في قلب مدينة حمام الأنف وعلى بعد بضعة أمتار من مقر بلدية المكان تعيش حوالي 270 عائلة في ظروف جد قاسية، ترزح تحت خط الفقر، لا يرتقي دخلها الشهري الى مستوى العيش الكريم في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم توازنها مع تنامي الحاجات الاستهلاكية للمواطن وقدرته الشرائية. لقد بدا ذلك واضحاً وجليا من خلال الزيارة الميدانية التي قمنا بها الى مقر اقامتهم بالقصر الحسيني أوقصر الباي كما يسميه سكان مدينة حمام الأنف فمنذ الوهلة الأولى تبدو لك صور الفقر والمعاناة ومكابدة آلام الظلم والحرمان والتهميش حتى أن كافة هذه الأسر التونسية تعيش أوضاعا مأساوية لم تشهدها بعض المناطق الأخرى. فالمشكل الأساسي كما يبينه لنا السيد البشير السليماني أحد متساكني القصر هو قديم جديد حيث أنه في سنة 1979 تم استغلال هذا المقر من طرف عائلات تونسية فقيرة وفي سنة 1986 برمجت الدولة بناء بعض المساكن بحي الكعبي بمدينة برج السدرية ضمن مشروع التنمية الريفية وفعلا تم توزيعها حسب مقاييس ضبطت من قبل السلط الجهوية والمحلية وقد حرم البشير من الحصول على احدى هذه المساكن كغيره من الأجوار مما أجبره على العودة لاقتحام المقر للمرة الثانية وفي سنة 2008 حصلت هذه العائلات على وعود تتمثل في توزيع عدة مساكن أخرى ضمن برنامج الصندوق الوطني للتضامن 26-26 وببناء هذه المساكن بحي خالد بن الوليد بحمام الأنف تم اخلاء قصر الباي من السكان باستخدام القوة العامة، السيد ابراهيم السعايدي أفادنا بأن المساكن وزعت في العهد البائد من طرف السلط حسب علاقات مشبوهة فاضطر الى اللجوء في البداية للسكن في مستودع حضيرة الى حين انبلاج فجر ثورة 14 جانفي حيث اقتحم من جديد هذا القصر مع مجموعة كبيرة من أجواره وهو يناشد الآن كافة الجهات المعنية وعلى رأسهم السيد والي بن عروس لزيارتهم والتعرف عن كثب عن الوضعية المزرية التي يعيشونها أما السيد محمد علي السايح أب لطفلين منقطعين عن الدراسة بسبب الاحتياج، وسام 10 سنوات وفتحي 12 سنة وقع اخراجه بالقوة العامة مثل جيرانه ليعود للمرة الثالثة الى القصر بعد أن ركز شبه خيمة فوق سطح احدى العمارات أما عن ظروف الاقامة فهي مزرية فكل عائلة تحتل غرفة وحيدة جدرانها متصدعة لا تستجيب لأبسط ظروف العيش الكريم والمقر كان يفتقر للماء والكهرباء وقد اعتمد السكان طرقا غير شرعية لربط المقر بالكهرباء انطلاقا من عمود كهربائي خارجي تابع لبلدية حمام الأنف وأما الماء فقد تم جلبه من حمام سيدي بوريقة المجاور للقصر، علما وأن القصر الحسيني بمدينة حمام الأنف هو عبارة عن بناية ضخمة أسندت ظهرها الى جبل بوقرنين الغني بمياهه المعدنية الصافية وولت وجهها نحو البحر الذي لا يبعد عنها سوى بضعة أمتار ويعتبر القصر من بين أهم المواقع التاريخية العريقة التي تزخر بها بلادنا، حيث أنه شيد سنة 1755 في العهد الحسيني ليستغله البايات كقصر شتوي وعاش هذا القصر عدة أحداث تاريخية هامة تفرض علينا المحافظة عليه والاعتناء به واستغلاله كمعلم تاريخي وأهم هذه الأحداث اعتقال المنصف باي سنة 1943 من داخل هذا القصر وهذا مطلب جميع سكان مدينة حمام الأنف الذين يناشدون السلط المعنية وبلدية المكان ووزارة الثقافة للبحث عن حلول جذرية وناجعة لسكان قصر الباي والتدخل السريع لانقاذ هذا المعلم من أيادي العابثين مع التفكير في ترميمه واستغلاله كمرفق ثقافي.