حتى لا يكون الشعب في واد والطبقة السياسية في واد آخر كان لزاما على الأحزاب ان تلتحم بنبض الشعب وتقترب من هواجسه وهمومه وانتظاراته حتى تكون معبّرة عنها، ساعية الى تنفيذها من خلال برامجها وتوجهاتها ومن خلال الخطاب السياسي الذي تعتمده. والشعب التونسي اليوم، او لنقل أغلبيته الساحقة، له هواجس وهموم وانتظارات تتقاطع مع تلك التي تعبّر عنها الاحزاب السياسية... لكن المعضلة الكبرى في هذا الباب تكمن في ترتيب الأولويات... ففي حين يرنو أغلب الناس وقد أنجز الشعب ثورته الى إعادة الأمن والاستقرار ونهاية الانفلاتات الأمنية وغيرها وتطبيع الحياة اليومية وتهيئة الأجواء الإيجابية للمحطات السياسية القادمة... في هذا الوقت ينصبّ اهتمام الأحزاب في أغلبيتها المطلقة على المجال السياسي المتعلق بالتجاذبات حول موعد انتخابات المجلس التأسيسي... وبالنتيجة يتبارى المتدخلون في المنابر السياسية والاعلامية وفي التحركات الميدانية في الترويج لهذا التوجه او ذاك... ويتفنن كل طرف في حشد المريدين والمؤيدين لوجهة نظره... ويبرز بالتالي خطاب سياسي مجاف لانتظارات الناس وبعيد عن همومهم اليومية والمصاعب التي باتوا يعترضونها في السير العادي لنسق حياتهم وفي تلبية اجتياجاتهم الاساسية المعيشية منها والأمنية. من هنا فإن الضرورة تقتضي ان يتحرك أحد الطرفين الى جسر الهوة... وبما ان الشعب هو الأصل والمرجع فإن الطبقة السياسية هي المطالبة بتعديل أوتارها على نبض اهتمامات الناس وانتظاراتهم. لأنه طالما لم نتوصل الى تهدئة الأمور على أسس صلبة، وطالما لم ينصرف الجميع الى العمل الجاد وإعادة الحياة الى نسقها العادي بما يمكّن من توفير أجواء إيجابية للمحطة الانتخابية القادمة، فإنه لا أحد قد يضمن أن تنجز المهمة في موعدها وأن تفضي الى النتائج التي نرجوها جميعا... أجل، من حق الأحزاب ان تتبارى للتعريف ببرامجها ومواقفها، لكن ليس قبل توفير أجوبة شافية للأسئلة التي تخامر عموم التونسيين... وهي كثيرة وكثيرة جدّا.