تونس (الشروق) من المفترض أن يُنهي اليوم الأحد الاتحاد الديمقراطي الوحدوي مجلسه الوطني الاستثنائي بانتخاب أمين عام جديد وإعلان الموقف من الانتخابات التشريعية والرئاسية كما هو مقرّر في جدول أعماله. وبعيدا عمّا ستتمخّض عنه الصراعات والنقاشات فإن الوضعية التي آل إليها الاتحاد الديمقراطي الوحدوي منذ حوالي السنة تطرح سؤالا هاما حول مدى نجاح «الخيار الوحدوي» في التشكّل بعيدا عن المنازع الخطية وأهواء التيارات والتكتلات. لقد جاء تأسيس الاتحاد الديمقراطي الوحدوي في 26 نوفمبر 1988 في اطار مبادرة لتجميع كل التنظيمات والتيارات القومية على اختلاف رؤاها الايديولوجية وخياراتها التنظيرية وأمكن للحزب أن يجمّع في البداية عدة تلوينات كانت تشكّل جانبا هاما من التيار القومي في تونس وهي أساسا المنحدرة من الخيار الناصري والبعثيين بشقيهما والماركسيين العرب بالاضافة الى عدد كبير من القوميين المستقلين. ولم يشهد الاتحاد الديمقراطي الوحدوي على مدى الست عشرة سنة الفارطة منعرجا حاسماكالذي يحياه هذا اليوم اذ برغم ما عرفه الحزب في تاريخه من صعوبات وخلافات أدّت الى انسحاب اعداد من مناضليه البارزين والذين كان من بينهم عدد من المؤسسين والداعمين بصفة فعلية لإخراج حزب سياسي قومي في تونس الى العلنية وبعيدا عن السرية، برغم ذلك فقد أمكن للحزب الخروج سالما من كل أزماته وواصل التواجد بصفة فاعلة على المشهد السياسي الوطني وتمكّن من تسجيل حضور فاعل خاصة داخل المؤسسة التشريعية حيث كان نوابه طيلة السنوات العشر الأخيرة من المساهمين في تدعيم الدور البرلماني المعارض في مجلس النواب، غير أن حصول الفراغ في الأمانة العامة منذ حوالي السنة قد أدخل الحزب في دوامة لا يعرف أحد الى حدّ الآن كيف سيمكن الخروج منها في ظل حالة التجاذب الموجودة بين قياداته على مستوى المكتب السياسي ومناضليه على مستوى المجلس الوطني حيث اتضح بشكل لا مجال فيه للشك بأن جوهر الصراع على الأمانة العامة قد انبنى على هواجس خطية نابعة أساسا من رغبة أكثر من تيار داخل الحركة في الفوز بالمنصب القيادي واستغلاله لإدارة المعركة وتسيير الشؤون بحسب الأهواء الشخصية و»التيارية» الضيقة.. وهو الأمر الذي أوجد حالة من الرعب والانزعاج بين الكل خوفا من أن تحوز احد التيارات السلطة النافذة في الحزب ومن ثمّ تولّد الخوف في ان توجد رغبة لدى هؤلاء في ممارسة الاقصاء أو التهميش تجاه البقية. تشتّت إن حالة انعدام الثقة الموجودة بين مناضلي الاتحاد الديمقراطي الوحدوي وحالة التشتّت تضع الحزب في منعرج تاريخي حاسم وتطرح بصفة فعلية وعملية مدى قدرة «التيارات القومية» على تحقيق الانسجام والألفة وبناء رؤية حزبية موحدة قادرة على ضمان تواصل نشاط الحزب وتواجده على الساحة. خيار واحد ويضع متابعون لشأن حركات المعارضة التونسية الخيار الانتخابي والديمقراطي خيارا وحيدا للخروج بالحزب المذكور من أزمته الراهنة ويلقى هذا «الخيار» دعما متزايدا من عدد كبير من قياديي الوحدوي ومناضلين غير أنه لا يرقى ليكون محل اجماع على اعتبار تمسّك البعض من النافذين بمسألة الوفاق وضرورة ايجاد بعض المعادلات والحسابات بين كل التيارات لإنهاء الأزمة عبر توفير مصالح ومطامح الجميع وهو الأمر الصّعب في ظلّ حالة الانقسام الحالية. ويتخوّف نفس المتابعين من أن لا يُنهي المجلس الوطني الاستثنائي الذي انطلق أمس ويختتم اليوم أزمة الحزب اذا ما لجأ الأشقاء الفرقاء الى نوع من الوفاق المصلحي وتنازلوا عن الخيار الانتخابي الديمقراطي على اعتبار أن ذلك الحل إن حصل يسؤجل أزمة الحزب دون حلّها النهائي والجذري. ويحمل جزء كبير من أعضاء المكتب السياسي هذا الهم ويعتقدون جازما في تصريحات لهم ل»الشروق» أن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي لن يمكنه مغادرة أزمته إلا عبر النهج الانتخابي والديمقراطي ويرون أن ذ لك هو الباب الوحيد لإذابة كل الخلافات المذهبية وتوحيد الجهود بصفة حقيقية من أجل ايجاد حركة وحدوية تحمل بالاضافة الى هواجسها القومية والعروبية الإيمان بالخيار الديمقراطي سبيلا وحيدا لتسيير دواليب الحزب واجراء كل شؤونه الداخلية منها أو ذات الصلة بالحياة السياسية الوطنية. فأي الاختيارات سينهجها «الوحدويون» للخروج من المأزق وبيان جدارتهم بامتلاك حركة سياسية قادرة على الفعل والبناء والمساهمة في هذه المرحلة الدقيقة من حياة البلاد؟