تكرّرت خلال الأشهر الأخيرة أحداث العنف والفوضى في أكثر من مدينة من مدننا، وأساسا في الجنوب الغربي مهددة بعودة نعرات العروشية والجهوية التي كان الجميع يعتقد أن ثقافة الشعب التونسي ونضجه اجتثّها الى الأبد. عديد القتلى والجرحى سقطوا ضحايا هذه النعرات المقيتة التي تغذيها الاشاعات والتأويلات الخاطئة للأحداث والمستجدات والتي غيّبت التعقل والحكمة والتسامح. وللأسف فإن هذه الأحداث والسلوكات رافقت ثورة الحرية والكرامة التي يبدو انها وفي ظل غياب الشرعية وتراجع هيبة الدولة، دفعت الكثيرين الى محاولة الحصول على حقوقهم بأيديهم عوض المطالبة بها عبر الأطر الرسمية وبالأشكال القانونية. قد يتفهم البعض حالات الاحباط والظلم التي عاناها التونسيون خلال عقود كثيرة والتي جعلت جزءا كبيرا منهم يعيشون أوضاعا متردية ومزرية تستحق التعاطف والسعي الى حلّها لكن ظروف عدم الاستقرار وضعف موارد الدولة وطغيان الاهتمام بالشأن السياسي وانتخابات المجلس التأسيسي والخلاف حول التواريخ والمترشحين... إن هذه الأحداث والظرف العصيب الذي تمرّ به بلادنا يفرضان تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة والمساهمة في فرض الاستقرار والهدوء واستبعاد كل ما من شأنه ان يثير الفوضى والتباغض والاضرار بالأملاك العمومية والخاصة. وتبدو الهياكل الرسمية وأساسا الحكومة المؤقتة مطالبة بتسريع الخطى نحو ترسيخ التنمية الجهوية بإحداث مواطن الشغل وتقديم المساعدات الاجتماعية الى مستحقيها. الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني مطالبة بالاقتراب من شواغل المواطنين والعمل على تأطيرهم والدفاع عن مطالبهم وأساسا عن عدم الانسياق وراء الفوضى وعمليات التخريب، لأن العنف معرقل للتنمية ويحمل دوما بذور الفرقة التي يمكن أن تكون عاملا مهددا لأهداف الثورة.