تونس (الشروق) : إعداد عبد الرؤوف بالي: تعتبر الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي الهيكل التشريعي الوحيد في الفترة «المؤقتة» التي تمر بها البلاد وتكمن قوتها في الوظيفة الملقاة على عاتقها وهي اعداد القاعدة القانونية لكل ما يتعلق بعملية الانتقال الديمقراطي ومع انجازها لمرحلة كبيرة من تلك المهمة أصبحت تتهددها العديد من الخلافات السياسية منها والمادية. انطلقت أعمال الهيئة بمهمة اعداد القانون الانتخابي للمجلس الوطني التأسيسي وقد دخلت حينها في جدول حول الفصل 15 المتعلق بالمسؤولين والتجمعيين الذين سيقع حرمانهم من خوض الانتخابات وبعد أخذ ورد مع الحكومة تم الاتفاق على تحديد قائمات بالمناشدين والمسؤولين دون تحديد الفترة الزمنية. وبعد ذلك ناقشت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة القانون الانتخابي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات ثم انتخبت أعضاءها، لكن ذلك تزامن مع انسحاب جمعية القضاة من الهيئة على خلفية النقاش حول من سيمثل القضاة، الجمعية ام النقابة والصراع بين الهيكلين، اضافة الى انسحاب ممثل عدول الاشهاد بعد انتخابه لتمثيلهم في هيئة الانتخابات. ولم تؤثر الصراعات المذكورة على تواصل أداء هيئة تحقيق أهداف الثورة لمهامها وانعقاد جلساتها بصفة دورية. وناقشت الهيئة أيضا مشروع العهد الجمهوري الذي كلفت لجنة بإعداده في مرحلة أولى ثم كلفت لجنة ثانية بإعداد المشروع النهائي وقد تتم مناقشته في جلسة يوم الغد، كما كلفت الهيئة لجنة لاعداد قائمة المسؤولين والمناشدين في عهد النظام السابق وذلك تطبيقا للفصل 15 من القانون الانتخابي، لكن اللجنة واجهت العديد من الصعوبات منها انه يتحتم عليها تحديد طبيعة المسؤوليات الحزبية التي سيتم حرمانها وأيضا التحقيق حول المناشدين الذين قال عدد كبير منهم انه تم حشر أسمائهم في تلك القائمات دون موافقتهم وهنا سيتعين على تلك اللجنة المزيد من البحث والتدقيق لإصدار حكمها على هؤلاء. هذا وناقشت الهيئة مشروع الامر الخاص بتقسيم الدوائر الانتخابية وقامت بتوسيع تمثيلية الجهات والمهاجرين ليصبح العدد الجملي لمقاعد المجلس التأسيسي 218 مقعدا. كما دخلت الهيئة مؤخرا في جدل كبير كاد أن يعصف بها ويتعلق بمسألة تأجيل موعد الانتخابات الذي كان مقررا ليوم 24 جويلية المقبل وانسحبت حركة النهضة من الهيئة واشترطت تحديد موعد نهائي للانتخابات للعودة. وتم تجاوز هذا الاشكال بعد توصل الحكومة المؤقتة الى اتفاق مع الأحزاب على موعد 23 أكتوبر لإجراء الانتخابات. وتمكنت الهيئة من تجاوز بيان أصدره 13 عضوا يتهم رئيسها بالتحكم في أشغالها والانحياز الى طرف سياسي مهيمن على تركيبتها بعد جلسة ساخنة تضامنت فيها الاغلبية مع رئيس الهيئة ودافعت عنه ولاذ أصحاب البيان بالصمت. وتقوم لجنة الخبراء منذ أيام بإعداد ثلاثة مشاريع لقوانين متعلقة بالجمعيات والصحافة وتمويل الاحزاب وستكون جاهزة هذا الاسبوع حسب ما أكده السيد عياض بن عاشور رئيس الهيئة وبذلك تكون الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة قد بلغت آخر المحطات في مهامها لكنها المحطات الاكثر ألغاما، حيث تعتبر محطات سياسية بامتياز وستستفز الخلافات السياسية والتناقضات الايديولوجية في هيئة شارفت ميزانيتها على الانتهاء حتى أنها غيرت جدول جلساتها لتواجه النقص الكبير في الميزانية لكنها لا تستطيع تغيير جدول أعمالها او مهامها لكي لا تدخل جدلا سياسي كبيرا حول قانون تمويل الأحزاب وقانون الصحافة وقانون الجمعيات وما تبقى من نقاش حول العهد الجمهوري. فهل تصمد الهيئة في آخر مراحل مهمتها؟ أم انها أضعف من ان تتواصل؟ كل ذلك سنشاهده خلال الجلسات القادمة. تجاذبات المهمة القادمة لن تعطل مسار الهيئة غازي الغرايري: بداية أقول ان مسألة تعليق العضوية التي شهدتها الهيئة مؤخرا هي مسألة طبيعية لكن الناس مازالوا ينظرون الى الوقائع الجديدة بخلفية قديمة وكأن شيئا لم يتغيّر. يجب ان نتعود على النقد سواء من الاعلام او غيره نحن لم نتأقلم بعد مع الوضعية الجديدة، وبالفعل ستكون المرحلة المقبلة في عمل الهيئة مرحلة حساسة بحكم انها تطرح ملفات مثل تمويل الاحزاب والاعلام والجمعيات لكن الرأي العام اليوم هو ما يحدد نطاق تحرّك الأحزاب وطالما طالب الشعب بتوضيح قانوني لا يمكن ان تقف الأحزاب ضد اصدار هذه النصوص. يمكن ان يحتدم النقاش داخل الهيئة لكن لا يمكن للأحزاب ان ترفض ورأينا ذلك مع موعد الانتخابات وكيف كانت الاحزاب تتحرّك للتعبير عن رفضها للتأجيل لكن بمجرد ان تدخلت الحكومة وقامت بنقاشات معها واتخذ قرار وفاقي عاد الهدوء واقتنع الجميع. انا أتوقع نقاشات عميقة وفيها تجاذبات كبيرة لكن لا أتوقع انها ستعطل مسار الهيئة. صوفية الهمامي: الهيئة أمام تحدّ كبير يضعها على المحك الهيئة تقوم بمجهود جبار تجلى في القانون الانتخابي وقانون التناصف والهيئة المستقلة للانتخابات، هي محطات نفتخر بها. يجب ان تصمد الهيئة والشخصيات الوطنية عليها ان تدافع على الانتقال الديمقراطي وعلى الأحزاب ان تقبل بالحوار وأن تقبل بالانتقادات هناك أحزاب أخذت أموالا من الخارج منها حزب معروف قبل ان يموّل من رجال أعمال محسوبون على النظام البائد وتعاملوا مع الطرابلسية نحن نريد مبررات ولن نقبل بسماع «هذا كلام صحافة نحن لن نصدّق ان هذه الأحزاب لم تتلق أموالا والدليل انها كانت لسنوات تعمل في شقق صغيرة والآن اشترت مقرات ضخمة وتشتري بصفة دورية مساحات إشهارية بآلاف الدينارات. المال السياسي يفسد ويعيق الانتقال الديمقراطي، وهذا المال الذي استكرشت به بعض الأحزاب يعيق الأحزاب الصغيرة التي تسعى للمشاركة في الانتقال بالبلاد الى الديمقراطية وسيزيحهم ذلك من المشهد السياسي. الهيئة أمامها تحدّ كبير ويجب ان تنجح في هذه المهمة حتى نقول لأحفادنا اننا بالفعل بنينا الديمقراطية. الأحزاب التي تقبل هذا المال هي الأحزاب التي لها هوس بالسلطة والوصول اليها بأي طريقة وقد اكتسحت القواعد بهذا المال في حين ان المطلوب هو الوصول الى السلطة عبر البرامج، هناك أحزاب تمثل عودة ل «التجمع» بشكل آخر. نجاح هذه المرحلة مرهون باتحاد جميع الأعضاء على حب تونس، وفتح ملف المال السياسي سيجعل الهيئة على المحك وستكون امتحانا لبعض الأعضاء فإما ان يسيروا في مشروع الانتقال الديمقراطي وإما ان تسقط الأقنعة. سالم حداد: أغلب أعضاء الهيئة مع طرح الملفات الملغومة أعتقد أن المناخ السائد داخل الهيئة وما يوجد من صراحة وإلى حد ما رغبة في تغيير الوضع سيجعلها تجتاز المرحلة الأخيرة، خاصة وان مجموعة ال13 استطاعت أن ترمي بحصاة في المياه الراكدة حتى تحركها، وأعتقد أنها أفلحت إلى حدّ ما رغم انها تلقت بعض المآخذ ولكن لها شرف النجاح في إدراج تمويل الأحزاب وتطهير القضاء وربما أهم ما يجب أن تضطلع به الهيئة وهي مراقبة السلطة التنفيذية. وفي اعتقادي نحن قادرون على تصويب وتقويم المسار القديم وتحسين الأداء السياسي للهيئة، فالقضايا المطروحة هي مطالب ملحة لأغلب أعضاء الهيئة. منها المال السياسي، لكن هناك أطرافا لا ترغب في ذلك ولا تريد أن تناقش هذه المسألة داخل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، لكن الرأي العام ينتظر منا ذلك وسنفعل حتى نجعل الهيئة أقرب إلى طموحات الشعب التونسي الذي يرى فينا نقلة نوعية عن البرلمانات السابقة التي كانت تتلقى الاملاءات دون أن تقدم مقترحات. هناك أحزاب لديها غموض في تمويلها ولا ترغب في الشفافية التي هي محرار مصداقية المنظمات والأحزاب. ومن دون الشفافية نسقط في التعتيم وهذا ما يفقد كل تنظيم مصداقيته لدى الشعب. كذلك هناك مسألة الإعلام الذي مازال يبحث عن الإثارة ويبتعد عن التحليل والنقد إضافة إلى غياب التوازن في تغطية الأحداث.