السواد الأعظم من الشعب صامت. ليس عجزا ولا خوفا. ولا هو ضرب من سياسة النعام في مجابهة مقتضيات المرحلة. إنه صامت (واللي في القلب في القلب). فهذه الأغلبية الصامتة هي التي ألهاها الواجب الوطني عملا وكدّا وجدّا وإنتاجا عن المغالاة في التظاهر والاعتصام وقطع الطرق وعن تنصيب نفسها ناطقة باسم الشعب وعن الركوب على الثورة والتموقع في الحكم. هذه الأغلبية الصامتة تقف حيرى أمام أسئلة تبيض وتفرخ في العقول السليمة النافذة حول الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثروة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي. هل هي لجنة للاصلاح السياسي كوحدة متماسكة أم هي ورشة للإصلاح الميكانيكي على اعتبار أن محرّك آلة الحكم معطب صدئ مهترئ منذ عقود؟ نعم الصورة تبدو لورشة إصلاح ميكانيكي وهنا يقفز سؤال على أوساخ وسوائل المحرك المعد للاصلاح. هلا يكون هذا الاصلاح بمفاتيح لا تحظى بإجماع «الميكانسيانات» إذ أن بعضهم يراها صالحة للغلق لا للفتح وللضرر لا لإصلاح القطع. فيما يتساءل آخرون عن قطع الغيار الكفيلة بالإصلاح في هذا «الشانطي» المحلول هل هي أصيلة؟ أم مستوردة؟ أم مستعملة؟ أم هي خليط من كل هذا؟ وهنالك من لهم خشية من أن يندس في هذه الورشة طرابلسية جدد يعرضون محركاتهم وقطع غيارهم المستعملة والمهرية لا إلى منزل كامل وإنما إلى ممر مجلس المستشارين حيث ورشة الإصلاح؟ وهنالك من يتساءل هلا يكون المحرك «راس حصان» أي دون هوية إن تم تبديله؟ وهنالك من المتفائلين من هم واثقون من قدرة المصلحين على الإصلاح لمحرك آلة الحكم حتى وإن اختلفوا حول تبديل مساميره وقطع غياره المستعملة والإبقاء على ما هو صالح منها. وكلهم أمل في سلامة الفرامل في منحدرات طرقات التحول الديمقراطي المنشود أما أكثرهم تشاؤما عن حسن أو سوء نية فيزعمون أن آلة الحكم هذه ستكون بعد الإصلاح في هذه الورشة «لا ضو لا فرانات لا زمّارة» وبعضهم يذهب إلى أبعد من ذلك في الخوف من أن تكون هذه الآلة لا تتحرك إلا ب«الدزّان». وبين هؤلاء وأولئك تبقى الأغلبية الصامتة لا هم لها سوى متى يتحرك محرك الحكم في تونس الثورة وينطلق الركب إلى حيث الشعب يريد أولا وأخيرا.