بقلم: منصور معلى جاءت الثورة ودخلنا في نظام وقتي للحكم من المفروض أن ينتهي يوم 23 أكتوبر 2011 موعد أول انتخابات حقيقية بعد عديد الانتخابات الصورية التي عاشتها بلادنا. إلا أننا أصبحنا اليوم أمام ضبابية كبيرة جدّا حول الانتخابات وما سينتج عنها. - السؤال الأول الذي يلزم الإجابة عنه: ماذا سننتخب؟ مجلس تأسيسي فقط؟ ومن سيحكم البلاد إذن طيلة مدة وضع الدستور التي يمكن أن تستمر عدة أشهر أو سنوات؟ وظهر بوضوح أن المجلس المنتخب مطالب أيضا طيلة مدة وضع الدستور بأن يشرّع ويضع القوانين بعد الموافقة على المراسيم كما يجب عليه كذلك أن يقوم بتعيين حكومة وقتية ورئيس وقتي... - السؤال الثاني: ماذا سيقع إذا تمت المصادقة على الدستور بعد أشهر أو سنة أو أكثر؟ يقال لنا أنه ستقع عندئذ انتخابات مجلس له كامل السلطة التشريعية والسياسية بتكوين حكومة تكون أخيرا غير وقتية كما سيقع أيضا، إذا اختار الدستور المصادق عليه النظام الرئاسي، تنظيم انتخابات رئاسية. وإضافة إلى الانتخابات الثلاثة المذكورة ستجرى في نفس المدة انتخابات بلدية أو جهوية حسبما سيقره الدستور! ! ويكون لدينا هكذا في ظرف سنتين ثلاث حكومات وقتية دامت الأولى بضعة أسابيع والثانية بضعة أشهر والثالثة سنة أو أكثر أو أقل حسب تطور الأحداث ولن نصل إلى حكومة غير وقتية إلا في أواخر 2012 إذا لم تتعطل الأمور. إذا أربع انتخابات في ظرف بضعة أشهر أو سنة؟ هل تتحمل البلاد كل هذه الحملات الانتخابية نظرا لصعوبة الظرف الحالي وخاصة في الميدان الاقتصادي. اللهم إذا صادق الدستور على نظام برلماني فإننا سنتجنب في الوقت ذاته انتخابات تشريعية جديدة وانتخابات رئاسية ونكتفي بانتخابات 23 أكتوبر وانتخابات محلية. هل يمكن فعلا للحكومات الوقتية والانتقالية أن تواجه مشاكل البلاد التي تتراكم طيلة هته المدة؟ فالحكومات الوقتية غير المنتخبة تصطدم بالتشكيك في شرعيتها ويعاب عليها إذا كانت نشيطة كما تنتقد أيضا إذا لم تكن حازمة؟ أما الانتقالية التي ستوجد مدة وضع الدستور فان كان لها شرعية الانتخاب فلن يكون لها الوقت الكافي لمجابهة المشاكل الأساسية ولربما ستكتفي أيضا بتصريف الأعمال. ولهذا يجب تبسيط الأمور وتوضيحها ورفع الضبابية والقطع مع المؤقت والانتقالي. كيف يكون ذلك؟ يجب أوّلا الاكتفاء بانتخابات 23 أكتوبر لمجلس وطني تكون له الصلاحيات الثلاث: مجلسي دستوري تأسيسي ومجلس تشريعي ومجلس سياسي يكوّن الحكومة غير الوقتية ويراقب سيرها. يقوم هذا المجلس في الوقت ذاته بوضع الدستور الجديد وبوضع القوانين وبتكوين الحكومة وانتخاب رئيس الدولة. وهذه المهمات لا يتعارض بعضها بعضا كما وقع في وضع دستور 1959 الذي دام ثلاث سنوات نظرا للظروف السياسية التي كانت سائدة إذاك ومنها إرساء الدولة، الإجراءات الجديدة المدنية كقانون الأحوال الشخصية والعلاقات مع فرنسا وتشعبها من جراء حرب الجزائر واحتضان تونس للثورة الجزائرية. والظروف اليوم تقتضي بصفة ملحة على أن نستقر وتستقر البلاد معنا والعالم يترقبنا لكي يتعامل مع سلطة مستقرة شرعية وقوية. ولهذا يجب ثانيا أن يقع انتخاب المجلس الوطني لمدة أربع سنوات حتى يتبين للجميع في تونس وخارج تونس أننا خرجنا بلا رجعة من «الوقتي» و»الانتقالي» واجتنبنا انتخابات تشريعية ستجرنا للخوض في مراجعة قانون الانتخابات وما يتبع ذلك من معاناة كما شاهدناه عند وضع قانون انتخابات 23 أكتوبر . لنترك هذا الجدال لوقت لاحق ولا نضيع وقتنا الآن في مثل هذا النقاش. - يعاب على هذا القانون الذي اتخذ النسبية المطلقة مع أكبر البقايا أنه كان السبب في ارتفاع عدد الأحزاب بصفة مذهلة فدمّر سمعة الحزب السياسي الذي يمثل مؤسسة هامة لسير محكم لنظام سياسي ديمقراطي. والواضح أنه كان من المستحسن اتخاذ نظام مبني على الأغلبية والنسبية في آن واحد ومن شأنه أن يوفر إمكانية إبراز أغلبية حكومية ومعارضة يمكنها أن تكون البديل الحكومي إذا فشلت الحكومة الموجودة. - كان من المستحسن أيضا أن يقع وضع قانون الأحزاب قبل قانون الانتخابات حتى لا يكون المجلس المنتخب فسيفساء «mosaïque» لا يوجد فيه أغلبية منسجمة قادرة على تحمل مسؤولية الحكم في الظروف الحالية الصعبة ولكن هذا واقع مرتقب يجب السعي إلى التحكم فيه قدر المستطاع . من الواضح أن تونس لا يمكن حكمها إلا وسطيّا ويجب على كل القوى الوسطية التي لم تتمكن من الاتحاد والتنسيق قبل الانتخابات أن تتحمل مسؤولياتها وأن تجمع كلمتها خاصة أن برامجها متشابهة وأن تعلن قبل 23 أكتوبر على برنامج موحد مقتبس من برامجها وعن عزمها على تكوين حكومة وسطية بعد الانتخابات. - لا يمكن أن يعتبر هذا الاختيار اقصاء لأن الحكم الرشيد يقتضي أن تكون هنالك معارضة جدية موضوعية وقوية تجابه بجدوى وفاعلية السلطة الحاكمة. ويصبح هكذا التداول على الحكم ممكنا لأن كل القوى السياسية لابد لها أن تتوسط يوما ما لأن الحكم غير المتوسط أو المتطرف لا يمكنه أن يعمر طويلا كما شاهدناه في كثير من الأوطان. - لهذا ومن الناحية التطبيقية ولرفع كل الالتباسات فإنه يتعين على الرئيس «المؤقت» أن يتخذ مرسوما يدعو الناخبين للتصويت يوم 23 أكتوبر 2011 بصفة رسمية وقانونية ويوضح لهم مهام المجلس المذكور أعلاه وطول مدة انتخابه ويكونون هكذا على بينة بكل الأمور ويشاركون في الانتخابات بقناعة. يشتكي الكثيرون اليوم من تكاثر الأحزاب وهم لا يعرفون فعلا لمن سيصوتون لهذا يجب على الجبهة الوسطية أن تعلن عن برنامجها كما ذكرناه حتى تتضح الأمور من هذه الناحية ويقع التصويت لفائدة التنظيمات المتحدة داخل هذه الجبهة الوسطية وإلا ستزداد الحيرة عند الناخب التونسي. ويمكن هكذا إصلاح نقائص القانون الانتخابي المشتت للقوى السياسية. - إن توضيح الأمور طيلة الأيام القليلة القادمة أمر حيوي لأننا في حاجة ملحّة إلى وجود حكومة شرعية وسطية ديمقراطية قوية لمجابهة كل المشاكل التي تترقبنا. وهذا التوضيح من شأنه أن ينقذ أول انتخابات صحيحة وجديّة وينقذ الثورة في الوقت ذاته ومسؤولية جميع الأطراف الفاعلة كبيرة جدا وتستدعي مراعاة المصلحة الوطنية قبل المطامع الشخصية.