أثارت قضية مثول بعض المسؤولين في النظام السابق أمام العدالة ثورات اجتماعية وتهور ونداءات أمام المحاكم وحتى في قاعات المحاكم تندد بهذه الشخصيات بالسب والشتم وبالوصف بالسارق والناهب والقاتل وغيرها من التصريحات المنافية لقواعد المحاكمات والجماهير الغفيرة التونسية تجمهرت أمام المحاكم باحثة عن عدالة وما أود طرحه هو لماذا هذا التجمهر أمام المحاكم؟ هل هي رغبة صادقة من التونسيين في إظهار الحقيقة؟ هل هي رغبة من التونسي لرفضه كل إشكال التصرف الحرام من سرقة ونهب ومغالطة واغتصاب واستهتار؟ لو نعود إلى أيام 14 جانفي وما قبلها وبعدها وإلى اليوم من حين لآخر تحدث في بعض الجهات محاولات لاختراق المؤسسات وحرقها ونهبها صحيح أن هناك من بادر بكسر أبواب المؤسسات العمومية المالية وغيرها والمحلات الخاصة التجارية ولكن الذين فسحوا المجال للسرقة لم يسرقوا بل تحولوا إلى أماكن أخرى لتحطيمها وإدخال الفوضى بها والذين بقوا هناك هم مواطنون من الشعب التونسي هم الذين قاموا بالسرقة والنهب ومواصلة التحطيم بحثا عن ماهو أثمن من مصوغ ومال وحمل كل ما كان موجودا هذا يعني أن كل التونسيين بمختلف أصنافهم سرقوا ونهبوا باستثناء البعض قلة قليلة من الشرفاء الحقيقيين والصور والشهادات والتحقيقات تثبت ذلك والأمن له من الأدلة ما يورط كافة الشعب التونسي باستثناء كما قلت بعض الشرفاء والصغار غير القادرين على السرقة والشيوخ والمقعدين أما بقية الشعب التونسي سرقت من كان فاسدا ومن كان كافرا ومن كان مصليا ومن كان خاشعا ومن ترتدي الحجاب ومن كانت عارية الرأي رجال ونساء الكل ادخل إلى بيته وإلى بطنه وإلى جيبه المال الحرام والكل قام بتصرف غير أخلاقي وحتى خلال 23 سنة انقضت ليس هناك من التونسيين من لم يبحث يوما عن وسيلة ليتخطى حدود الإجراءات القانونية العادية ويظهر نفسه لبقية بني قومه أنه من الواصلين وأنه فوق القانون وأنه لا يقوم بدفع الاداء البلدي أو يدفع خطية مخالفة مرورية ومن من الموظفين بمكاتب التفقديات الجهوية للشغل لم يقف إلى جانب رجل أعمال أو صاحب مشروع ليزور ملفات العملة المطرودين أو المتقدمين بشكوى ضد صاحب العمل ليجد نفسه دون أدنى حق ومن لم يقدم خدمة لرجال الأعمال في إدارة الضرائب والاداءات وتقليص الاداء أو حتى اتلاف ملف حتى لا تقع المطالبة بالخلاص الكامل بالأداء للدولة، كم من مقاول تحصل على مناقصة لانجاز طريق عمومي مع البلديات ولم يقدم رشوة حتى يخالف معايير الانجاز ليجمع أكبر قسط أموال الصفقة ولا يقوم بعمله كاملا كم أنجزت وزارة التربية من مؤسسة تربوية لا تخضع للمقاييس وتم المصادقة على تسلم المشروع من المقاول والشروط غير مستوفاة؟ كم من عمارة تابعة للسبرولس أو وكالة الوطنية للسكنى تم تشييدها بمواصفات لا تتطابق وكراس الشروط وتم قبولها من المقاول؟الأمثلة كثيرة وفي كل مجالات حياتنا اليومية هذا يعني أن كل تونسي من قريب أو بعيد شارك بالقليل أو الكثير بالسرقة والفساد واليوم يقف النزهاء أمام المحاكم لينادوا بتسليط أقصى عقوبة على بن علي أو الطرابلسية أو الوزراء القدم أو التابعين للنظام السابق أو رجال الاعمال الذين اعتبرهم الوحيدين الذين ربحوا من فترة بن علي بالتخلص من الادعاءات وبكسب مشاريع كبيرة عبر التجارة الموازية في علم النفس هذه النداءات الشعبية التي تنادي بتسليط عقوبة على شخص اقترف خطأ كان يأتيه المنادي نفسه هو عبارة على عملية معاقبة النفس أو ما يسمى بالسادية أي أن الشخص يريد معاقبة نفسه بنفسه عبر آليات حتى يتلذذ ما اقترفه من صنيع مخالف للقيم الأخلاقية ما حدث في تونس وما يحدث إلى اليوم يكشف مدى عدم صدقية التونسي في نداءاته ولا يمكن التعويل على هذه الأبواق التي تصرخ وتنادي بالديمقراطية حتى أصحاب الأقلام الذين وجدوا فرصة اليوم لينتصبوا منظرين للسياسة المستقبلية في تونس وكل مجموعة حظيت بمجلس موقر في قناة إعلامية ومن هناك يسطرون مستقبل شعب فرصة وجودها أصحاب الأقلام لأنهم في السابق كانوا مستبعدين وكانت المادة هي الطاغية وكلمة رجال الأعمال المسموعة في كل المجالات حتى رجل الأعمال الجاهل أصبح يلقي بكلمة وأصبحت أقواله عبر ومن يدعون المعرفة وأصحاب الأقلام لا شأن لهم في البلاد سوى نخبة مثقفة ولها رؤية وتريد أن تعمل ولما أتيحت لهم فرصة العمل أصبحوا يفرضون على الشعب التونسي في رؤى ميتافيزيقية لا يفقهها الا من قضى عمره في دراسة الفلسفة واصل الإنسان وفي الآخر هم جهلة ولم يرتقوا يوما إلى مستوى المثقفين لأنهم لا يخاطبون التونسي بواقعه وبأصله ولم يكشفوا حقيقة التونسي لنفسه ولم يفضحوا نفسية التونسي أمام نفسه التونسي السارق والناهب والمغالط والمستهتر والذي يبحث عن عمل لمدة سنوات وعندما يجد عملا ويقع انتدابه يقول لقد فزت بعمل جيد كله راحة واستجمام وليس به أتعاب ذلك التونسي الذي ينادي بالثورة فتراه لا يذهب للعمل إلا متأخرا. التونسي الذي لم يصارح نفسه يوما بان بداخله شخص خبيث غير مستقيم اجتماعيا يحل لنفسه كل شيء وعند الحديث ينزه نفسه ليصبح رسولا نبيا. لم أتحدث عن النزهاء فهم موجودون ولكنهم قلة وليس لهم تأثير في الشعب لأن مبدأ الأغلبية هو الطاغي عندما يقف التونسي أمام نفسه أمام مرآة ويقول من أنا هل استحق كلمة إنسان يحمل عقلا وعندما يقوم التونسي كما فعل العراقيون عندما غالطتهم القوات الأمريكية وأقحمت مجموعات من خارج بغداد لسرقة المؤسسات ووقعت الحادثة بعد سقوط نظام السيد صدام حسين يوم 9 أفريل 2003 وتفطن العراقيون للخديعة ونادى المشايخ ووجهاء المدن عبر المآذن بأن ارجعوا كل ما أخذتموه من المؤسسات وكل ما سرقتموه استجاب الجميع إلى النداء وارجعوا المسروق إلى مكان تجميع وأعربوا عن أسفهم هل التونسي قادر على ذلك قادر على محاسبة نفسه؟ أم أنه يكتفي بتحميل الآخر المسؤولية أما هو فلا فهو النزيه المتعفف وصاحب الفضل والأصل والعائلة الفاضلة وتسمع منه صفات لا تجدها في رسول من الرسل في النبل والعفة. فليحاكم كل مواطن نفسه قبل أن يطالب بمحاكمة الآخرين.