بقلم: محمد ساسي قدم الشعب وخاصة الشباب الشهداء والتضحيات الجسام حتى أطاح ببن علي يوم 14 جانفي 2011 وواصل النضال للقطع نهائيا وبدون رجعة مع نظامه الفاسد والمستبد مناديا بإرجاع السيادة للشعب والكرامة للمواطن إلى أن انتزع مكسبين إثنين وهما حل التجمع الدستوري الديمقراطي والقبول من طرف الحكومة المؤقتة بتنظيم انتخاب مجلس وطني تأسيسي. ولكن عزوف الناخبين عن تسجيل أسمائهم بالقائمات الإنتخابية بنسب عالية فاقت 90% بالنسبة للناخبين الشبان يبدو متناقضا مع ما ضحوا من أجله ويبعث على الحيرة. إن مقاطعة الانتخابات تخدم أهداف الثورة المضادة وليست الحل لتحقيق القطع مع الفساد والاستبداد وان كان هناك ما يغذي أزمة الثقة وخيبة أمل المواطن تجاه الحكم المؤقت والهيئة العليا وخاصة الأحزاب التي قدمت نفسها وقدمتها وسائل الإعلام السمعية والمرئية كالمرشحة الأساسية إن لم نقل المرشحة الوحيدة لإنتخابات المجلس الوطني التأسيسي. حسب ما يبدو أن من الأسباب التي تغذي خيبة أمل المواطن 1 - في الحكم المؤقت التباطؤ في الحسم في ملفات النهب والفساد وفي محاكمة رموز الفساد والاستبداد. إغراق البلاد بالأحزاب بما فيها عشرات الأحزاب المشتقة من التجمع المنحل والغريب أن بعض رؤساء هذه الأحزاب منحوا التأشيرة في حين أنهم ممنوعون من الترشح والأغرب أنهم أرجعوا إلى الساحة السياسية فتراهم عبر قنوات التلفزة يحاورون ويستشارون ككبار صناع القرار. تنصيب لجنة بن علي للإصلاح السياسي وصية على الثورة وعلى البلاد والعباد بعد أن سمي رئيسها وجميع أعضائها وأطلق عليها إسم الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والإنتقال الديمقراطي ثم كلفها ببعض مهمات منها إقتراح طريقة اقتراع أو أكثر لإنتخاب المجلس التأسيسي وفي الأثناء أدخل على تركيبتها عدة تحويرات لحاجة في نفس يعقوب. 2 - في الهيئة العليا إقامتها منذ تشكيلها وبعد التحويرات العديدة التي أدخلت على تركيبتها على إقصاء لوجوه وكفاءات وطنية مخلصة للثورة ولأهدافها. حرمان الشعب من الاستفتاء على طريقة الإقتراع (على الأفراد أو على القائمات) وبالتالي حرمانه من ممارسة سيادته. دفن الإقتراع على الأفراد وهو الأكثر عدلا بالنسبة للمترشحين والأكثر شفافية ووضوحا بالنسبة للناخب والأقل تكلفة للدولة. التمشي مع النظام البائد وفرض طريقة الإقتراع على القائمات على مستوى الولايات مع اعتماد النسبية الزائفة مشفوعة بمزايدات لذر الرماد على العيون فوضعت كل العراقيل أمام ترشح الكفاءات المستقلة مفضلة هكذا ترشح الأحزاب ومشجعة ضمنيا على الفساد المالي في شكل هبات لبعض الأحزاب التي صنعت منها رموزا. 3 - في الأحزاب ما عدى القليل إنعدام معارضة الحكومة المؤقتة مهما كان تصرفها تزكية طريقة الإقتراع على القائمات وما نتج عنها من تدفق المال السياسي على الأحزاب بكميات طائلة مجهولة المصادر دون أي رقابة وأي محاسبة. غض الطرف عن هذا المال السياسي الذي لوث الإنتخابات وأخل بمبدأ تكافؤ الحظوظ بين المترشحين والذي يهدف أساسا لوضع المجلس التأسيسي ثم المجالس المقبلة تحت إمرته بواسطة الأحزاب المستفيدة منه. وصاية الأحزاب الممثلة في الهيئة العليا على المجلس التأسيسي قبل انتخابه وشروع البعض منها في تقاسم المناصب في الحكم الانتقالي المقبل مناشدة الناخبين بالتصويت فقط لثلاثة أحزاب زائد واحد حتى لا يطرأ أي إعتراض على المقاسمة بين الأحزاب الثلاثة. 4 - في وسائل الإعلام تشبث وسائل الإعلام المكتوبة وخاصة المرئية والمسموعة بأساليب النظام البائد للعمل بدون ضوابط مهنية سليمة معتمدة الإنحرافات والتجاوزات. تكريس الإعتباطية وذلك بالدعاية والإشهار السياسي للأحزاب والتعتيم على المستقلين بإقصائهم من البرامج الإعلامية والحوارية قبل الحملة الإنتخابية وحتى أثناءها. الأمل في القائمات المستقلة بعد اليأس رجع الأمل بترشح المئات من القائمات المستقلة التي أقدمت على المساهمة في الإنتخابات رغم كل الحواجز التي وضعتها أمامها الهيئة العليا والأحزاب ووسائل الإعلام وذلك ايمانا منها بوجوب القطع مع النظام البائد والتحقيق الفعلي لأهداف الثورة. خلاصة القول إن أخشى ما نخشاه أن تستحوذ على المجلس الأحزاب التي ألهتها الهيئة العليا وروجت لها وسائل الإعلام وأغدق عليها المال السياسي فترسي نظاما جديدا يكون تحت وصاية المال.أو أن تؤدي خيبة أمل الناخب إلى مشاركة بنسبة ضعيفة تفرز مجلسا مشلول التمثيلية والمشروعية يمهد لرموز الفساد والاستبداد وأتباعهم من أحزاب للإنقضاض على الثورة.