انتظمت مؤخرا بجربة ندوة علمية تحت عنوان «القضاء واستحقاقات الثورة» بتنظيم من المجلس المحلي لحماية الثورة ولجنة البديل الثقافي بحومة السوق. وحضر لمناقشة موضوع الندوة الأستاذ مختار اليحياوي القاضي وعضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي والأستاذ عبد الستار بن موسى المحامي والعميد السابق للمحامين وهو كذلك عضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي. وكان من المنتظر حضور الأستاذ أحمد الرحموني الذي اعتذر لأسباب مهنية. وفي بداية مداخلته, أوضح الأستاذ مختار اليحياوي مفهوم القضاء المستقل ليقول: «كلمتا استقلال وقضاء في مفهومهما اللغوي لا يحتاجان إلى توضيح كبير لكن في دلالتهما الأساسية لدى المواطن يجب أن يكون معناهما واضحا وهو الحق في العدالة». ويواصل تأكيده على حق المواطن في العدالة قائلا: «المواطن لا يمكنه أن يعيش في وضعية تكفل له كرامته في أي وطن إن لم يكن يتمتع بالحق في العدالة , الحق في العدالة يعني أن يشعر المواطن أنه يعيش في مجتمع تحكمه قوانين واضحة, قوانين محايدة ومؤسسات محايدة وشفافة ولا أقصد بذلك مدينة فاضلة ولكن دولة قانون ومؤسسات , دولة يتساوى فيها الجميع». كما القاضي اليحياوي على أن الحق في العدالة يعني أن يعيش المواطن في مجتمع لا يشعر فيه أنه مضطهد أو أن يمارس عليه أي نوع من التسلط. لكن هل أن هذه العدالة التي تحدث عنها الأستاذ اليحياوي تمت ممارسته في بلادنا ما بعد الثورة أم أن وضع القضاء في تونس لم يتغير؟ القاضي اليحياوي يقول : «كنا ننتظر مع هذا الوضع الجديد الذي شهدته البلاد أن يكون القضاء هو الاستحقاق الأول وهو الملف الأول الذي سيقع تناوله ودرسه من طرف أي سلطة انتقالية, لكن للأسف ولسوء الحظ لم يقع تغيير على مستوى السلطة لذلك لم يتغير شيء بالنسبة إلى التعامل مع القضاء». ويضيف قائلا: «كنا ننتظر أن تكون السلطة خاضعة للقانون وتحترم المؤسسات وأن يحتل القضاء موقعه كسلطة ويتولى مباشرة قضية المحاسبة ويكون الفيصل في تحديد المسؤوليات على الوضع السابق ويعطي الاطمئنان للجميع لكن ما حدث كان عملية مماطلة». ليؤكد عضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي أن الوضعية لم تتغير إذ تمت المحافظة على نفس الوضعية بنفس رموزها وبنفس إمكانياتها وبنفس قواعدها مبرزا أن «الأزمة القائمة حاليا هي أزمة بين القضاء والسلطة التنفيذية». ولقد تحدث القاضي اليحياوي على الطريقة التي تعامل بها القضاء مع قضايا الفساد مشيرا إلى أن تلك الطريقة لم تكن في مستوى ما كان ينتظره الشعب التونسي بل كانت مجرد محاسبة للتسكين وفي هذا الإطار يقول: «إن عملية التعامل مع رموز الفساد والكشف عن قضايا الفساد والتجاوزات كانت تتم بشكل يوحي على أساس تهدئة الخواطر وبعقلية التصبير» ثم يضيف: «إن منهجية المحاسبة هي بالأساس منهجية انتقائية تقوم كما كانت في السابق على العملية الانتقائية وعلى إرادة السلطة السياسية وليس على آليات العمل القضائي الجدي». كما أكد الأستاذ اليحياوي على أن العديد من رموز الفساد في القضاء مازالت موجودة مشيرا إلى أن الانفلات لم يقتصر على الأمن فقط بل شمل كذلك القضاء. وأبرز أن القضاء على الوضع السابق يتطلب محاكمة رموز الفساد ليقول في نفس الإطار: «كنا محكومين من عصابة وتجار مخدرات وسفلة, وما سيعطي للمجتمع الاطمئنان هو محاكمة رموز الفساد بكل تجرد وذلك للقضاء نهائيا على الوضع السابق, لكن ذلك لم يتم حاليا بل هناك إرادة لكي لا يتم ذلك». ليستعرض القاضي اليحياوي بعد ذلك الحلول التي من شأنها أن تعطي للقضاء الوجه الحقيقي ليقول: «لا بد من قيام قضاء مسؤول, قضاء مستقل فالقضاء لن يكون في الوضع الذي نطمح إليه إلا حين يستقل واستقلالية القضاء مؤسسات وخبرة وتقنيات وعلم..». ثم يضيف: «كنا ننتظر من الهيئة العليا أن تهتم في أولوياتها بمسائل هامة مثل القضاء لكن الحكومة الحالية متخوفة من القضاء ولا ترغب في فتح هذا الملف... نحن نواجه ثورة مضادة فهناك من يريد أن تدخل البلاد في حالة من الفوضى ...» ويواصل فيقول «ان السلطة هي سلطة تعطيل الأعمال وليس تسهيل الأعمال والوضع السائد يؤكد ذلك». الأستاذ مختار اليحياوي القاضي وعضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي كان متفائلا في آخر مداخلته مؤكدا أن استقلالية القضاء ستتحقق وأن القضاء الذي يطمح اليه الجميع سيتحقق ويقول: «ستتحقق العدالة لأن تونس تزخر بالطاقات وبالقضاة الشرفاء».