تصدر عن «المسؤولين» العراقيين «الجدد» أحيانا تصريحات يمكن وصفها بالمضحكة.. حد البكاء، لا لأنها صادرة عن مثل أولئك الأشخاص بالصورة التي تمثلت لدى الشارع العراقي والعربي عنهم بل لأنهما «غير مسؤولة»... وركيكة بمعنى انها لا تغيّر من الوضع الراهن شيئا، بما انها جاءت متأخرة جدا. نائب الرئيس العراقي المعين ابراهيم الجعفري صرّح أخيرا بأن الأمريكيين أخطؤوا حين غزوا العراق لا لأن جميع ذرائعهم التي روّجوا لها قبل الغزو كانت باطلة أو لأنهم عجزوا عن العثور على أسلحة الدمار الشامل المزعومة بل لأنهم كانوا يجهلون ما هم مقدمون عليه... وذهب الجعفري حد تشبيه أمريكا «بالفيل الذي جاء الى العراق على آلية حربية» وفسّر هذه الصورة بأن الولاياتالمتحدة لم تكن تملك خبرة في احتلال اي بلد، ثم هي لا تفهم الثقافة العربية ولا عادات الشعب العراقي وخصائصه... هذا الكلام معلوم لدى الجميع ولا حاجة للجعفري كي يلقننا إياه غير أن المؤلم في هذا الكلام على طرافة الصورة التي قدّمها الجعفري هو لماذا صدر الآن بعد فوات الأوان بعد خراب العراق وكل ذلك الدم المراق، تبريرا لكذبة كبرى صارت مفضوحة لدى الجميع؟ لماذا لم يجاهر الجعفري من قبل بجهالة «أصحاب الفيل» اذا كان يعلم أنهم عاجزون عن التصرف ازاء بلد محتل زورا وبهتانا، الآن أدرك الجعفري أن الأمريكيين أخطؤوا اذ قرروا غزو العراق دون التفكير في عواقب ما يفعلون؟ لا شك ان الجعرفي كان يعلم كغيره من المسؤولين في الحكومة العراقية المنصّب أن ما أتاه الأمريكيون منذ فرض الحصار على العراق وتحريك آلة دعايتهم لتشويه صورة النظام فيه، ثم جرّه الى قبول عمليات تفتيش هي أقرب الى التجسس ثم اعلان ان لا خيار لهم سوى اللجوء الى القوة العسكرية أنهم يفعلون ذلك باطلا، لكن عقدة في لسانه كانت تمنعه آنذاك من كشف كيدهم، أو هي غاية في نفسه دنيئة حالت دونه والافصاح عما كانوا يدبّرون، فقد كان من دعاة اسقاط النظام بأي ثمن وإن ظاهر عليه العدو. والثابت أن الجعفري لم يكن يهمه من شأن العراق شيئا حتى يدفع عنه كيد الكائدين هو لن يكون أشد حرصا على العراق من أهل مكّة على الكعبة حين قاد «أبرهة» جحافلة تتقدمها الفيلة لهدمها... لو كان كذلك لاستنفر قومه واستثار حميتهم ودعا أهل وطنه الى مقاتلة الغزاة وصدهم عن عزمهم، لكنه ما كان ليفعل ذلك ونفسه تزين له بسلطان لا يبلى، وملك لا يزول! وانما جاءت تصريحاته الآن على هذا الشكل لتكشف حجم العزلة التي صار يعيشها كغيره من افرازات سلطة الاحتلال وسط شعب أثبت أنه يرفض الاحتلال بكل أشكاله، ولتعكس حالة التململ التي أصابت «المسؤولين» المنصّبين الذين بدؤوا يتجرّعون مرارة الوصاية وصاروا ينشدون استقلالية القرار وما هم بمدركيها حتى يصبحوا أحرارا، ولن يكونوا كذلك حتى يجعلوا من طرد المحتل مهمتهم ويستمدوا من الشعب العراقي مشروعيتهم... وما أبعدهم عن ادراك غايتهم!