٭ تونس (الشروق): كتبت فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي ما الذي يحدث في البلاد..؟ من أين بدأت الثورة وإلى أين ستنتهي؟ هل هي ثورة فعلا؟ يستهزئ بعض من يدّعون في السياسة معرفة.. يقولون ذلك، لأن الحرية القصوى لا يمكن أن تستجيب إلى أهدافهم وطموحات أحزابهم التي أقصى ما أمكنها الوصول إليه من جماهيرية، هي تلك المحطّات التي تنادى فيها المناضلون من اليسار والوسط واليمين، عندما تفيض بهم كأس الدكتاتورية، فيلجؤون إلى هؤلاء «الزعماء» وهذه الأحزاب.. التي كانت من المغضوب عليها.. نعم، إنها ثورة على الطريقة التونسية.. فالتونسي ينتظر، ويصبر.. ويكابد.. ويخزّن المآسي والظلم.. لكنه ولما ينتفض، فإنه دونه والحق.. بل دونه وحقوقه إلى آخر رمق.. وقد عبّرت عن ذلك ثورة الغضب التي بدأت منذ الرابع عشر من جانفي.. تنادى التونسيون، كما ذكرنا في الحلقة الماضية من كل حدب وصوب، نحو ساحة القصبة.. اعتصام دام أياما، كانت فيها الساحة ساخنة رغم برد آخر الشتاء.. وأمطار بداية الربيع.. كان الشبان يفترشون الأرض، وقد زيّنوا جدران ساحة القصبة بشعارات تدلل على أن في البلاد ثورة.. وفي نفوس العباد.. نار الثورة.. وفي أفق تونس المنظور والبعيد، سيجني التونسيون ثمار ثورتهم، التي أبوا إلا أن تكون التعبير الصادق على فعل الرفض وفسخ كل ما علق بالبلاد من براثن الدكتاتورية والفساد.. فقد أصر الشعب على أن يحمي ثورته.. بنفسه.. ٭ ٭ ٭ تداخلت الأهداف والشعارات.. تكاثرت الأحزاب.. وبدأت عوض الشرعية، شرعيات تبرز.. إلى حين أخذت وزارة الداخلية على عاتقها (عهد الراجحي) تكليف محام، ليرفع قضية لحل «التجمع الدستوري الديمقراطي».. وكان الأمر كذلك.. لكن القراءة المتأنية في هذا الأمر، تنبئ بأن حلّ هذا الحزب الذي تداخلت هياكله مع الدولة إلى حدّ ابتلعت فيها «الشعب» دواليب الدولة.. وأضحت مؤسسة الدولة، لا تخضع إلى نواميس المؤسسة.. في حين كان الشعب ينوء من كبت الحريات ومن الفقر والبطالة.. بفعل هذا المشهد الذي أردى فيه النظام، الحياة السياسية. واصل الشعب التونسي، بكل يقظة، مراقبته «الفطرية» أي غير المؤسساتية، للحياة العامة بالبلاد.. يضع في الميزان كل فعل سياسي تأتيه الدولة أو الأحزاب. وهنا لا بدّ من التأكيد أنه وإذا وقع حل «حزب التجمّع» سليل حزب الدستور، فإن الأمر أحالنا على نقطتين ملفتتين: الأولى أن حلّ حزب «التجمع» مكّن «الدساترة» من أكثر من حزب.. وبالتالي فإن «كلمة» حلّ لا تجوز من حيث المعنى في هذه الحالة...وأن كل ما يمكن ملاحظته أن في الأمر تقسيما للتجمع أو «الحزب الحاكم» سابقا، الى أحزاب، يحظى كل منها بقانون أساسي وببرنامج...وهذا مطلب ولا يجب أن يفوتنا هذا الأمر أمريكي أولا، إذ أن أول من طالب بداية عصر العولمة والأحادية القطبية بأن لا يسمح بأن تتواصل أحزاب كبرى لها منخرطون يعدون بالملايين هو الطرف الأمريكي...وفي هذا الأمر قصة أخرى ، قد نتناولها في مجالات أخرى... أما النقطة الثانية والملفتة في شأن قرار«حل التجمع» فهي أن ذات القرار ورغم أنه قضائي ويحترم القضاء في كل أحكامه وفتاواه، فإنه كقرار بطلب الحل هو قرار سياسي، لا ينبع من حكومة منتخبة ويأتي قبل الانتخابات (المجلس التأسيسي) وفي هذا أيضا، فائدة «للدساترة» بأنهم سيدخلون الانتخابات حتى وان كانوا كناخبين فقط حسب المرسوم الأخير وقد رتبوا أوراقهم وعرفوا نحو من سيتجهون وفي هذا أيضا منح للتجمعيين لفسحة ترتيب أوراق فيها أمل ما ..باتجاه ما...قد يكون بعيدا عن كل التصورات التي تقد الآن في العلن والخفاء...من مغازلات تقوم بها أحزاب لهذه الكتلة الانتخابية...التي قد تكون هامة.وهنا نلاحظ أن أحزابا سياسية بعينها لا يعنيها من ارادة الشعب سوى ما يمكن أن تجنيه من أصوات يوم الرابع والعشرين من جويلية القادم. ولئن شدد المنظر في العلوم السياسية، «موريس دوفيرجيه (Maurice Duverger) في كتابه« الأحزاب السياسية» الذي أصدره سنة1951 على أنه المهمة الأساسية للأحزاب هي الوصول الى السلطة عكس المنظمات والهيئات التابعة للمجتمع المدني أو النقابي التي تكون مهمتها الضغط في هذا الاتجاه أو ذاك، فإن واقع الحال في العالم وتحديدا في البلدان التي عرفت الكبت الحزبي ، ينبنيء بتعديل ما في «نظرية» «دوفيرجيه» حيث نرى الكل يشتغل بالسياسة...والكل معني بالثورة...والكل يريد أن يتكلم باسم الشعب. لهذا عرفت المنافسة الحزبية ما قبل تشكيل مجلس حماية الثورة الشعبي، جبهة أطلقت عليها الأحزاب المنضوية تحت لوائها : «جبهة 14 جانفي» في ما بدا المشهد السياسي ولا يزال الى اليوم، بعد مرور 100 وثلاثة أيام يزخر بالأحزاب وقد وصل تعدادها الآن في تونس أكثر من خمسين حزبا... رغم هذا لا أحد اليوم قادر على التنبؤ بما سيحصل في المستقبل المنظور، والبلاد تعيش فترة صعبة، هي بالأساس مؤقتة بانتظار إصدار دستور جديد. الحلم...أن يتوافق التونسيون عبر صندوق الاقتراع في الوصول الى حل والكابوس أن تنطلق من رحم الثورة ومن هذا الحراك السياسي دكتاتورية من نوع آخر..قوامها أو شعارها : «الشعب يريد»... بدون أن يكون الشعب يريد فعلا الرداء الذي تسعى قوى عديدة الى الباسه إياه.