تونس (الشروق): تضمن الجزء الأول تصور قوى تونس للتوطئة العامة للدستور وتوجهاته وتحديدات مفهومية ومعرفية لهوية التونسيين ننشر اليوم الجزء الثاني والأخير من هذه الوثيقة. 3 في السلط داخل الدولة: يتطلب تثوير نظام الحكم القطع مع الأنظمة التقليدية القائمة على تفريق السلط في المركز وعلى ثنائية التعارض بين الدولة والمجتمع وبين أغلبية تحكم وأقليّة تعارض طبق نظام سياسي مستند إلى تبادل الأدوار وتأبيد أوضاع التأزم السياسي والاجتماعي والاقتصادي ومصالح اقتصادية تقودها طبقة سياسية تقليدية تنفصل كل يوم عن إرادة شعوبها مقابل عروض فرجويّة تدور على ركح الحوارات ومنابر استطلاعات الرأي وغرف برلمانية تدعي التمثيليّة وهي في قطيعة حقيقية مع ناخبيها. وأما الحوكمة التشاركية فتتطلب التداخل والترابط بين ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي ورقابي وإعلامي في عمل الهيئات على المستوى الوطني والجهوي والمحلي والقطاعي المهني، الأمر الذي يسمح بتوسيع نفوذ دائرة الإرادة الشعبية ومشاركتها في إدارة الشأن العام ومراقبة مختلف السلط. لذا نقترح على مواطني ومواطنات تونس اعتماد نظام سلط عمومية يقوم على خمسة مفاصل رئيسية وهي : السلطة التشريعية السلطة التنفيذية السلطة القضائية السلطة الإعلامية السلطة الرقابية 31 في نظام السلطة التشريعية: لا يمكن للحوكمة التشاركيّة أن تتجسد في الواقع إلا إذا اعتبرنا الجهة في مفهومها الجديد(المختلف عن التقسيم الترابي الحالي) الفاعل الأساسي في التجديد الديمقراطي والاجتماعي واعتبرنا التنمية في مفهومها الشامل والدائم تتطلب تداخل فاعلين جدد محترفين وخبراء يتحركون داخل جمعيات وهيئات تنموية متضامنة في ما بينها في شكل روابط مدنية تعمل على تبادل الخبرات والنتائج والدراسات. لذا عليها أن تراعي في إعادة تشكل السلط المبادئ التالية: 311 على المستوى الجهوي الجهة هي المحرك الأساسي للتنمية والفاعل الأساسي في التجديد الديمقراطي والاجتماعي وعليه: تنبعث السلطات في مستوى الجهات على أساس مبدأ الانتخاب العام الحرّ، المباشر والسري وفق نظام اقتراع يسمح بأقصى شروط الترشح والانتخاب الحريّن طبق نظام الاقتراع على الأفراد ووفق نظام دوائر انتخابية أكثر قربا لمواطني الجهات. تتمتع الجهة بسلطة شعبية جهوية تمارس بواسطتها المداولات وتتخذ القرارات وتراقب أداء الإدارة الجهوية والمحلية التي تتألف من الإدارات القطاعية وتنسق بينها وتمارس سلطات واسعة على الإدارة الجهوية في المسائل المتصلة أولا بالتنمية وثانيا بالمرافق العمومية وحفظ الأمن والصحة وتعتبر فضاء وصل بين كافة الهيئات والجمعيات التنموية الناشطة في الجهة ويكون لها سلطة تحديد مناويل التنمية الملائمة لاحتياجاتها وإمكاناتها. 312 على المستوى الوطني: ينبثق عن مجالس الجهات مجلس وطني للجهات يراعي التوازنات الشعبية التنموية وتكون له أحقيّة النظر والمصادقة على ميزانية الدولة وأولويّة النظر والمصادقة على الإعتمادات المخصصة للتنمية. ينتخب الشعب مجلسا شعبيا وطنيا إنتخابا عاما حرّا مباشرا وسريّا (الأفراد) يتولى مسألة التشريع العام كما يتولى الإشراف على البنك المركزي. 32 في نظام السلطة التنفيذية: تنبثق عن المجلس الشعبي الوطني حكومة تتولى تسيير دواليب الدولة وتنفيذ السياسة العامة لها وهي مسؤولة عن أعمالها أمام هذا المجلس. كما ينتخب التونسيون رئيسا للجمهورية ونائبا للرئيس انتخابا عاما، حرّا مباشرا وسرّيا. ويتمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات ضامنة للدستور ولوحدة التونسيين وتمثيلهم خارجيا كما يشرف على القوات المسلحة ويمكن له أن يحل المجلس الشعبي الوطني ويدعو إلى انتخابات سابقة لأوانها كلما تعطل أو استحال تشكيل حكومة من طرف المجلس الشعبي الوطني. يكلف رئيس الجمهورية نائبه بجميع المهام التي يراها مناسبة والمندرجة في إطار صلاحياته. يتولى نائب الرئيس رئاسة الجمهورية عند شغور منصب الرئيس لما تبقى من المدة النيبابية. 33 في نظام السلطة القضائية إن العدل والإنصاف لا يتحققان إلا بإرساء نظام قضائي مستقل وموحد وناجع قادر على تطبيق القانون بين المواطنين وتنفيذ العقوبات ومراقبة التصرف المالي والإداري والسياسي للدولة والمؤسسات العمومية ومعاضدة الهيئات الرقابية لمؤسسات القطاع الخاص. « المرفق العام القضائي يكون مستقلا إداريا وماليا عن بقية سلطات الدولة وهو مرفق موحد بمختلف درجات وأنواع القضاء فيه» 3 4 في نظام السلطة الإعلامية: لا تكون الصحافة مرآة عاكسة للواقع الاجتماعي والسياسي وسلطة رقابية معنوية ما لم تتحرر من قيودها المركزية، وما لم تتجه وتنبثق عن واقع الجهات والبلدات في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ومالم تتمتع بحقها في حرية التعبير دون إقصاء ولا تهميش، ويتعين على الصحافيين تكوين هيئة مستقلة تنظم مهنتهم وتحمي حقوقهم وتراقب الانحرافات وتتخذ القرارات الملزمة، تجاه كل أشكال التلاعب بالرأي العام وإستغلال سلطة المال السياسي أو الخضوع له وذلك عبر ضبط الأشكال القانونية والتنظيمية لمختلف وسائل الإعلام. من ذلك تحديد هيكلة رأس مالها ونسب امتلاكها من قبل الأشخاص المعنويين أو الطبيعيين. وطرق التصرف فيها ومراقبة برامجها بما يمنعها من التلاعب بالرأي العام ومناهضة أهداف الثورة وإحتكار هذه الوسائل بصفة أحادية وتوظيفها لمصلحة أطراف دون أخرى. «لذا فإن الإعلام يكون سلطة فعلية مستقلة بذاتها تديرها هيئات مهنية مستقلة ونافذة تسهر على حسن سير هذا المرفق بمختلف مكوناته ولا سلطة عليها لغير سلطة القضاء عند الاقتضاء» 35 في نظام السلطة الرقابية: نظرا لما للتصرف في الملك والمال العموميين من أهمية وتشعب وما يشهده من تدخل هيئات تنفيذية ومؤسسات ومنشآت مختلفة، فإنه يتعين توحيد جميع الأجهزة الرقابية في سلطة مستقلة بذاتها ماليا وإداريا تتولى البحث والتمحيص والتدخل إما طبق برامج عملها العادية أو كلما طلب منها ذلك سلط محلية أو جهوية أو أفراد أو هيئات مدنية أو أهلية للتثبت في الملفات المحالة عليها. تشرف على عمل هذه السلطة محليا وجهويا ووطنيا هيئة رقابية عامة منبثقة مناصفة عن كل من مجلس الجهات والمجلس الوطني الشعبي لكامل المدة النيابية ولا يمكن عزل أعضائها طيلة هذه المدة. وتتولى هذه السلطة وجوبا نشر تقاريرها وإحالتها إلى مختلف السلط العمومية بالدولة بما في ذلك الهيئة الإعلامية. لذا فإن: «السلطة الرقابية، سلطة مستقلة بذاتها تديرها هيئة تسهر على حسن التصرف في المال والملك العموميين وأسلوب عمل الإدارة وتكريس الشفافية في التعاطي مع المعلومة الإدارية ولا سلطان عليها لغير القضاء عند الاقتضاء»