"عار على البشرية".. ملك بلجيكا يندد بالانتهاكات في غزة في تصريحات غير معتادة    بعد الحادث المروري بنيجيريا... المنتخب التونسي لألعاب القوى يعود إلى أرض الوطن    الاهلي المصري يفوز وديا على الملعب التونسي 4-1    الحرب على غزّة في يومها ال 655المحرقة ... تتواصل    أخبار الحكومة    دماؤهم في رقابها: الأنظمة العربية باعت فلسطين بمن فيها    في افتتاح مهرجان المنستير الدولي .. «رحاب الأندلس» يجمع الموروث الموسيقي التونسي والمغربي    مهرجان سليانة الدولي .. بوشناق في الافتتاح والنوبة المعطّرة في الاختتام    الأرض على موعد يومين من أقصر الأيام في تاريخ البشرية!    تاريخ الخيانات السياسية (22) .. حكاية الرشيد وجعفر البرمكي    المدرسة الجاسوسية .. تاريخ غامض وموقع استراتيجي    18 دينارا الزيادة القصوى على المستورد منها .. 246 صنفا من الأدوية وقع تعديل أسعارها    باجة تتصدّر ولايات الجمهورية في تجميع الحبوب بنسبة 23,77%    لحوم الإبل على طاولة المستهلك: اتفاقية لتعزيز الإنتاج والتوزيع    اليوم: القيروان ومجاز الباب تسجلان أعلى درجات حرارة ب47.6 درجة    راغب علامة ممنوع من الغناء في مصر ومُستدعى للتحقيق    عاجل: الستاغ توضح: انقطاع الكهرباء إجراء استباقي تفاديا لخطر انهيار الشبكة    عاجل: كان مقررا يومي 23 و24 جويلية: تأجيل إضراب أعوان ديوان الحبوب    تراجع صادرات منتوجات الصيد البحري وتربية الاحياء المائية خلال شهر ماي 2025    تونس ترحب باتفاق الدوحة لحل نزاع الكونغو الديمقراطية سلميًا    تونس ترحب بتوقيع حكومة الكونغو وحركة 23 مارس على إعلان مبائ لوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات    راغب علامة ممنوع من الغناء في مصر    أمام البرلمان .. مقترح قانون أساسي يتعلق بحماية المعطيات الشخصية    هيئة السلامة الصحية للمنتجات الغذائية تدعو إلى إحترام شروط السلامة الصحية لدى خزن وعرض المياه المعلبة    انطلاق فعاليات الدورة 15 لمعرض الصناعات التقليدية بطبرقة    البرلمان يصادق على غلق ميزانية الدولة لسنة 2021    عزيز الجبالي يقدم مسرحية "بينومي s+1" في ثالث سهرات مهرجان قرطاج الدولي    اتحاد بن قردان يتعاقد مع الحارس لسعد الهمامي ولاعب الرواق فادي الفالحي لمدة موسمين    إعفاء كاتب عام هذه البلدية من مهامه.. #خبر_عاجل    وزارة التربية تفتح باب التسجيل لنقل تلاميذ الإعداديات النموذجية    عاجل/ مصرع أم وإبنتها في حادث مرور بهذه الجهة    مجلس هيئة الانتخابات يصادق على النتائج الاولية للدورة الثانية للتشريعية الجزئية بدائرة بنزرت الشمالية ويأذن بنشرها    رياض الفهري يقدّم عرضه "بساط أحمر 2" في ثاني سهرات مهرجان قرطاج الدولي    السيطرة على حريق بمحول محطة ضخّ المياه الخام بمنوبة    مباراة ودية: التعادل يحسم مواجهة النادي الصفاقسي والنادي المصري    البطولة الافريقية لألعاب القوى: محمد خليل الفتوحي يرفع حصيلة تونس إلى 11 ميدالية    عاجل/ حريق بالمحول الكهربائي المركزي في محطة ضخ المياه بغدير القلة    النائب سيرين مرابط تتراجع عن الاستقالة وتكشف.. #خبر_عاجل    غزة: استشهاد 18 فلسطينيّا جوعا خلال 24 ساعة    جندوبة: 10 سهرات خلال مهرجان بلاريجيا الدولي والقضية الفلسطينية حاضرة في البال    طقس اليوم: الحرارة مرتفعة تصل الى 48 درجة بهذه الولاية    تراجع نسبي في الحرارة بداية من الغد.. وعودة لموجة الحر في هذا الموعد    بعد فقدان الإتّصال بها.. العثور على جثة مذيعة تركية داخل شقتها    لاعب النادي الإفريقي سابقا يخوض تجربة تدريبية جديدة    عاجل: طاقة الاستيعاب للشعب الجامعية ستنشر في هذا التاريخ عبر هذا الرابط    الشقيقة وأنواعها: شنوّا لازم يعرفه التونسي عن هذا الصداع النصفي؟    من غير ما تحسّ: تليفون صغيرك قاعد يدمّرلو في مخو..كيفاش؟    السخانة اليوم بقوّة: ولايات كاملة فوق ال40..تعرف على درجة الحرارة حسب كل ولاية    السجن لفتاة عشرينية تحيّلت على أصحاب شهائد عليا واوهمتهم بتشغيلهم..وهذه التفاصيل..    آخر مستجدات الحريق الضخم الذي اندلع بمعمل فريب في زغوان..#خبر_عاجل    عاجل/ خطوة "سريعة" من زوجة الرئيس التنفيذي "الخائن" بعد الفضيحة..وهذا ما فعلته..    عاجل/ مع تغير الطقس: وزارة الصحة تحذر المواطنين من امكانية الاصابة بأمراض فيروسية وتنصح..    عاجل: ما ينتظر التونسيين هذا الأسبوع..حرارة مرتفعة أجور تنتظر وعطلة قادمة    عاجل: أسعار والمواعيد لشراء اشتراكات النادي الافريقي لموسم 2025-2026    دورة تورونتو للتنس : انسحاب يانيك سينر ونوفاك ديوكوفيتش وكارلوس الكاراز    فجر الإثنين... مثلث سماوي ساحر يُرى بالعين المجردة من الوطن العربي    معدلات إنتاج النفط الخام    صفاقس : الدورة الثلاثون لمهرجان عروس البحر بجزيرة قرقنة من 25 جويلية إلى 7 أوت القادم    









تسليم المجرمين (1)
نشر في الشروق يوم 20 - 05 - 2011

بقلم : الأستاذ محسن الفنايتي (حقوقي القيروان)
لقد طفا على السطح أخيرا موضوع هام وأثار اهتمام الكافة نظرا لارتباطه بأحداث الساعة بعد فرار الرئيس زين العابدين بن علي ألا وهو موضوع « تسليم المجرمين» ورأيت من جانبي التطرق إلى هذا الموضوع عسى أن يكون فيه فائدة لمن يرغب في ذلك، مع احترامي لكل من لقنني شيئا من المعارف.
يبدو التعاون بين الدول واضحا في مؤسسة الاسترداد أو تسليم المجرمين لإيمانهم بأن الجريمة لم تعد حكرا على بلد دون آخر وأن المجرم في بلد لن يكون خلاف ذلك في بلد آخر فتنازلت الدول على ما كان يعرف بعدم التدخل في الشؤون الداخلية في هذا المجال.
فواكب علماء القانون الجزائي والدولي هذه الظاهرة واقروا مبادئ عامة لتفادي هذه المخاطر تنظيم التعاون الدولية في مكافحة الإجرام لإيمانهم بضرورة تدويل التتبع والعقاب للتصدي إلى المخاطر الإجرامية التي أصبحت تتجاوز نطاق الدولة الواحدة إلى دول متعددة أو المجتمع الدولي بأسره، وقد ساهم في الاهتمام بهذا الموضوع عوامل كثيرة من بينها انبعاث الحقوق الرومانية التي ساهمت في تنظيم علاقات المجتمعات المختلفة فأقرت بأن صلاحية المحاكمة والعقاب يمكن أن تختص بها محكمتان مختلفتان: محكمة مكان وقوع الجرم ومحكمة مكان المجرم.
ونتج عن هذا النص المفصلي نتيجتان الأولى : منح صاحب السلطان في المكان الذي لجأ إليه المجرم الهارب حق محاكمته وأن كان هذا قد ارتكب جريمته خارج منطقة الإقليم الخاضع لصحاب ذلك السلطان . أما الثانية أن التشريع الروماني قد اقر بأفضلية قاضي موقع الجرم بوصفه القاضي الطبيعي وبالتالي له أن يطلب عند الاقتضاء إعادة المجرم إليه من السلطة التي ألقت عليه القبض أو التي لجأ إليها، ولكن هل تجبر التي لجأ إليها المجرم الفار على تسليمه إذا كانت جريمته تبيح الاسترداد وبعبارة أخرى هل التسليم إجباري أم اختياري فتسليم المجرمين تنظمه في الدرجة الأولى المعاهدات بين الدول ثم القوانين الداخلية وبالتالي يكون التسليم إجباري في هذه الحالة إما اذا لم تكن الجريمة مذكورة في صلب المعاهدة أو الاتفاق. فلا يعني ذلك أن التسليم ممنوع بل لها ذلك.
أما إذا كانت أحكام التسليم لا ترتكز بين الدولتين إلى نصوص معاهدة أو أحكام اتفاق دولي فإن التسليم اختياري فيمكن تلبية الطلب على شرط المعاملة بالمثل.
ولكن ماهي الطبيعة القانونية أو الماهية الحقوقية لمؤسسة تسليم المجرمين هل التسليم عمل من أعمال القضاء أم أنه عمل من أعمال السيادة؟.
لعل من الصعوبة بمكان كبير أن نحدد بحسم مطلق ذلك أنه اذا كان المقصود من تعبير التسليم عمل من أعمال السيادة أن السلطة التنفيذية تتصرف في البت في شؤون التسليم على هواها دون ضابط ولا حسيب ولا رقيب، وإنها لا تخضع في ذلك لأية قاعدة من القواعد الحقوقية.
والواقع أن هذه مسألة من مسائل الشرائع الوطنية، فالسلطة التشريعية هي التي تدخل هذه المسألة الحقوقية أو تلك في صنف الأعمال الإدارية أو في صنف الأعمال القضائية.
والحقيقة أن مؤسسة المجرمين قد عرفت في تطورها مراحل ثلاث:
المرحلة الأولى المرحلة التعاقدية: وفيها تعمد حكومتان إلى عقد اتفاق بينهما يقضي بتسليم كل منهما الأخرى المجرمين الذين يلجؤون إلى أراضيها تأمينا لمصالحها المتبادلة ولم يكن هذا التعامل القديم ليتناول غير المجرمين السياسيين، فكان وسيلة من وسائل التعاون والتضامن بين الملوك والأمراء بغية القبض على اعدائهم وخصومهم والانتقام منهم والفتك بهم وبقي الأمر على هذا المنوال حتى أذنت شمس القرن السابع عشر بالمغيب فامتد التسليم إلى مرتكبي الجرائم العادية، وأصبحت الاتفاقات الدولية القضائية لا تتجلى في هذا المجال في بنود المعاهدات وإحكامها العامة فحسب، وإنما كثيرا ما كان يقع التسليم نتيجة قرار فردي يرتبط في أغلب الأحيان ببيان تتعهد فيه الدولة طالبة التسليم بالمعاملة بالمثل.
المرحلة الثانية المرحلة التشريعية: ثم خطت مؤسسة التسليم خطوة تقدمية ملحوظة عندما عمدت بعض الدول إلى اصدار قوانين وتشريعات داخلية تنظم بمقتضاها التسليم وتحدد قواعده وشروطه واجراءاته واثاره.
وهكذا خرجت مؤسسة التسليم من مرحلة الهوى والاعتباط وعدم السير على وتيرة واحدة حيال الدول ودخلت مرحلة الضبط القانوني والوضوح ووحدة الخطة والعمل. وفضلا على ذلك ، فإن سن تشريع داخلي لتحديد قواعد التسليم لابد وأن يحتوي على ضمانات تدفع عن الأفراد المطلوب تسليمهم تعسف السلطة واضطهادها وتقيم دعائم رقابة قضائية تنحو بإجراءات التسليم في علاقة الفرد بالدولة من جهة، وعلاقات الدول بعضها ببعض في هذا المضمار من جهة ثانية على أسس راسخة صريحة موحدة من الحق والعدالة والمساواة.
المرحلة الثالثة: بيد أن تطور مؤسسة التسليم لن يقف عند حد المرحلة التشريعية، ولن ينقطع عنه نسخ النمو والحياة بمجرد اصدار قوانين داخلية تنظم قواعده وتوحدها، لأن التسليم ليس علاقة بين الفرد والدولة في الإطار الداخلي فحسب ولكنه أيضا وبالدرجة الأولى علاقة بين دولة وأخرى ،قد يتنازع طلب التسليم دولتان أو أكثر، ولذا فان الاتفاقات القضائية والمعاهدات الدولية تظل تؤثر في أحكام القوانين الداخلية في موضوع تسليم المجرمين فتبدلها أو تعدلها أو تلغيها، هذا فضلا عن أن اختلاف التشريعات الوضعية الخاصة بالتسليم يؤدي حتما إلى اختلاف المعاملة بين دولة وأخرى، وبالتالي إلى اختلاف مصير الشخص المطلوب تسليمه، فلا مندوحة اذن حتى تبلغ مؤسسة التسليم ذروة تطورها من أن توحد احكامها وقواعدها في جميع الدول، ولن يتم ذلك إلا بعقد معاهدة دولية عامة لتسليم المجرمين تشترك فيها الدول، وتعدل قوانينها الوضعية المختلفة وفاقا لها وهذه هي المرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل تطور مؤسسة التسليم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.