شهدت مجلة حماية التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية مؤخرا تنقيحات وإضافات هامة تهدف الى الصرامة والى تشديد العقوبات بالنسبة الى الجرائم المتعلقة بنهب وسرقة الآثار والممتلكات ذات القيمة الوطنية والعالمية من حيث طابعها التاريخي أو العلمي او الفني او التقليدي. المسرح وكانت تونس قد شهدت على امتداد السنوات الماضية اعتداءات فظيعة من أقارب وأصهار الرئيس المخلوع على الآثار، بلغت حد تحويلها من أماكنها الطبيعية او من المتاحف نحو المنازل والفيلات والى مكاتب العمل بغاية التزويق. ومنهم من بلغ به الامر حد المتاجرة فيها وتهريبها الى الخارج وجني أموال طائلة من وراء ذلك خاصة ان بلادنا تعج بالآثار النادرة التي لا تقدّر بثمن. وقد أفضت الأبحاث والتحقيقات الامنية والقضائية في المدة الاخيرة الى حجز عدة آثار وقطع ثمينة ونادرة، مثل المصاحف والمخطوطات والمجوهرات داخل القصر الرئاسي بسيدي الظريف وداخل فيلات ومنازل أصهار وأقارب بن علي... فضلا عن تداول معلومات تفيد تورط زوجة الرئيس السابق وبعض أقاربها وأصهارها ومعارفها في أعمال تنقيب وحفر بحثا عن الآثار. تشديد نصت التحويرات الجديدة لبعض الفصول من مجلة حماية التراث الأثري على تشديد عدة عقوبات كانت في السابق «خفيفة» من ذلك ان التفويت مثلا في عقارات أو منقولات محمية (نظرا لطابعها الاثري) دون اعلام السلط المعنية أصبح يعرض صاحبه للعقاب بخطية قيمتها 3 آلاف دينار عوضا عن 300د في السابق. كما وقع الترفيع في عقوبات أخرى على غرار عقوبة من يعرقل عمل المصالح المختصة بمراقبة ومعاينة الممتلكات الأثرية التي أصبحت عاما سجنا وخطية ب10 آلاف دينار (عوضا عن 3 أشهر سجنا و500 د. خطية). كما اصبح تقليد او تدليس المنقولات المحمية لأغراض تجارية يكلف صاحبه عقوبة بالسجن مدة 6 أشهر وخطية ب5 آلاف دينار. الحفر والتنقيب أصبحت المجلة المذكورة تنص على عقوبة ب5 سنوات سجنا وبخطية قدرها 50 ألف دينار لكل من يقوم بأعمال الحفر او التنقيب او غير ذلك من اعمال البحث بهدف التفتيش عن الآثار المنقولة او الثابتة سواء بملكه او بملك غيره دون الحصول على ترخيص من الوزارة المكلفة بالتراث، ومجرد المحاولة موجبة للعقاب نفسه، وتضاعف العقوبة في صورة العود... وحتى من اكتشف بصفة عفوية آثار ثابتة او منقولة ولم يعلم السلط المعنية وقام بنقلها مما أحدث بها ضررا او تغييرا فإنه يعاقب ب3 سنوات سجنا وبخطية قيمتها 30 ألف د. وينطبق هذا سواء كان العثور على الآثار في البرّ او في البحر. اختلاس وتهريب كل من يختلس منقولا أثريا او أجزاء متقطعة من معالم تاريخية موجودة بالمتاحف او المخازن او المواقع الثقافية أو التاريخية أو بأي مبنى عمومي آخر، يعاقب بالسجن مدة 10 أعوام وبخطية قدرها 100 ألف دينار... وتنطبق العقوبة نفسها على كل من يهرب هذه المنقولات الأثرية أو أجزاء منها من بلدها الأصلي... ويرتفع العقاب الى 20 عاما والى خطية ب200 ألف دينار اذا تمت هذه الجرائم عن طريق عصابة من 3 أشخاص فأكثر وكانت «عبر وطنية» وتم فيها استخدام طفل أو عدة أطفال ويقع اعفاء المتهمين من هذه العقوبات اذا ما أخبروا قبل أي تتبع بوجود الوفاق أو العصابة. أثر رجعي؟ بعد هذا التشديد في عقوبات الاعتداء على الآثار على المعالم التاريخية لسائل أن يسأل هل أن «مجرمي الآثار» في عهد نظام بن علي سيخضعون لهذه العقوبات المشددة بالنسبة الى القضايا الجارية الآن ضدهم أمام المحاكم؟ الجواب، للأسف، هو بالنفي، اذ أنه لا أحد يعاقب الا بمقتضى نص قانوني سابق الوضع، وبالتالي فإن هذه التنقيحات الجديدة لن يكون لها أثر رجعي، وسيكون القضاء مضطرا، عند النظر في هذه القضايا، الى اعتماد العقوبات السابقة أي العقوبات الخفيفة التي وضعها المشرع سابقا، وكأنها على قياس أقارب بن علي وأصهاره حتى لا تقع معاقبتهم أو حتى تكون العقوبات تجاههم خفيفة اذا ما صدرت أحكام تدينهم. ويبقى الأهم بالنسبة الى هذه العقوبات الجديدة هو أنها ستساعد على حماية الاثار في المستقبل حتى لا يجرأ آخرون، مهما كان موقعهم ونفوذهم، على العبث بها مثلما فعل المقربون من النظام السابق.