علي كنيس : ناشط إسلامي مستقل . مَثًّلت الثورة في تونس إعلانًا لهبوب رياح لواقح أثمرت ثورات في الوطن العربي وقد رفعت الثورة تحدّيا جسيما قوامه عبارتين : حرية و كرامة . و هما قيمتان يعبران عن إرادة و عزيمة تحلّى بهما الشعب الثائر . و لنا أن نفهم قيمتي الحرية والكرامة في مستويين , المستوى الأول محليّ أي أن الإنسان الثائر يعلن رفضه لأي إنتهاك من قبل السلطة الحاكمة لحريته وكرامته . و المستوى الثاني دولي أي الإنسان الثائر يعلن رفضه لأي إنتهاك لحريته و كرامته من قبل القوى الغربية . و هذا الرفض يتبلور في عدة تعبيرات و ممارسات مختلفة. و أمام ما وصلت إليه الثورة في تونس من محاولة لبعض النخب - التي تعيش حالة إغتراب ثقافي و تروّج لتغريب المجتمع عن حضارته – فرض وصايتها على الشعب . وهذا الكلام لا أعرضه في سياق جدل عقيم إنما يأتي ضمن قراءة للواقع تحاول الربط بين تفاعلات اليوم و إرهاصات الغد . فتلك النخب المذكورة آنفا تسعى إلى فرض إملائتها على الشعب إستنادً إلى الشرعية الثورية . وبرز هذا في "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و الإصلاح السياسي و الإنتقال الديمقراطي ", فالهيئة العليا التي نصّبت نفسها حاميّة للثورة و وصِيّة على الشعب و جلّ أعضائها المنتمين للنخب التغريبيّة المتعلمنة في آخر شطحاتهم صرّحوا بأمر ليس بجديد عنهم فالشيء من مآتاه لا يستغرب . لكن الجديد في أن تكون الشرعية الثورية غطاء لتمرير مشروعهم المصاغ في دوائر المخابرات الأجنبية ( وهذا ليس بجديد) فكرا و تمويلا . فبإسم تحقيق " أهداف الثورة " يصبح التطبيع مع الصهيونية و الولاء للأعداء أمرا مباحا ! و يصبح تجريم التطبيع مسألة ليست من ثوابت الشعب ! و بذلك يسعى "لقطاء الصهيونية " في تونس لخدمة مصالح أسيادهم الصهاينة . و هنا أطلق عبارة " لقطاء الصهيونية " كتعبير عن ظاهرة غريبة عن المجتمع التونسي ساهم في صنع معالمها بعض النخب الفاسدة. لأن ما حدث في الهيئة العليا ( التي يمتنع رئيسها عن بث مداولاتها مباشرة عبر وسائل الإعلام ) من إعلان صريح لرفص تجريم التطبيع و مطالبة بعض أعضائها بحقهم في زيارة الكيان الصهيوني و إدعاء البعض الآخر أن التطبيع ليس من ثوابت الشعب , كل هذا ليس بدعة عن النخب الفاسدة فهذه النخب لا تخفي ولائها للكيان العدو بزيارة الأرض المحتلة و إعترافها بما يسمى دولة إسرائيل و إقامة علاقات مع الصهاينة. فكانت زيارة الفنان "محسن الشريف" و غنائه في أحد المستعمرات الفلسطينية للجمهور الصهيوني و هتافه بتمجيد المجرم "نتنياهو". إضافة إلى المدعو "صلاح الدين بن عبيد " صاحب "موقع هريسة كوم" الذي يروج للتطبيع مع العدو الصهيوني حيث إحتفل هذا الموقع الإلكتروني يوم15 ماي الأخير بندوة عقدت في ذكرى تأسيس الكيان العدو. و نجد أيضا " سهيل فتوح " الذي يجاهر بعلاقته بالكيان المجرم و دفاعه عنه. كما قام " العربي شويخة " و " عبد الحميد الأرقش" ( عضو الهيئة العليا) بزيارة الكيان الصهيوني في إعلان صريح للولاء للعدو و تحدّي صارخ لثوابت الشعب . و نشرت الصحف الصهيونية أخبار هذه الزيارات و نشرت أيضا زيارة " رجاء بن سلامة " و زوجها " السيد عبد الباسط بالحسن " رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان . كما تروج بعض الأفلام التونسية للتطبيع مثل أشرطة "النوري بوزيد" أو "رضا الباهي " في فلمه " السنونو لا يموت في فلسطين"(1) . و في خضم هذا التواطئ المهين للنخب الفاسدة مع الكيان الصهيوني و إفتخارهم بذلك , فإن الثورة التي رفعت مطلبي الحرية و الكرامة لا بدّ أن تعلن موقف الرفض لممارسات لقطاء الصهيونية في تونس و التصدّي لكل محاولة لفرض التطبيع و شرعنته من قبل النخب الفاسدة . فالثورة مسار متكامل أي أنه علينا جميعا أن نسعى لتحقيق مطالب الثورة و فرض شروطها المباشرة و نحثّ الخطى أيضا لضمان رفض كل محاولة من لقطاء الصهيونية لتمرير مشروعهم القذر المسنود بأموال المخابرات الصهيونية في الإعلام و الفكر و الثقافة ... فإذا تمكنت هذه النخب اليوم زمن الثورة من تمرير مشروعها من خلال إختراق أوطاننا و خدمة مصالح قوى الإستكبار الغربي , فإنه لا يمكننا في مرحلة متقدمة صدّهم عن تحقيق أهدافهم . لذلك فالواجب اليوم كشف و تعرية لقطاء الصهيونية أمام الشعب ومن ذلك تبيان إرتباطهم بدوائر العدو الصهيوني و الغرب الإستعماري و ولائهم للعدو المركزي للأمة و خيانتهم للشعب و تخاذلهم عن نصرة أهلنا في فلسطين و في كل شبر مغتصبٍ. و يتم ذلك دون أن نغفل عن تحقيق مطالب الثورة المباشرة التي لا يمكن تحقيقها إلاّ ضمن مسار متكامل . فالثورة أكدت علي مطلبي الحرية و الكرامة و لا يمكن أن ننجح في تحقيقهما إلاّ ضمن مسار متكامل يضمن حرية و كرامة المواطن تجاه السلطة و يواجه إستبدادها . كما يتصدّى لمحاولات الطابور الخامس العميل للصهيونية و القوى الغربية فرض و صايتهم على مستقبل الأمة من أجل السعي للتحرر و الإنعتاق لضمان الحرية و الكرامة . (1) : أورد هذه المعلومات أحمد الكحلاوي رئيس الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية و مناهضة التطبيع و الصهيونية في حوار أجرته معه جريدة الصباح التونسية العدد 19984 ليوم الأحد 19 جوان 2011 .