... رغم أن أشهرا تفصلنا عن موعد المؤتمر الوطني القادم للاتحاد العام التونسي للشغل والذي يعد أكبر تظاهرة نقابية تعيشها تونس كل خمس سنوات إلا أن المنظمة النقابية تعيش تحت وطأة التجاذبات الانتخابية الشديدة. فهذه هي المرة الاولى التي يتم فيها تطبيق الفصل العاشر الخاص بتحديد المدّة النقابية وهو الفصل الذي تم اقراره في مؤتمر جربة الاستثنائي الذي انعقد سنة 2002 وكان المؤتمر الذي شهد بعد سنوات طويلة انتخاب الأمين العام بالاقتراع السري قاطعا مع مؤتمرات الكرم سيئة السمعة التي كان يُنتخب فيها الامين العام من داخل قاعة المؤتمر وباعتماد «التصفيق المباشر» وليس الاقتراع السري... في ديسمبر القادم سيكون الاتحاد العام التونسي للشغل أول منظمة وطنية تعتمد مبدأ التداول على القيادة وفقا للقانون حيث سيعرف المؤتمر مغادرة عبد السلام جراد ومعه سبعة من الأعضاء (بعد أن غادر محمد الطرابلسي المسؤولية النقابية ليتحمل مسؤولية دولية) وهذا الأمر يُحسب لفائدة مسيرة التصحيح التي قادها جراد قبل وبعد مؤتمر جربة التاريخي. لكن قد يخطئ من يعتقد أن مغادرة كل هذا العدد للمسؤولية النقابية قد يجعل الحسابات الانتخابية غير معقدة... فطبيعة المنظمة النقابية تجعل تلك الحسابات متداخلة ومتشابكة الى حد عدم الفهم. فالاتحاد العام التونسي للشغل منظمة تضم أكثر من ثلاثة آلاف هيكل نقابي وحوالي 50 ألف مسؤول نقابي ومئات الآلاف من المنخرطين. وتملك المنظمة أيضا رصيدا وثقلا اجتماعيا وتاريخيا وسياسيا رهيبا وكانت منذ تأسيسها في أربعينات القرن الماضي صاحبة دور وطني هام في حركة التحرر وفي بناء الدولة المستقلة واليوم لا ينكر أحد أن الاتحاد العام التونسي للشغل كان أحد العناصر المهمة والمؤثرة في ثورة الشعب وكان في سيدي بوزيد وفي القصرين وفي مدن الداخل حاضنا لها وراعيا لصانعيها ولرموزها. الوداع سيقف النقابيون في مؤتمر ديسمبر القادم ولأول مرة لتوديع الأمين العام عبد السلام جراد ومعه عدد من أعضاء المكتب التنفيذي الوطني الذين شكلوا على مدى سنوات طويلة جزء مهم من المشهد النقابي... لكن المؤتمر مُطالب بانتخاب قيادة جديدة في مرحلة مهمة ودقيقة ويصعب الآن تحديد خارطة التحالفات الانتخابية داخل المؤتمر بدقة لكن الأكيد أن المشاورات والاتصالات قد انطلقت وتستعد بعض المجموعات الى الكشف في الأسابيع القادمة عن بعض تفاصيل وخيوط اللعبة. وفي كل الحالات فإن التحالفات الانتخابية لن تكون بعيدة عن منطق التمثيل الجهوي في الوقت الذي ترتفع فيه بعض الأصوات للمطالبة بالانخراط في عملية تشبيب تنطلق بالمكتب التنفيذي الوطني لتشمل كل الهياكل الوسطى من جامعات ونقابات عامة. فعملية التمثيل الجهوي تبدو واقعا حتميا داخل الاتحاد العام التونسي للشغل فهناك جهات لها تمثيل انتخابي بلغ حدّ الشرعية التاريخية وهي أساسا جهات صفاقس وقفصة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخلو التجاذبات الانتخابية للمؤتمر من هذا العامل الجهوي. وغير خاف الآن أن القطاعات النقابية وأساسا القطاعات المؤثرة وذات الثقل الانتخابي الكبير داخل الاتحاد ستسعى بقوة الى فرض وجودها في مؤتمر سيكون محطة فارقة في تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل. وبعيدا عن التجاذبات الانتخابية الحادة التي تمرّ بها الآن المنظّمة النقابية فإن القيادة الجديدة للاتحاد ستكون أمام مهمة صعبة للغاية باعتبار الظروف والتحولات الجديدة التي يعرفها العمل النقابي وتعرفها تونس. لكن في كل الاحوال فإن تأثير التعددية النقابية لا يزال ضعيفا في الساحة الان بحكم الكثير من العناصر والعوامل والتفاعلات وأيضا بحكم عوامل ذاتية وداخلية تهم التجربة نفسها.