منذ 14 جانفي 2011 لم تتحرك السلطة المؤقتة في الاتجاه الصحيح إلا بعد تردد كحل التجمّع الدستوري الديمقراطي والقبول بتنظيم انتخاب مجلس وطني تأسيسي فأحدثت لجنة استشارية سمت أعضاءها وأطلقت عليها اسم الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وكلفتها ببعض المهمات، منها: اقتراح طريقة اقتراع أو أكثر لانتخاب المجلس التأسيسي وفي الأثناء أدخلت على تركيبتها عدة تحويرات. لا نريد هنا ان نناقش شرعية ومصداقية الهيئة العليا والأسباب التي أوجبت تعديل تركيبتها بل نريد فقط ان نذكر بأهم ما اقترحته فيما يخص انتخاب المجلس التأسيسي قدمت الهيئة العليا أولا مقترحين اثنين: الاقتراع على الأفراد في دورتين الاقتراع على القائمات مع اعتماد النسبية على ان تتضمن كل قائمة 3 أو 4 مترشحين. وقد صدر عن وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة قبل اقتراح الهيئة وبعده عدد كبير من المداخلات والتوصيات ناقشت بدقة كلا من المقترحين وفضلت بأغلبية ساحقة الاقتراع على الأفراد وذلك على جميع الأصعدة بما في ذلك تحقيق أهداف الثورة ونادت بعضها باجراء استفتاء يقرّ أحد المقترحين. ولكن الهيئة العليا ضربت بكل هذه المداخلات والتوصيات عرض الحائط وزادت في الطين بلة اذ قدمت للسلطة المؤقتة مقترح «مرسوم» يقر الاقتراع على القائمات وذلك على مستوى الولايات مع اعتماد النسبية مشفوعا بمزايدات غريبة مفضلة هكذا وبوضوح ترشح الأحزاب علما بأن الأحزاب في تونس اليوم ليس لها ما تعرضه على الناخب سوى الخطاب. ان الاقتراع على القائمات الذي أقرته الهيئة العليا يزخر بالسلبيات اذ انه: 1 يحرم من الترشح أغلبية الكفاءات المستقلة 2 يكرّس العودة الى الطرق والأساليب التي مارسها النظام البائد طيلة عشرات السنين. 3 يجعل الناخب في حيرة لأنه لا يستطيع ان يقرر عن قناعة لأي قائمة يدلي بصوته . 4 يزيد المعتمديات المحرومة من التمثيل حرمانا اذ ان رؤساء القائمات على مستوى الولاية قل ما تكون من المعتمديات المحرومة اي الأقل كثافة سكنية علما بأن رؤساء القائمات حسب طريقة الاقتراع هذه سيمثلون اكثر من ثلثي المجلس التأسيسي. 5 إن الدعم المالي للأحزاب سيكون ذا بال ومن الأفضل ان توظف هذه الاموال لخلق مواطن شغل لشبابنا الذين هم في حاجة ملحّة اليها. 6 يحرّم من الترشح بعض التجمعيين المتمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية وما هذا الا استبداد واضح يمس بسلطة القضاء وبسيادة الشعب. 7 التناصف والتداول على القائمات لا ينصف المرأة عمليا لأنها لن تتحصل على اكثر من 20٪ على أقصى تقدير وما هو الا تقليد أعمى في غير محله لطريقة انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي. 8 تشجيع ضمني على الفساد المالي في شكل هبات لبعض الأحزاب وفي شتى الأشكال الأخرى. وأما الاقتراع على الأفراد في دورتين فيتم على مستوى المعتمديات وله عدة ايجابيات منها: 1) لا إقصاء لأحد من الترشح مستقلا كان او منخرطا في حزب او تجمعيا سابقا تاركا للشعب ان يقصي من يشاء بواسطة الانتخاب. 2) على مستوى المعتمدية يكون كل ناخب على علم ومعرفة كافية بمسيرة المترشح وبأخلاقه وبأفكاره وباتجاهاته وبمدى استقامته قبل الحملة الانتخابية فيكون الانتخاب مبنيا على أسس صحيحة. 3) ردّ الاعتبار لتمثيل المعتمديات المحرومة اي ذات الكثافة السكنية الضعيفة 4) يكون المنتخب ممثلا حقا للشعب اذ يكون قد تحصل على أكثر من 50٪ من الأصوات المصرّح بها. 5) الدعم المالي للمترشحين ان لم يلغ يكون أبسط ما يمكن 6) اضافة 25٪ من المقاعد المقررة مخصصة للنساء تسند للمترشحات باعتماد النسبة المائوية المتحصل عليها في كل معتمدية فيكون تمثيل المرأة بأكثر من 20٪ في المجلس التأسيسي وذلك بصفة شفافة. وفي الختام، وإن كان الاقتراع على الأفراد ينبئ بخير فإن الاقتراع على القائمات كما أقرته الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة لا يخدم أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي. هذا وإن إقرار طريقة الاقتراع على الأفراد او على القائمات هو من مشمولات الشعب. وحده دون سواه خاصة أن طريقة الاقتراع المعتمدة ستحدد مصير تونس لعدة عقود. ولذا وحتى نضع مصلحة تونس وسيادة الشعب فوق كل اعتبار ونشرع في بناء الانتقال الديمقراطي يجب اجراء استفتاء حول طريقة الاقتراع بعيدا عن كل وصاية على الشعب وعن المساومات وذلك في أقرب الآجال. والملاحظ ان الاستفتاء هو عملية: 1) تتطلب فقط إحضار قائمات الناخبين ومكاتب الاقتراع التي لابدّ منها لانتخاب المجلس الوطني التأسيسي. 2) تمثل تجربة لنجاعة الآليات المعدة لانتخاب المجلس التأسيسي وتمكننا من تلافي النقائص، ان وجدت. ٭ محمد ساسي (أستاذ التعليم العالي) ٭ منصور الشفي