحليل.. وفي نظام الحكم يبدي القول... ويعطي البراهين على ايجابية المأمول وسلبية ما اتجه نحو الأفول..
في ملاحظاته الختامية، يستذكر معلى الماضي الذي سبق «بن علي» وانتجه، «ليحذّر» بهدوء المحلل والمتفحص في مكامن السياسة وخباياها، من أن ما يقوله الطامح في السلطة، لا يعدو ان يكون في باب الأماني، لأنه ما ان «يقبض» على السلطة... حتى يتناسى القيم والشعارات والوعود التي قدّمها..
من هنا فإن دار الجنوب للنشر تتأهب لإصدار كتاب الأستاذ منصور معلى، وزير التخطيط والمالية الأسبق ومؤسس مصرف (BIAT) في شكل متميّز يفوق عدد صفحاته 650 صفحة وبمضمون يراوح بين المذكرات والتحاليل.
ويتناول المؤلف بأسلوبه الدقيق والجذّاب استعراض مسيرته ضمن جيل الاستقلال وبناء الدولة حتى إقصائه من بنك تونس العربي الدولي (BIAT) في مطلع التسعينات، مستذكرا فترات هامة من تاريخ تونس المعاصر من خلال شهادات تنشر لأول مرة وتحاليله للأنظمة الاقتصادية والمالية والبنكية، ويخصص السيد منصور معلى الجزء الأخير من كتابه لاستشراف مستقبل الثورة ومستقبل تونس في كنفها.
وقد خصّ «الشروق» بهذا المقال...
الوضع الحالي : ما بعد الثورة المرحلة الانتقالية
بقي منها ما لا يزيد عن الثلاثة أشهر
الرئاسة الوقتية الحكومة الوقتية الوزير الأول الانتقالي كلها مواطن ضعف ونظرا للمسؤولية التي على عاتقها وجسامتها يلزم احترامها وتقدير الصعوبات العديدة التي تعترضها أمنية واجتماعية واقتصادية وعلى الحدود وخارجها وأيضا مساعدتها حتى نتمكن من انجاز أهداف الثورة المتمثلة هناك الأهم والمهم .
أولا : المهم تنظيم أول انتخابات حرة ونزيهة ونظيفة وشفافة
وثانيا : الأهم هو وضع دستور جديد .
المهم (أي الانتخابات) من شأنه أن يبرز للوجود نظاما للحكم يحمي البلاد والوطن والبشر من كافة تجاوزات الماضي بكل أنواعها .
ويمكّن المواطنين من مباشرة ، ولأول مرة ، حرية الرأي والتعبير والتنقل والتجمع والتنظيم وغيرها من الحريات الفردية والجماعية .
فالمهم حينئذ هو تنظيم الانتخابات والأهم هو وضع دستور ونظام حكم جديد يضمن ارتقاء المجتمع التونسي الى مجتمع متحضر متمدن غير قابل للطغيان والاستبداد والحكم الفردي .
الأهم : الانتخابات
يجب الاعداد لها حتى ينتج عنها مجلس (برلمان) قادر على ابراز أغلبية منسجمة قادرة على تحمل مسؤولية الحكم وتسيير شؤون الدولة .
وبلوغ هذه الغاية مرتبط بأسلوب الاقتراع الذي سيقع اعتماده في الانتخابات يجب حينئذ اتخاذ الأسلوب الذي يتماشى مع الوضع الموجود ما بعد الثورة .
كانت الانتخابات ، مدة سنوات طويلة ، عن طريق القائمات (الأحمر والأخضر وغيرها) وأسلوب الأغلبية ونتج عن ذلك نظام سلطوي وأصبح البرلمان عبارة عن غرفة تسجيل (chambre d'enregistrement ) لقرارات السلطة التنفيذية كما نتج عنه أيضا تهميش السلطة القضائية .
واليوم جميع المواطنين ينتظرون بفارغ الصبر انتخابات تجسم بصفة واضحة لدى كل مواطن أن له امكانية المساهمة الفعلية في اختيار من سينوبه ويمثله في البرلمان ويستمع الى آرائه ويرفضون تلقائيا أن يصوتوا لفائدة قائمات لا يعلمون أي شيء عن أفرادها سوى أنها تنتمي الى حزب معين. وبما انه في الظرف الحالي وصلنا الى حد الآن الى أكثر من 50 حزبا فمن الصعب عليهم أن يتعرفوا على كل واحد منهم واتجاهه وبرنامجه .
وهذه خيبة أمل أولى للمواطن والخيبة الثانية هو أن نجبره على اتباع نمط النسبية وأكبر البقايا ولا يوجد عدد كبير من المواطنين يؤيدون تعقيد هذا النظام وصعوبة احتساب نتيجته خاصة أن القائمات المتحصلة على أقل الأصوات وأكبر البقايا يمكنها أن تتحصل على مقاعد في البرلمان وهذه خيبة الأمل الثانية : تعقيد وتشعب نظام الانتخاب .
وبالاضافة الى عدم رضا المواطن بكل هذا الغموض الذي يفترض أن أغلبية المواطنين هم أساتذة في القانون الدستوري لا يوجد ، كما هو في البلدان المتقدمة الساعية الى الحد من تشتت الأحزاب ، قاعدة تقتضي أنه لا يمكن لأي حزب أن يتحصل على مقاعد في البرلمان الاّ الأحزاب التي أحرزت عددا من أصوات الناخبين يتعدى نسبة مائوية محدودة تتراوح ما بين 3 و 5 % من جميع الأصوات.
وكل هذه التعقيدات والنقائص ستؤدي حتما الى مجلس مشتت مجزء لا يوجد داخله أغلبية منسجمة قادرة على تحمل المسؤولية لمدة وقتية بل مستمرة لعدة سنوات ولا معارضة متحدة تراقب عمل الحكومة وقادرة أيضا على تحمل المسؤولية اذا اقتضى الأمر وأصبح لديها أغلبية داخل المجلس .
وتونس اليوم بعد الثورة ليست بحاجة الى مؤتمر أو ندوة يعبر فيها كل عن آرائه بل الى برلمان مسؤول على مستقبل الأمة وهذه الخطوة الأولى على الطريق الصحيح يلزمها أن تكون ناجعة والا دخلنا في دوامة الكلام دون أفعال والكلام وحده لا يكفي لضمان المستقبل .
ولهذا فان مسؤوليتنا كبيرة جدا لأننا كلنا نريد أن تكون نتيجة الحكم في البلاد لمدة الخمسين سنة المقبلة أحسن وبكثير من نتيجة نصف القرن الماضي منذ الاستقلال ولهذا فمن واجبنا أن لا نعقّد الأمور بل بالعكس أن نبسطها أكثر ما يمكن حتى نشجع المواطنين على المشاركة في الانتخابات تلقائيا والخوف كل الخوف أن تحصل لديهم خيبة أمل كبيرة و يعدلون على التصويت خاصة من طرف ما سمي بالأغلبية الصامتة ولا نستغرب اذن أن يفوز في الانتخابات التنظيمات المتطرفة التي لها امكانات «التجنيد» أكثر من المواطنين غير المتحزبين وهم الأغلبية .
وخلاصة القول واجتنابا لكل هذه الخيبات الممكنة والنتائج غير المرضية يجب استعمال طريقة الانتخاب على الأفراد التي تجري في نطاق دوائر انتخابية محدودة يمثلها نائب واحد بالاسم يمكن بسهولة للمواطن التعرف عليه ودراسة امكاناته وقدرته على تحمل مسؤولية التمثيل والمساهمة في الحكم .
ويقع انتخاب النائب الذي يتحصل على الأغلبية المطلقة في الدورة الأولى (51 % ) أو في الدورة الثانية على أغلبية الأصوات ولا يشارك في الدورة الثانية الا المترشحان الاثنان الفائزان في الدورة الأولى .
وبهذه الصفة تقع الصلة المباشرة الانسانية لا البيروقراطية بين المواطن الناخب والنائب في البرلمان صلة مستمرة لا تلك التي لا تقع الا عند انتخابه أو تجديده كما يقع حتما في طريقة الانتخاب على القائمات ووقع ذلك في الماضي .
هذا ما يقتضيه الوضع اليوم وطريقة الانتخاب تتطور مع تغيير الوضع فاذا أصبح عندنا مثلا في يوم من الأيام حزبان أو ثلاثة أو على الأكثر أربعة يمكن لنا أن نتخذ اعتماد النسبية وطريقة القائمة أو غير ذلك من الأنظمة ولكن في الظرف الحالي الحل المنتظر من عامة الناس هو الاقتراع على الأفراد لأن النسبية والقائمات اليوم مع وجود عشرات الأحزاب ستؤدي حتما الى مجلس برلمان مجزإ ومشتتا بين عدة أحزاب لا يمكن أن يبرز فيه أغلبية قادرة على تحمل أعباء الحكم وندخل هكذا في عدم استقرار نظام الحكم وعدم فاعلية الحكومة وضياع مصالح البلاد من أمن ونهوض اقتصادي وتقدم اجتماعي لأننا سنرى عندئذ عدة حكومات «وقتية» متتالية لا يمكن لها التعمق في المشاكل والعمل المستديم وبعيد المدى .
نرى هكذا أن المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد لها تأثير هام جدا على ما ستكون عليه الأنظمة السياسية والحكومية بعد الانتخابات وما سنتوصل اليه من أنظمة لاجراء الانتخابات هام جدا ويلزمنا أن نتجنب التطرف والتعقيد في تنظيم الانتخابات وهذه مسؤولية كبرى ويلزمنا مراعاة المصلحة العامة لا المصالح الخاصة بالأفراد أو الجماعات أو الأحزاب مع الملاحظة أن الأحزاب لها دور في الاقتراع على الأفراد يتمثل في التمعن جيدا في اختيار مرشحين لهم اشعاع يمكنهم من الفوز .
هذا من جهة ومن جهة أخرى يلزم النظر من قريب إلى ما ستكون عليه نتيجة الانتخابات .
في الوقت الحاضر وعلى الساحة السياسية يوجد أصحاب اليمين وأصحاب اليسار وفيهما اليمين المتطرف واليسار المتطرف ومن الأفضل أن لا يحكم البلاد غدا المتطرفون سواء كانوا من أصحاب اليمين أو من أصحاب اليسار والصواب هو أن يحكم البلاد أصحاب الوسط من يمينه الى يساره حتى يقع الاجماع حولهم ونبتعد عن أهوال التطرف وحتى لا نقع في ما شاهدناه في البلدان القريبة والبعيدة أين وقعت حروب أهلية داخلية تتطلب السنوات الطوال لمحو آثارها .
واذا نظرنا إلى ما هو موجود في الساحة السياسية نجد أنه من الواجب الأكيد والمتأكد أن تسارع اليوم القوى والأحزاب الوسطية الى التجمع والتكتل حول برنامج موحد يجمع بينهم ويعتمدونه أمام المواطنين وتكون الغاية هي الفوز في الانتخابات أولا وابراز أغلبية واضحة في المجلس المنتخب قادرة على تحمل مسؤولية الحكم ثانيا .
ونظرا لهذا التحدي فلا يمكن أن ننظر الاّ الى الأهم ونتجنب الجزئيات والتعقيدات المزاجية ونترك الخلافات التي لا معنى لها ونسعى الى الاتفاق على الأهم كما هو الشأن في البلدان المتقدمة .
نرى هكذا أن اعداد الانتخابات في هذه المرحلة الانتقالية له أهمية كبرى .
وإذا توصلنا قبل الانتخابات الى تكتل واتحاد القوى الوسطية فيكون من المستحسن أن يقع داخل هذه القوى اتفاق مبدئي على نظام الحكم الذي سندافع عنه داخل المجلس التأسيسي وهنا يلزمنا أيضا أن نراعي الوضع الحالي بالبلاد ولا نكتفي بالنظريات أو نستسلم الى التطلعات الشخصية مهما كانت مشروعيتها .
الشيء الواضح اليوم هو أن الشعب التونسي ضاق ذرعا من النظام الرئاسي الذي أصبح سلطويا وقادنا الى نظام فاسد وأوجب الالتجاء مرة الى الانقلاب العسكري ومرة ثانية الى الثورة الشعبية .... ففيه الكفاية .
هذا النظام الرئاسي كان السبب في أغلبية 99,9% وهذه سخرية وكان السبب في كبت الحريات والتجاوزات التي شاهدناها طوال السنين .
ولهذا وحتى من الناحية النفسية بالنسبة الى أغلب الناس في البلاد يجب تغيير النظام لا كما وقع كذبا في 1987 ولكن تغييرا حقيقيا وجريئا ويكون ذلك عن طريق اعتماد النظام البرلماني الذي من شأنه أن يقطع تماما مع النظام السابق بحيث يكون :
٭ رئيس الدولة منتخبا من طرف البرلمان بأغلبية ثلثي أو ثلاثة أرباع الأعضاء ولا يمكنه أن يطغى ويتجبر بدعوى أنه «منتخب من الشعب» ودوره يكون المرجع الثابت والممثل لبقاء الدولة مهما تغيرت الحكومات ومهما تطور الوضع السياسي لأنه لا يساهم في المعركة السياسية اليومية وليس له أعداء وجب عليه اغراؤهم أو متابعتهم أو حتى القضاء عليهم كما نشاهده حولنا وشاهدناه عندنا .
٭ مباشرة الحكم بأيدي الأغلبية ورئيس الوزراء والوزراء المسؤولين السياسيين المتضامنين معه والوزراء في النظام الرئاسي هم عبارة عن أجراء موظفين يسميهم ويقيلهم «الرئيس» وليس عليهم مراقبة أو مساءلة من طرف البرلمان دون موافقة «الرئيس» ولهذا ليس لديهم وجود ونفوذ وشاهدنا الخلافات العميقة طيلة السنوات الأخيرة والتكالب على «الخلافة» لعدم وجود حكومة مسؤولة ومنسجمة .
٭ ليس للحكومة سلطة مطلقة فهي مسؤولة لدى البرلمان الذي يمكنه أن يقيلها في عدم وجود أغلبية مساندة لها وتعيين حكومة غيرها ان أمكنها الحصول على الأغلبية .
٭ في المقابل أيضا ليس للبرلمان سلطة مطلقة لأنه يمكن للحكومة حله اذا تسبب بصفة مستمرة في تعطيل أعمال الحكومة وفي هاته الحالة يقع الالتجاء الى الشعب لفصل النزاع وانتخاب مجلس جديد وتكوين حكومة جديدة .
٭ وفي هذا النظام البرلماني يجب رد الاعتبار الى السلطة القضائية التي استعملت بصفة غير معقولة في نطاق النظام الرئاسي ويجب النظر في عدم امكانية اقالة القضاة (inamovibilité ) ما لم يرتكبوا مخالفات أو جرائم يحاسبون عليها كسائر البشر .
وهكذا نتنفس الصعداء ولا يطغى علينا أحد
وأود أخيرا أن أعبر عن ملاحظات ختامية :
كانت تصريحات الزعيم بورقيبة غداة الاستقلال تنبئ باختيار نظام حكم برلماني اذ صرح يوم 8 أفريل 1956 كرئيس لأول مجلس تأسيسي بأن «العدل والمساواة والتقدم والحرية بالنسبة الى الأفراد والجماعات لا يمكن انشاؤها الا بفضل تفريق السلط وتحديد صلاحياتها ومنها خاصة حرية الرأي والعقيدة التي دفعنا ثمنها غاليا» .
ويضيف يوم 20 مارس 1957 بصفته رئيس الحكومة «بأن الحكم الجائر والقائم على شخص واحد مهما كان عبقريا لا بد أن يعتريه أخطاء وانحرافات وتجاوزات من شأنها أن تؤدي بشعبه وحتى الانسانية الى الطامة الكبرى ... ولهذا فالديمقراطية هي القاعدة الأصلية والشرط الأساسي لانتشار السلم داخل الشعوب وبينها» .
واتبع هكذا «المجاهد الأكبر» اثر الاستقلال ما قاله الكاتب الفرنسي مونتاسكيو (Montesquieu ) (16891755) الذي ألف في منتصف القرن الثامن عشر مسيحي (1746) كتابه الشهير حول «روح القانون» « L'Esprit des Lois » اذ ذكر ما يلي : «كل انسان له سلطة فانه يسعى الى استعمالها دون حدود ويجب أن ترتب الأشياء (أي نظام الحكم والعلاقة بين مختلف السلط) بحيث يمكن لكل من السلط أن توقف الأخرى (أي تمنعها من تجاوز صلاحياتها)».
لقد مرت على هذا الكتاب ما يزيد عن قرنين ونصف وتسعى كل الدول الراقية الى تطبيق هذه المبادئ كل منها حسب معطياتها الخاصة ويمتاز هكذا النظام البرلماني الذي انتشر في تلك الدول بامكانيات التأقلم مع تلك المعطيات .
ويا ليت لو تمكن بطل الاستقلال من تطبيق ما قاله اثر تحرير البلاد عوض أن يغير نظرته ويتخذ نظاما رئاسيا ورئاسويا الذي أصبح عرضة لتقدم البلاد سياسيا ومدنيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا اذا ما قارنا نتائجه بالتقدم الحاصل في البلدان التي كانت في نفس مستوى بلادنا في آخر سنوات 1950 . وعلينا حينئذ أن نتجنب النظام الذي لا يمكنه أن يستقيم مهما كانت خصال من يرغب في انتخابه رئيسا وشاهدنا أن «أفضل التونسيين» دمّره هذا النظام كما قضى على من خلفه بثورة عارمة حيث أنه أصبح لا يطاق .
ومن أنذر فقد أعذر وسبحانه يهدي من خلق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.