إذا كان من كلمة على التونسيين العمل على الغائها من القاموس في هذه المرحلة، فهي كلمة الانفلات. الانفلات كلمة تحيلنا رأسا على الانفلات الأمني الذي يصرّ على ملازمة الشارع التونسي... ويصرّ على تأثيث أحاديث الناس في كل مكان لانعكاسه المباشر على الاستقرار الاجتماعي وعلى السير العادي والطبيعي لحياة الناس. لكن الانفلات الأمني هو في نهاية المطاف حلقة أخيرة في سلسلة انفلاتات وجب أن نتنبّه الى ضرورة وقفها واستئصالها اذا أردنا وضع حد لحالة الانفلات الأمني وما تشكله من مخاطر على حياة الناس وعلى أرزاقهم من جهة وعلى استقرار البلاد وانجازات ثورة الكرامة والحرية من جهة أخرى. فلقد بات واضحا ان شرائح هامة من التونسيين تشكو من انفلاتات مختلفة هي في الاصل مفهومة لأنها تحدث في مرحلة انتقالية من نظام شمولي الى نظام ديمقراطي ولأنها تعقب فترة كبت باتت تغذي شهية الحرية المنفلتة من أية حدود او ضوابط.. حرية لا يعبأ ممارسها إن باتت تشكل اعتداء على حرية الآخرين أو شكلت تهديدا لأمن المجموعة ولسلامة مسار التحول السياسي برمته. لكن الآن وبعد قرابة 4 أشهر من انتصار الثورة فإن الضرورة تقتضي ان نلتفت نحو تنقية الأجواء والاتجاه بالثورة الى شاطئ الأمان.. والذي تعتبر انتخابات أعضاء المجلس التأسيسي يوم 24 جويلية القادم الأساس الأمتن والأهم له. هذا الموعد يحيلنا رأسا الى ضرورة تأمين الظروف الملائمة لإنجاحه وفي طليعتها التوافق بين أعضاء الهيئة العليا والحكومة على كل التفاصيل وكذلك توفير الأمن والاستقرار اللازمين لتأمين انتخابات حرّة ونزيهة وديمقراطية وشفافة كما تنص عليه المواصفات الدولية.. وفي هذا الباب فإن المتأمل في الأوضاع وبالأخص في الأيام القليلة الماضية يخرج بانطباع مفاده أن الأمور قد تراجعت وأننا قد نكون نتجّه الى مزيد من الانفلات كما يريده ويخطط له البعض وليس الى مزيد الاستقرار والهدوء كما تريده الأغلبية الساحقة من التونسيين. والمسؤولون على الحكومة وعلى الأحزاب وكبريات منظمات المجتمع المدني مطالبون دون ابطاء للدخول في حوار جدي ونزيه وصريح يفضي الى تشخيص الأوضاع تشخيصا دقيقا والى وضع الوصفات الملائمة والى تحمّل كل الأطراف مسؤولياتها.. فلا يعقل أن نواكب تدهور الاوضاع لمزيد الحوارات المتشنجة ومن التراشق بالتهم والملامة.. لأن الانفلات لن يفرّق في النهاية بين المخطئ والمصيب وبين المذنب والبريء.. الانفلات بتوابعه المرعبة غول سيلتهم الجميع.. وهو يشغل هذا الحراك المنفلت ليطلّ برأسه القبيحة.. فلنعمل على قطعها قبل فوات الأوان.