تعيش الساحة النقابية منذ فترة، على وقع المؤتمر الحادي والعشرين لاتحاد الشغل الذي تقرّر تنظيمه في ديسمبر من العام الجاري.. وعلى الرغم من الأسابيع التي تفصل النقابيين عن موعد تقديم الترشّحات، التي تسبق المؤتمر بنحو أسبوعين تقريبا، فإنّ ذلك لم يمنع الساحة النقابية من أن تصبح أشبه شيء ببورصة للقوائم الانتخابية، التي يجري حاليا الترتيب لها بوتيرة هادئة وأيضا، وسط توقّعات بحصول مفاجآت سواء في مستوى تشكيل القوائم، أو على صعيد التحالفات الممكنة. على أنّ الحديث عن القوائم الانتخابية والتحالفات، يرتبط بالكتل النقابية التي يتشكّل منها المشهد النقابي، وهي التي ستلعب دورا مهمّا في صياغة كل قائمة.. كتل نقابية وحسب عديد العارفين بالمشهد النقابي، فانّ ثمّة أربع كتل رئيسية، ستحدّد بشكل أو بآخر حجم الترشّحات ونسب نجاح كل قائمة أو ....... أي تحالف.. فهناك أغلبية صلب المؤتمر، توصف ب «الأغلبية الرسمية» وهي تتشكّل من جهات بنزرت وباجة وسليانة والمنستير والقصرين ومنوبة ومدنين ونابل.. وتعد هذه المجموعة، الأبرز بين الكتل المتبقية، حيث من الصعب على أي مرشّح (أو مجموعة مرشّحين) القفز عليها، بالنظر إلى ثقلها الانتخابي، إذ تمثّل معظم المقاعد النيابية في المؤتمر، فليس بإمكان أي تحالف، أن يقام من دون الدخول في «علاقة ما» بهذه المجموعة.. وثمّة مجموعة ثانية يسمّيها النقابيون، ب «اللوبي»، وهي تتألّف من جهات تونس واريانة وسوسة وقابس وتوزر وقبلي تطاوين.. ولا تقل هذه المجموعة أهمّية عن «الأغلبية الرسميّة» من حيث توفّرها على تأثير انتخابي، أدرك الراغبون في الترشّح للمكتب التنفيذي القادم، أهمّيته ودوره في نجاح أو فشل أي قائمة.. أمّا المجموعة الثالثة، فهي توصف في الأوساط النقابية ب «مجموعة الاحتجاج»، أو «المعارضة» للقيادة النقابية الراهنة.. وحسب المعلومات المتوفّرة لدينا، فان هذه المجموعة التي تتّسع لما بين 90 و 100 نيابة في المؤتمر، تشمل النقابيين ذوي الميولات القومية والبعثية وبعض فلول اليسار والشيوعيين.. ويرى مراقبون للساحة النقابية، أنّ هذه المجموعة، محدّدة إلى درجة كبيرة لصعود بعض الأسماء اليسارية من عدمها، بل هي محدّدة للبوصلة الانتخابية، خاصّة إذا ما امتدّت إليها أيدي التحالف، واتّسعت دائرة الغاضبين الذين سيكبر عددهم في علاقة تشكّل «قائمة الأمين العام» واتّجاهاتها.. فيم تتألّف الكتلة النقابية الرابعة، من مجموعة من اليساريين «المستقلّين»، والذين ينحدرون من جهات المهدية والقيروان وجندوبة. وعلى الرّغم من التأثير الأضعف لهذه المجموعة على اتّجاهات الأمور الانتخابية في المؤتمر قياسا ببقية المجموعات، فانّ ذلك لا يقلّل من الدور الانتخابي لهذه المجموعة، خصوصا إذا ما اتّجهت «رياح» التحالفات باتّجاهها.. وحسب عديد المتتبّعين للشأن النقابي، فإنّ القوائم الانتخابية والتحالفات، ستتحرّك بين «أروقة» هذه الكتل، التي سيكون بعضها «الرقم/المفتاح» في تحديد تشكيلة المكتب التنفيذي القادم للمنظمة النقابية.. فكيف تلوح السيناريوهات الانتخابية الممكنة؟ وما هو عدد القوائم المتاح تشكيلها؟ وأي تحالفات يمكن توقّعها للمؤتمر الحادي والعشرين لاتحاد الشغل؟ بانوراما القائمات.. في ضوء هذه الرقعة النقابية الواسعة، تتحدّث أوساط من داخل اتحاد الشغل عن إمكانية تشكيل قائمات عديدة، بعضها سيكون بشكل منفرد، فيما ستتقدّم الأخرى ضمن سياق تحالفي مختلف.. ولاشكّ أنّ في مقدمة هذه القائمات، «قائمة الأمين العام» كما درج النقابيون على تسميتها منذ سنوات عديدة.. ولا يختلف اثنان صلب اتحاد الشغل، علي أنّ الأمين العام للمنظمة الشغيلة، السيد عبد السلام جراد، قادر على تشكيل قائمة تراعي التوازنات الجهوية والحساسيات الفكرية الموجودة داخل المنظمة، بما يمكن أن يجعل منها قائمة أقرب للوفاق، وبالتالي ضامنة للنجاح في المؤتمر.. غير أنّ بعض النقابيين يستبعدون إمكانية تشكيل قائمة بهذه الخلفية، على أساس اتّساع دائرة المعارضة لتيّار جراد صلب الاتحاد، هي معارضة موزّعة على جميع الكتل التي أشرنا إليها، وان بنسب مختلفة.. وعلى الرّغم من هذا التحفّظ الذي يسوقه بعض النقابيين، إلاّ أنّ البعض الآخر، لا يستبعد إمكانية تشكيل الأمين العام قائمة، يتوقّع أن تعرف مغادرة بعض الأسماء، على غرار السيد منصف اليعقوبي وناجي مسعود (الذي يتوقّع أن يعيّن على رأس أحد الاتحادات النقابية الإقليمية)، ورضا بوزريبة وعبد النور المداحي، فيما يتم الاحتفاظ ببقية أعضاء المكتب التنفيذي الحاليين، إضافة إلى السيد بلقاسم العياري (في سياق استقطاب أصوات الشمال الغربي)، وسعيد يوسف (كبديل عن السيد الحبيب بسباس، وذلك لضمان تمثيل جهة الساحل). لكن أوساط نقابية، ترى أنّ قائمة من هذا القبيل، تحمل في أحشائها، بذور فشلها، على اعتبار أنّ استبعاد عبد النور المداحي على سبيل المثال سيحرّك مجموعة السيد علي رمضان التي لا ترى مكتبا تنفيذيا من دون الثنائي رمضان المداحي، ولذلك يتوقّع محلّلون، ألاّ يقفز جراد على المداحي، رغم كل ما تردّد في بعض الكواليس النقابية، عن رغبة الأمين العام، التخلّي عن عبد النور المداحي.. كما يستبعد هؤلاء المحلّلين إمكانية تخلّي السيد عبد السلام جراد عن علي رمضان، ويرجّحون في هذا السياق، تحالف الرجلين، على خلفية بعض الأسماء المحدّدة.. فيما يعتقد آخرون، أنّ تحالف جراد رمضان، سيؤدّي إلى تحريك كتلتين اثنتين هما: الكتلة الرسمية واللوبي النقابي، بما يجعل اتجاه جراد نحو هذا التحالف أمرا مستبعدا.. على أنّ بعض المتتبّعين للشأن النقابي، يرون أنّ مراعاة السيد عبد السلام جراد على التوازنات عند إعداد القائمة، هو السبيل لإنجاح المؤتمر، وهذا ما يفترض وجود بعض الأسماء صلب «قائمة الأمين العام»، في مقدّمتها، عبد السلام جراد وعلي رمضان والهادي الغضباني وسليمان الماجدي، والحبيب بسباس وعبد النور المداحي، على اعتبار أنّ هؤلاء يمثّلون كتلا نقابية ذات ثقل انتخابي مهم، فضلا عن تمثيليتهم الجهوية والقطاعية والنقابية.. ولا يتردّد عديد النقابيين في القول بأنّ وجود السيد الحبيب بسباس ضمن قائمة الأمين العام، أو من خلال تحالف بين الإثنين، سيخفّف على السيد جراد من وطأة المعارضة النقابية، ويتم تسويق المؤتمر بأخف «الأضرار النقابية»، لكن البعض، يرون أنّ هذا التحليل مبالغ فيه شيئا ما.. تحالفات ممكنة وفيما تستبعد بعض الأوساط، دخول الأمين العام ضمن قائمة منفردة، على أساس أنّ ذلك يفتح المؤتمر على المجهول، باعتبار انفتاح امكانات التحالف على احتمالات عديدة، يتوقّع آخرون إمكانية تشكيل السيد علي رمضان قائمة «احتجاجية»، ربّما كان من أبرز أسمائها، السادة عبد النور المداحي والحبيب بسباس وعبد الستار النصري والمولدي الجندوبي والمنصوري (المهدية) والعباسي (القيروان) وكمال سعد (السياحة)، وهي القائمة التي ستثير ضجّة لا مثيل لها صلب المؤتمر، بما ستفتحه من تحالفات عديدة ومختلفة.. ويبقى دخول السيد علي رمضان، بترشّح منفرد للمؤتمر أمرا واردا جدّا، على غرار ما فعل في مؤتمرات سوسة 1989، والكرم 1994 وجربة في العام 2002... ودائما مع الاحتمالات الممكنة ضمن دائرة القوائم والتحالفات، لا تستبعد بعض الأوساط إمكانية ترأس السيد الحبيب بسباس لقائمة، لا تبدو واضحة المعالم في الوقت الراهن، لكن شخوصها معلومة لدى قسم من النقابيين، حيث من المتوقّع أن تشمل السادة زهير العيدودي والحبيب الطريفي والمنصف الزاهي وبلقاسم الجمني والمنجي عبد الرحيم، وهي أسماء لها دورها وإشعاعها القطاعي والجهوي.. ومهما يكن من أمر، فانّ هذه القوائم «المفترضة» والتحالفات الممكن حصولها، تبقى ضمن دائرة السيناريوهات، التي سيتلاشى بعضها مع اقتراب أيّام المؤتمر. صالح عطية