ما حدث ويحدث داخل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي من خلافات وتلاسن بين أعضائها حول ملف التطبيع يتجاوز حدود الاختلاف في الرأي والتباين في المواقف، ويهدّد ثوابت وقيما نشأ وأجمع عليها كل التونسيين مهما اختلفت انتماءاتهم، تتعلق بنصرة القضية الفلسطينية والتصدّي لكل محاولات التطبيع مع العدوّ الصهيوني. إن دعاة التطبيع وإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني والساعين الى ادراج ذلك ضمن الميثاق الجمهوري الذي من المفترض أن يجمع كل التونسيين، وضعوا أنفسهم خارج الاجماع الوطني واعتدوا على القيم والثوابت وتجاوزوا الهوية العربية والاسلامية لكافة الشعب التونسي. إن المفاخرين اليوم بزيارة الكيان الصهيوني في السنوات الماضية والمتصدين لتجريم التطبيع يهددون الاستقرار السياسي والاجتماعي للبلاد ويضربون حالة التوافق التي بدأت تبرز بين أغلب الأطياف السياسية وبالتالي تعطيل مشروع الانتقال الديمقراطي. إن أطرافا عديدة ترى أن المجاهرة اليوم بزيارة الكيان الصهيوني وإقامة علاقات معه يتجاوز ما قامت به السلطة في العهدين السابقين التي لم تستطع التجاهر بذلك وكانت تشدّد على أن القضية الفلسطينية قضية مركزية لتونس كما كل العرب وأن التطبيع خطّ أحمر لا يمكن الاقتراب منه والقفز عليه. هذا الموقف المعادي للثوابت الوطنية لا يمكن تبريره بحرية الرأي أو التفكير او القناعات الخاصة لأنه يتنكر لدماء الشهداء الذين سقطوا نصرة للقضية الفلسطينية سواء في حمام الشط أو في الاراضي المحتلة أو غيرها من الأقطار العربية. إن هذا الموقف القابل للعدو الذي استباح أراضينا وسيادتنا في مناسبات عديدة واستقطب تونسيين للعمل ضمن جهازه الاستخباري ولقتل تونسيين والاضرار بالبلاد، يطرح تساؤلات عديدة حول خلفيات هذا الموقف والأطراف المستفيدة منه وربما الدافعة اليه والمشروع الذي يخفيه والذي لا يمكن أن يكون الا تآمريا على البلاد وشعبها.