جمعية القضاة تطالب بفتح تحقيقات حول قرارات التجريد من الخطط القضائية والإيقافات عن العمل.    منتدى الحقوق الاجتماعية: ميلوني تعتبر تونس نُقطة لمنع وصول المهاجرين الى ايطاليا    الحمامات: تفكيك شبكة مختصة في بيع سماعات للغشّ في في الباكالوريا    الكاف: الاتفاق على بناء خزانين جديدين للماء الصالح للشرب    بحارة منطقة غنوش يحتجون..التفاصيل    حريق بمنزل في هذه المنطقة: وفاة شيخ وهذه حصيلة الاصابات..    قابس: نجاح تجربة زراعة الحبوب    مندوب حماية الطفولة حول استدراج أطفال عبر الانترنات: متأكدون من وجود ضحايا آخرين    عاجل: ايران تهدد مجددا ب"رد قاسي"..    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الثلاثاء 16 أفريل 2024    أبطال أوروبا: برنامج مواجهات الليلة من إياب الدور ربع النهائي    رابطة الهواة 2 (الجولة الثامنة إيابا) أفراح عارمة في منوبة وتبلبو    يورو 2024 : منتخب فرنسا يحتفظ بريادة التصنيف الدولي لأفضل 10 منتخبات أوروبية    5005 تلميذا سيجتازون امتحان مادة التربية البدنية    وزارة الفلاحة: نحو جلب حشرة للقضاء على الآفة القرمزية    منوبة ..5075 مترشحا لاختبارات مادة التربية البدنية    ميناء حلق الوادي: حجز 7 كلغ من ''الزطلة'' مخفية بأكياس القهوة    الحماية المدنية: 19 حالة وفاة في يوم واحد    وفاة مسن في حادث اصطدام سيارة بعمود كهربائي..    في الملتقى الإقليمي للموسيقى ..مشاركة متميزة لمعاهد ومدارس القطار    صفاقس ..70 عارضا بصالون الموبيليا وجهاز العرس    تقلص العجز التجاري بعد ارتفاع الصادرات وتراجع الواردات    بالمر يسجل رباعية في فوز تشيلسي العريض 6-صفر على إيفرتون    معز الشرقي يودع بطولة غوانغجو الكورية للتنس منذ الدور الاول    عاجل : خلية أحباء النادي الافريقي بألمانيا تهدد    أول تعليق لرئيس الجمهورية على أعمال العنف في حي التضامن..    فظيع: وفاة كهل جرفته مياه وادي الصابون بفريانة بعد ارتفاع منسوبه..    في مكالمة هاتفيّة مع نظيره الصربي ..وزير الخارجية يتلقى دعوة إلى زيارة صربيا    مع الشروق ..من «الصبر الاستراتيجي» إلى الرّدع ... ماذا بعد؟    طهران لإسرائيل: سنرد بضربة أقوى وبثوان على أي هجوم جديد    حيرة بين الردّ على إيران أو اجتياح رفح...إسرائيل رهينة التخبّط    طقس الثلاثاء: سحب كثيفة وأمطار متفرقة بأغلب المناطق    سوسة: أحكام بالإعدام ضدّ قاتلي إمرأة مسنّة    أولا وأخيرا: ربيع النقل السريع    الأولى في القيادة الأركسترالية في مهرجان «Les Solistes»...مريم وسلاتي مستقبل قائدة أوركستر عالمية    عنوان دورته السادسة «دولة فلسطين تجمعنا يا أحرار العالم»...المهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج يحطّ الرحال بنابل    أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني عمل إرهابي    عاجل : دولة افريقية تسحب ''سيرو'' للسعال    آخر زلات بايدن: أشاد بدولة غير موجودة لدعمها أوكرانيا    قيس سعيد: لابد من دعوة عدد من السفراء الأجانب لحثّ دولهم على عدم التدخل في شؤوننا    حركة المسافرين تزيد بنسبة 6،2 بالمائة عبر المطارات التونسية خلال الثلاثي الأوّل من 2024    جندوبة: الاتحاد الجهوي للفلاحة يدين قرارات قطع مياه الري ويطالب رئيس الجمهورية بالتدخل    معرض تونس الدولي للكتاب 2024: القائمة القصيرة للأعمال الأدبية المرشحة للفوز بجوائز الدورة    دار الثقافة بمساكن تحتضن الدورة الأولى لمهرجان مساكن لفيلم التراث من 19 الى 21 افريل    البطولة الافريقية للاندية البطلة للكرة الطائرة - فوز مولدية بوسالم على النصر الليبي 3-2    تونس: 25 دولة ستُشارك في معرض الكتاب    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    الدورة السادسة لملتقى "معا" للفن المعاصر بالحمامات يستضيف 35 فنانا تشكيليا من 21 بلدا    أنس جابر تبقى في المركز التاسع في التصنيف العالمي لرابطة محترفات التنس    نصائح للمساعدة في تقليل وقت الشاشة عند الأطفال    المؤتمر الدولي "حديث الروح" : تونس منارة للحب والسلام والتشافي    ايطاليا ضيف شرف معرض تونس الدولي للكتاب 2024    تونس: التدخين وراء إصابة 90 بالمائة من مرضى سرطان الرئة    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    أولا وأخيرا... الضحك الباكي    تونس تحتضن الدورة 4 للمؤتمر الأفريقي لأمراض الروماتيزم عند الأطفال    فتوى جديدة تثير الجدل..    الزرع والثمار والفواكه من فضل الله .. الفلاحة والزراعة في القرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تخدمُ ثورةَ الشعب أم تُبْطئُ مسارَها؟
الفسيفساء الحزبيّة الرّاهنة: بقلم: مازري مرتضى الزغيدي
نشر في الشعب يوم 12 - 03 - 2011

انطلاقًا من أنّ العلمَ ثورة في حدّ ذاته، وأنّ الثورة أيضا علم في حدّ ذاتها وفي جذورها وثوابتها ومنعرجاتها وأطوارها وأدواتها وأهدافها، فلقد كان طبيعيا ومتوقّعا أن تصنعَ الانتفاضةُ الشعبية الباسلة في بلادنا، حالة ثوريّة انتقالية شبه متماسكة ومتوثبة الى الأمام...
ولقد تمظهرت تلك الحالة الثورية إلى حدّ الان في المكاسب الديموقراطية الشعبية الثمينة التالية:
1 إزاحة مثلّت الكتائب السياسية العليا للدولة الرأسمالية العميلة الموبوءة والممثّلة في جنرال المخابرات الهارب، وبطانته العائلية الفاسدة الناهبة لأموال الشعب.. وحزب 2 مارس 34 الفاشي المنهار ورموزه مجرمي الحرب...
2 انهيار حواجز الخوف والرّعب من نفوس أبناء وبنات الشعب التونسي الأبيّ،، وسقوط جدران الاحباط واليأس والتشاؤم التي ساهم في تشييدها (إضافة إلى أركان النظام البائد) سياسيّون وصحفيّون ونقابيّون وشعراء وسينمائيون ومسرحيّون ورسّامون يعرفون أنفسهم مليًّا ويعرفهم الجميع جيّدًا.
3 إقرار قانون العفو التشريعي العام، وهو مطلب وطني مركزي منذ السبعينات، والذي يشكّل اعترافا علنيا بشناعة المظالم السياسية والجرائم البوليسية الزرقاء التي اقترفها مع سبق التعمّد والاصرار، نظام الدولة الرأسمالية الكمبرادورية في عهْدَيْ بورڤيبة الفرنكفوني والجنرال الهارب عل حدّ السّواء... وهو القانون الذي فرضه صوت الشعب، والذي يُعيدُ الاعتبار والكرامة والحقوق المدنية والسياسية الشرعية المسلوبة لأربعة أجيال من شبيبة تونس المجيدة من مناضلي وقواعد وقادة المنظمات والجمعيات النقابية والحقوقية المستقلّة والحركات والاحزاب السياسية الوطنية المدنية.
4 استعادة التونسيين والتونسيات لكرامتهم المهدورة طيلة خمسين سنة ظالمة وظلامية مضنية من الكبت السياسي والفكري والثقافي والاضطهاد الاقتصادي والاجتماعي والاستغلال الطبقي البغيض والنّّهب والمضاربات والفساد المالي والاداري والأخلاقي والتهريب والرشوة.
5 انتعاش مبادئ حرية التعبير والصحافة والمعتقد والحق النقابي والتظاهر والتنظّم والاجتماع، وفتح المنابر الصّحفية والتلفزية والإلكترونية أمام أبناء وبنات شعب متعّطش إلى أقصى الحدود للكلام والتعبير عن نفسه بنفسه، وتمسّكه الشديد بثورته الديموقراطية وحمايتها من اللصوص والمناوئين وصيانتها من كلّ زيغ عن مسارها الوطني في الانعتاق الطبقي والتحرّر الاجتماعي.
❊ I ثورة الشعب لا تتسامح أبدًا مع جرائم النّظام البائد:
إنّه من أبجديات علم الثورة عموما، أنّ لكلّ ثورة أو انتفاضة (مهما كانت طبيعتها وطلائعها) مبدأ مركزي حيوي لا محيدَ عنه على الاطلاق وهو ما اصْطُلح على تسميته منذ القرن التاسع عشر »المنطق الداخلي للثورة«، وبما أنّ الشعب التونسي الأبيّ، شعب طبيعي مثل جميع شعوب الدنيا، وقد نسج رابطة جدلية عضوية لا تنفصم مع أطوار العصور القديمة والوسيطة والحديثة والمعاصرة، وأنّه مثل كلّ الشعوب يؤثّر في حركة التاريخ ويتأثّر بها ويتفاعل معها... فإنّ ثورته الديموقراطية التي صاغها وخاض غمارها وغمار رصاصها.. ويواصل صياغتها وخوضها ليست إطلاقا »شْريطهْ جَايِبْهَا وَادْ«، أو »ذات خصوصية متفرّدة ومنفردة« مزعومة (خارجة عن طبيعة المسار البشري التاريخي العام)، أو »بفعل القضاء والقدر ورأفة السّماء« وما شابه جميع هذه القواميس من الأراجيف الرجعية المتخلّفة عن ركب الحضارات والتاريخ.. بل هي ثورة شعبية طببيعية منخرطة تماما ضمن السياق التاريخي العام لثورات الشعوب والأمم المضطهدة..
وبما أنّها ثورةٌ للمقاومة الفاعلة.. وليست ثورة خطابة ومواقف باهتة أو متشنّجة فإنّ منطقها الداخلي يمثّل منطلقها المركزيي الوحيد: بل وبوْصلتها الوحيدة بصرف النّظر عن النوايا الطيبة والزعامات والاطروحات والغايات النبيلة، مع التقدير الكبير لها جميعًا...
فالجميع يعلم اليوم وأكثر من كل زمن مضى الحجم الهائل من التدمير المنظّم الذي أصاب بلادنا على أيدي نظام الجنرال الهارب وحزبه الفاشي وميليشياته الاجرامية ورموزه من مجرمي الحرب والحجم الهائل المرعب لامبراطورية النهب والسرقة والتهريب التي كانت تشرف على تسيير أوكارها عائلة الجنرال الهارب وإخوته وزوجته وأصهاره وأقاربها الملوّثة أيديهم جميعًا بدماء الشهداء الأبرار.. وهي كلّها تمثّل من زاوية القانوني العام سلسلة غير محدودة من الجرائم السياسية البشعة والجرائم الاقتصادية الناهبة لثروات البلاد، فضلا عن جرائم الاعتداء على الأخلاق العامة وترويج الدّعارة المنظّمة وعقلية الارتشاء والرشوة وشبكات الرذيلة والخناء والتمعّش وتدليس العُملة وتهريبها وهي في جانب منها جرائم حق عام لا تُحالُ إلاّ على أنظار محاكم الحقّ العام دون سواها فالمنطق الداخلي لثورة الشعب لا يُجيزُ إطلاقا أيّة درجة من درجات التغافل أو التسامح تجاه أباطرة الاستبداد والقتل والفساد والاغتيال والتهريب والافساد الذين نهبوا ما يقارب 30٪ من ثروات البلاد ودمّروا مقدّراتها المالية والاقتصادية ودنّسوا نسيجها الاجماعي والنفسي والأخلاقي.. واستولوا عن طريق نظام الدولة الفاسدة القائمة، على التراب والشجر والبحر والفضاء والحجر، ولم يَنْجُ من سطوة إمبراطوريتهم المتعفّنة سوى الشمس والقمر!!
وضمن هذا السياق تحديدًا.. فإنّ المصداقية الشعبية والأمانة السياسية للحكومة الانتقالية المؤقتة الحالية، لا يمكن اطلاقا إثباتُهما وتأكيدُهما وترسيخُهما بالنوايا الطيبة العامّة ولا بتصريح المتحدّث الرسمي باسمها بأنّها »تشكلت لحماية الثورة« (من عناصر الردّة والتراجع).. بل إنّ تلك المصداقية المفترضة، لا سبيل على الاطلاق للبرهنة عليها وتجسيمها على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلاّ بانخراط تلك الحكومة المؤقتة تماما(فرديا وجماعيا) ضمن بوتقة المنطق الداخلي لثورة الشعب الباسلة.. ومن البديهي للجميع أنّ أولى مظاهر ذلك الانخراط السياسي الفعلي الملتزم والملزم، يقتضي وجوبًا:
أ الاستلهام الدائم من فداء الشهيد البطل محمد البوعزيزي (الشرارة الأولى لثورة الشعب) ومن روح جميع شهداء وشهيدات الثورة البواسل الأبرار.
ب الإنصات الفعلي الدائم إلى صوت الشعب وطلائع ثورته المجيدة.
ج التخلّي الواعي عن قواميس الخطاب البروقراطي الفجّ والأساليب والتصرفات والتعابير البيروقراطية المتخلّفة المنافية تماما لمنطق الثورة.
د الاستماتة في مقاومة كلّ الجيوب المتعفّنة وجميع الخنادق الموبوءة لأركان النظام الكمبرادوري البائد، وجميع محاولات الرّدة والتخاذل بكل صنوفها وأشكالها مهما كان مصدرها.
ه الحرص الحكومي الشديد على المقاضاة القانونية العادلة لجميع مقترفي الجرائم السياسية والاقتصادية والبوليسية التي أشرفت على تنفيذها دولة الجنرال الهارب وأفراد بطانته من لصوص القرن الأبالسة ومخابرات الهتلرية وميليشيات حزبه الفاشي المنهار. وذلك بحسب قواعد القانون العام القائلة بأن يكون الجزاء على قدر الجريمة والعقوبات الجزائية في حجم هول الجرائم المقترفة في حقّ الشعب والوطن...
❊ II هل الثورة في حاجة إلى عشرة أحزاب وطنيّة؟
تبوحُ الذاكرة الوطنية المشتركة لأبناء وبنات الشعب التونسي الأبيّ.. أنّ نظام الدولة الأسمالية الكمبرادورية قد دأب منذ الستينات على التحكم الاستبدادي في مصير العباد والبلاد، مرتكزًا على طغيان حزبه الفاشي الأوحد الوحيد في البلاد بمراحله الثلاثة وتسمياته الثلاثة، من »الحزب الحر الدستوري« مرورًا بما سمّي إثر مؤتمر بنزرت سنة 66 تقريبا »الحزب الاشتراكي الدستوري« وصولا إلى انقلاب الجنرال الهارب من العدالة في نوفمبر 87 الذي غيّر تسميّته إلى ما سُمّي »التجمع الدستوري الديموقراطي«... ولقد برهنت جميع الزوابع والمعارك والمظالم السياسية والجرائم الاقتصادية والاجتماعية والبوليسية التي اقترفها هذا الحزب في حقّ الشعب والوطن وفي حقّ خمسة أجيال متتالية من العمّال والطلبة والشبيبة النيّرةالطلائعية في بلادنا.. أنّ ذلك الحزب لم يكن يومًا واحدًا في حياته »حُرًّا« ولا »دستوريًّا« ولا »تجمّعًا« ولا »ديموقراطيًّا« ولا »اشتراكيًّا« خاصّة أنّ جميع تلك الصفات الزائفة التي تغلّف بها طيلة خمسين سنة، لم تكن سوى الشجرة التي تخفي الغابة و»ماكياجٍ« بائسٍ كاذبٍ...
فبالاضافة إلى أنّ هذا الحزب الفاشي الدّموي، لم يكن في الحقيقة وطيلة خمسين سنة متواصلة سوى السّند السّياسي والمنبع الإيديولوجي العلني تباعًا لرأسمالية الدولة، ثمّ للرأسمالية الكمبرادورية المتعفّنة الناهبة، وفي الأخير للرأسمالية الخاصّة المنصهرة تماما في منظومة العولمة الامبريالية الطاغوتيّة.. فإنّه التهم كامل البلاد، وطغى بالحديد والنّار والتلفزة وصحافة الطاعة الصفراء الرّذيلة.. وشنّ حربًا ضروسًا دامية على الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد العام لطلبة تونس وجميع الحركات السياسية الوطنية المدنية وكلّ مكونات المجتمع المدني المستقل وجميع فصائل القوى الديموقراطية والثورية الاصيلة وكمّمَ الافواه ودمّر الثقافة والتعليم، وروّج الشعوذة والفساد والانحراف والخناء في أغلب أرجاء البلاد، واغتال الرّوح الوطنية داخل نفوس الأجيال المتعاقبة، وفتح أبواب البلاد ونوافذها للاستعمار الجديد والنّهب الامبريالي البغيض لخيرات الوطن وثرواته الطبيعية والبشرية والباطنية...
كما أنّ هذا الحزب الفاشي المنهار يتحمّل المسؤولية كاملة بالجملة وبالتفصيل في جرائم اغتيال تسعين شهيدًا من شهداء الثورة الشعبية، وجريمة تخريب المؤسسات والمنشآت والاملاك العامة والخاصة وسرقة عشرات الفضاءات التجارية الضخمة والمتوسطة والصغرى قبل الاقدام على حرقها تماما بأيدي عصابات ميليشياته الاجراميّة... كما أنّه بصفته الدائمة »الحزب الدولة« (منذ سنة 1934)، فإنّ المسؤولية السياسية والجزائية لا تتعلّق إلاّ به وحده دون سواه عن امبراطورية المال والذّهب والعُملةِ التي شيّد أركانها الجنرال الهارب (من موقعه رئيسًا لذلك الحزب ورئيسًا لدولة ذلك الحزب) وعائلته وجميع أفراد بطانته المتعفّنة عن طريق تخريب مقومات اقتصاد البلاد والنهب الموصوف والفساد المالي والاخلاقي والسّطو على الشركات والمؤسسات والبنوك والمتاحف والموانئ التجارية والاستيلاء الموصوف على أملاك الناس وأراضيهم وعقاراتهم وضيعاتهم الفلاحية وأغنامهم وأبقارهم...
إنّ أرواح التسعين شهيدًا وكرامة الاغلبية الواسعة من أبناء وبنات تونس لا تجيز فقط للحكومة المؤقتة الحالية وللنّظام الديموقراطي الوطني المنشود وجمهوريته الشعبية المأمولة، حلّ هذا الحزب الدولة إداريّا أو قضائيًّا.. بل أيضًا مقاضاة قياداته ورموزه عناصره التي تُثبت العدالة المستقلّة تورّطهم الفعلي في اقتراف تلك الجرائم والمظالم والمآسي أمْرًا وتنفيذًا وتستّرًا.. ليس إطلاقا بعلية الثأر أو التشفّي الشخصي المتخلّفة (كما تروّج بعض الجيوب أو الجيوب الموازية)..
بل فقط لا غير ، من باب رفع راية العدالة والحق عالية خفّاقة واسترجاع الكرامة المسلوبة وإنصاف أبناء وبنات وطننا المفدّى أمّا اليوم، بعد انطلاقة ثورة صوت الشعب وضمن هذا الحراك الثوري الحقيقي الذي تولّد عنها بدأت بلادنا تتلمّس طريقها الحذر والمتشابك نحو فسيفساء من الاحزاب الوطنية المدنية الثورة منها والديموقراطية بعد أن استماتت طيلة عقود من الجمر والمعتقلات، في استرجاع حقّّها الشرعي في العمل السياسي العلني.. والذي يمثّل مكسبًا حيويًّا، ليس بفعل التأشيرة الورقية، بل تتويجا طبيعيا لسنوات طويلة من النّضال الحازم ولإنجازات الثورة الشعبية المجيدة في المقام الأوّل...
فإذا كان من الطبيعي ومن المتوقّع ان تُولّدَ ثورة الشعب زخمًا حزبيًّا واسعًا على أرض الميدان وهو مكسب دستوري مهمّ في حدّ ذاته فإنّ التجارب التاريخية للثورات وحركات الانعتاق الطبقي والاجتماعي والتحرر الوطني في جميع بلدان العالم قد برهنت طويلا على أنّ التناسل غير الطبيعي وغير الضروري للأحزاب السياسية المدنية، لا يخدم بالضرورة متطلّبات الثوة الشعبية وأهدافها وآمالها والمصالح الحقيقية العاجلة والآجلة للشعب الكادح وجماهيريه الشعبية العريضة... فالرّصد الموضوعي للخارطة السياسية والحزبية في أوروبا مثالا لا حصرًا يضعُ أمام الجميع بانوراما حزبيّة شديدة التعدّد ومحدودة التنوّع الايديولوجي والسياسي تختفي وراء تسميات لفظية برّاقة مختلفة ابتدعها مفكّرو البورجوازية وفلاسفتها ومنظّروها بعد انتصار الثورة البورجوازية الفرنسية سنة 1789 ثمّ تمّ ترويجها ضمن مجلدات ومؤلفات في كامل البلدان الاوروبية... حتّى وصلت فيما بعد الى بلدان الشرق وجميع أرجاء الوطن العربي.
كما أنّ هؤلاء المفكّرين والفلاسفة والمنظّرون وعلماء الاجتماع وحتّى علماء النّفس، أقدموا على ابتداع سلسلة طويلة من المصطلحات الفكرية والسّياسية (وجميعها ذات جذور ايديولوجية وطبقيّة متطابقة الى حدّ التجانس)، وذلك بغاية خلط الأوراق واختلاط السُبل وتأبيد سلطة الدّولة الرأسمالية في هذه البلاد أو تلك، وتلهية الأحزاب والحركات السياسية الأخرى، بالتّلذّذ المدمر بالاقتتال الفكري والتناحر السياسي وحتّى التنافر الشخصي والنّفسي من أجل سدّ الطريق للسلطة أمامها ودفعها تدريجيا إلى فقدان طاقاتها في معارك جانبيّة تحكمُ على مصيرها في النّهاية بالضعف والهوان، ثمّ التلاشي فهذا الخليطُ الحزبيّ المزوّقُ بالالوان والشعارات والتسميات المتنوّعة لفظيًّا لا غير، تعيشه البلدان الأوروبية والعربية والآسيوية منذ بدايات القرن الماضي، حيث تتفتّق القرائح الشعرية على تعبيرات مفعَمةِ بالإبهام الغامض، على غرار: »الحزب الجمهوري«و»الحزب العمّالي« و»حزب الديمقراطية المسيحية« و»حزب الشعب« و»الحزب التقدّمي« و»الحزب الوطني« و»حزب البيئة« و»حزب التنمية والعدالة« و»حزب الخلاص«... إلى غير ذلك من النّمطية اللّفظية المستهلكة فضلا على تصنيفات سياسويّة لا معنى لها إطلاقا في منظومة العلوم السّياسية حيث تكون خاوية تماما من أي مضمون فلسفي وعلمي متماسك، ومفتقرة تمامًا لأيّ ينْبوع اجتماعي واضح المعالم، وجوفاء تماما من أيّة ثوابت إيديولوجية راسخة وأية جذور طبقيّة ناطقة جليّة ومُعلنة.. وهي نفس تلك التصنيفات الخاوية التي صاغتها عقولُ وأقلامُ مفكّري البورجوازية والطبقات الحاكمة، مثل بدعة »اليمين الشعبي« بالخصوص والبدع المتجانسة الأخرى، على غرار »وسط اليسار« و»يسار الوسط« و»اليسار المعتدل« و»اليسار الاسلامي« (الأشدّ غرابة على الإطلاق)، و»اليمين المتطرف« و»اليسار المتطرّف«،، حيث أصبح الفكر البشري العربي وغير العربي أمام سمفونية لفظية ولخبطة عارمة، شبيهة إلى حدٍّ ما بمستطيل التسعين مترًا لملاعب كرة القدم ومواقع اللاّعبين بين »لاعب وسط دفاعي« و»لاعب يمين« و»لاعب يسار« و»لاعب وسط هجومي«...
وإنّه من أوكد المهام الوطنية العاجلة لقوى الانعتاق الاجتماعي والتحرر الوطني المناهض للرأسمالية الامبريالية وللصهيونية والرجعيّة.. وبالخصوص بعد انطلاق الثورة الشعبية في بلادنا أن تنظر مليّا إلى واقع الخاطئة الحزبية في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وكذلك في موريطانيا والمغرب والجزائر وتركيا وفصائل الثورة الفلسطينية.. وأن تستخلص منها العبرة الضرورية والدّروس الحيوية التي لا مفرّ منها حتى لا تضيع من بين أيدي جماهير شعبنا آمالُ ثورتها المجيدة وطموحاتها الشرعية...
فالشعوب المضطهدة، وإثر انطلاقة ثوراتها لا تهمّها اطلاقا اطلاقا ألوانُ الاحزاب أو تسميّاتها أو كاريزما زعمائها ومناضليها، أو لونُ رابطة أعناقهم أو صنف الدكتوراه الحاصلين عليها بل إنّ العامل المركزي الذي يضمن تعبئة الجماهيرالكادحة وتجنّدها الفعلي والدّائم حول هذا الحزب أو ذاك ينحصر فقط في طبيعة برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.. وأيضًا في نوعية الماضي السياسي والشخصي لقادته البارزين وكوادره ومناضليه ومناضلاته.. وبوجه أخصّ في منبته الجماهيري والشعبي وأوكسيجينه الايديولوجي والسياسي (لأنّه لا حزب دون إيديولوجيا على الاطلاق).. ونفسه الثوري المتدفق الدّائم..
اما تناسل الأحزاب وتوالدها بصورة شبه مجانية وفْق قاعدة الشرعية القانونية الورقية فإنّه لا يمثّل بالضرورة ظاهرة صحية مطلقة من شأنها صيانة الثورة الشعبية وتجذير مسارها وتدعيم مرتكزاتها بل هناك اعتقاد عام بأنّ هذا التناسل الفسيفسائي السّائد حاليا، ليس بالضرورة مُرادفًا للديمقراطية وحصْنًا لها... وقد يكون الجميع يذرون إلى هذا الحدّ أو ذاك نوعية التناسل الحزبي القانوني الذي أقرّه عن وعْي تام نظام الفاشية المدنية البورقيبية في مطلع الثمانينات (قصد امتصاص الغضب الشعبي فقط لا غير)، حينما وهب تأشيرة قانونية لبعض الاحزاب المنبثقة من رحم النّظام نفسه وسمح بصور صحيفة (الرأي) التي أسّسها وأدارها وتحكّم في مضامينا وتفاصيل نصوصها أحد الوزراء السابقين للنّظام نفسه...
ثم ختم »تفتّحه الديموقراطي« المزعوم بأضخم خدعة في منتهى المكر والمخاتلة والدهاء وهي قراره برفع الحظر عن بقايا حزب محمد النافع المترهّل واعادته الى منظومة الديكور المصطنع..
ويذكر الكثيرون أنّه رغم تلك الصفحة العابرة من »التفتّح« الماكر أقدم النّظام على تزوير الانتخابات كعادته والاستمرا المنظّم في سياسة القمع المنظم ومصادرة الحريات وكبت الانفاس وتنظيم الاعتقالات والمحاكم السّياسية المتتالية واقتراف جريمة مظلمة 26 جانفي 1978 الدموية في حق أبناء وبنات الحركة النقابية العمّالية.. وقمع انتفاضة جانفي 1984 واغتيال طلائعها وأبنائها وصولا إلى انقلاب الجنرال في نوفمبر 1987 الذي جاء فقط لانقاذ نظام بورقيبة من السقوط والانهيار ومواصلة القمع والنّهب والتنكيل والفساد والديكتاتورية بأساليب مختلفة أو متشابهة إلى حدّ يوم انطلاقة الثورة الشعبية الباسلة (من قلب مدينة سيدي بوزيد التاريخية المجيدة) التي عجّلت بفرار الجنرال الدموي خلسة تحت جناح الظلام وبطانته العائلية المتعفّنة المتورّطة قضائيا في جرائم السرقة والفساد والنهب والتحيّل وتهريب العُمْلة والاستيلاء على أموال النّاس ومقدرات اقتصاد البلاد... وانطلاقا أساسيّا من أنّ ثورة الجماهير الكادحة والفئات المحرومة (وهي تصريح طبيعي لمسيرة خمسين سنة مريرة مضنية من نضالات الطبقة الاملة والفلاحين والمزارعين الفقراء والطلبة وفئات البروليتاريا الرثّة المحرومة ومناضلي ومناضلات وقادة الأحزاب الوطنية المدنية ومنظمات المجتمع المدني المستقلة عن النظام البائد...) تمثّل منعرجا حيويا ثمينا للغاية وثمرة شعبيّة تحتّم اليقظة الدائمة والحذر الشديد والحماية السياسية المستمرّة (من اللّصوص والجيوب المضادة والمناوئين والمستلقين وراكبي الموجة بجميع أصنافهم ومواقعهم...) فإنّه من المهامّ الوطنية المقدّسة العاجلة الملقاة على عاتق أحزاب الانعتاق الطبقي والاجتماعي والتحرّر الوطني المناهضة للعولمة الرأسمالية والامبريالية والصهيونية والرجعيّة..
وهي الأحزاب السياسيّة الوطنية المنضوية تحت راية جبهة 14 جانفي تحديدا، وحتّى غير الممثّلة ضمنها حاليا على حدّ السواء المهام العاجلة الأمد ومتوسطة الأمد التالية:
1 على الصعيد السياسي:
استكناه طبيعة الثورة الراهنة في بلادنا بأنّها ثورة نوعية مفصليّة بالمعنى الكامل، وانتقاليّة بالضرورة متوثبة على الدوام.
العمل الجبهوي المشترك على استنباط خطاب فكري وسياسي والاجتماعي العام الرّاهن لدى عموم الشعب.. ويلتقي مع الطبيعة الايديولوجية الراهنة التي اكتسبها ذلك الوعي.. وتجنّب القفز فوقه أو التجنّي عليه أو اختزاله.
الحرص المشترك على ابتكار أساليب وآليات تواصل جديدة مع طلائع الثورة وجماهيرها، والبحث عن صيغٍ ميدانية مدروسة للالتحام النّضالي معها والائتلاف حولها.
اعتبار صيغة الحكومة المؤقتة الحالية حلقة من حلقات الردّة المحتملة بجميع صورها التي يجب مقاومتها بكلّ حزم..
الابتعاد تماما عن موقع الوقوف على الربوة، والرفض والاعتراض السلبي..
العمل الجبهوي اليومي على إنجاز المرتكزات الاساسية للبديل الديمرقراطي الوطني، والاسراع بصياغته وتحريره واشاعته على أوسع نطاق في صفوف جماهير الشعب.. وتعريف أوساط الرأي العام بمضامينه..
التفكير بحزم فورًا في اصدار ونشر جريدة داخلية أو نشرية دورية ناطقة باسم جبهة 14 جانفي قصد التعريف بهويّتها وبرنامجها السياسي وبديلها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.. وحتّى بمناضليها وقياداتها في صفوف جماهير الشعب والرأي العام.
الوعي الاساسي الدّائم بأنّ ثورة الشعب متعطّشة إلى أبعد الحدود لبدائل سياسية و اقتصادية واجتماعية ثورية وملموسة على الأرض في قطيعة كاملة مطلقة عن براثن النظام البائد.. أكثر من حاجتها إلى بانوراما أحزاب هنا وهناك أو ندوات صحفية للخطابة الجافة وطاولات مستديرة تلفزيّة للتّمظهر والتّموقع الفجّ...
2 على الصعيد الداخلي للجبهة:
أ العمل المشترك الحازم على المحافظة الدائمة على بنيان الجبهة وتماسكها وصلابتها وفق أبجديات الوحدة النضالية الرفاقيّة.
ب المزيد من مضاعفة المجهودات الجماعية المؤدية إلى إعلان ولادة المؤتمر الوطني لحماية الثورة.. بالاشتراك والتشاور والتنسيق الدائم مع الطلائع الشبابية المناضلة التي أنجبتها الثورة، ومع الاتحاد العام لطلبة تونس واتحاد الشغل ورابطة حقوق الانسان والهيئة الوطنية للحامين وجمعية القضاة التونسيين وكلّ منظمات المجتمع المدني المساندة للثورة، من أجل أن يصبح ذلك المؤتمر بالفعل ائتلافا وطنيا وشعبيا عريضا وممثّلا فاعلا لصوت الشعب، وقادرًا على حماية الثورة وضمان مسارها وتحقيق أهدافها، وتحصينها من العثرات والاخطاء وخنادق الردّة وجيوب التخاذل...
ج الشروع الفعلي الفوري من قبل كوادر ومناضلي أحزاب الجبهة وقيادتها في إنجاز مشروع جبهوي موحّد للدستور الجديد المنشود وأرضية جبهوية مشتركة للبديل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي المعبّر عن الطموحات الشعبية وحقوقها وأهدافها.. فضلا عن الاستعداد الفكري والمادّي والسياسي والبشري المتماسك لخوض الانتخابات القادمة والمعارك الديموقراطية اللاّحقة، في سبيل كنس بقايا الحزب الحاكم المنهار وجميع مخلّفاته المادية والمعنويّة وتقليم أصابع الأخطبوط الاستبدادي لجنرال المخابرات الهارب، من أجل تشييد اللبنات الأولى الاساسية للدولة الديموقراطية الشعبية المناهضة للاستغلال والاستعباد الطبقي والجور الاجتماعي والاستبداد المدني والعسكري والظّلامي السّلفي.. والمقاومية للطغيان الرأسمالي الامبريالي وللصهيونية العنصرية وللرّجعية بجميع مدارسها وتعبيراتها ومواقعها... من أجل أن يستعيد شعبنا التونسي الأبيّ حقوقه التاريخية المسلوبة في السيادة والحرية والأنفة والكرامة الوطنية المقدسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.