تونس «الشروق»: النجاحات في أي قطاع لا يمكن أن تأتي من عدم أو أن تبنى من فراغ، وتلك حال ميدان البحث العلمي والتكنولوجي في تونس الذي يشهد تحوّلا نوعيا كبيرا حيث تكثفت الحركية على مستوى وحدات ومخابر البحث في الجامعات والكليات وداخل المؤسسات وبين الأفراد من أجل مزيد الالتصاق بحاجيات البلاد التنموية والاقتصادية ومواكبة نسق التطورات الحاصلة في العالم. ولم يكن ذلك النماء إلا نتيجة استراتيجية واضحة المعالم وقف على أهم أطرافها الرئيس زين العابدين بن علي الذي أيقن منذ 17 سنة أنه لا استمرارية لهذه البلاد إلا بوضعها دوما في مسار التطور العلمي العالمي حتى تكون قريبة من كل الاختراعات والابتكارات فتنهل منها بل وكذلك لتساهم في نحت أجزاء منها وأتيحت للباحثين في تونس من الامكانيات والامتيازات والحوافز ما قد يطول المجال لذكرها في ظل حرص رئاسي على ارساء نظام متطور ومتناسق للبحث وجعل التجديد التكنولوجي قاطرة للتنمية وعنصرا فاعلا في احداث المؤسسات في القطاعات الواعدة. تحولات واصلاحات ولا غرابة في أن يشهد هذا القطاع خلال العشرية المنقضية تحولات هامة انطلقت أساسا من مما أقره رئيس الدولة منذ سنة 1999 ضمن برنامجه المستقبلي من ترفيع تدريجي في النفقات المخصصة للبحث العلمي لتبلغ 1 من الناتج الاجمالي انطلاقا من السنة الحالية. واضافة إلى الاصلاحات المؤسساتية والتنظيمية التي تهدف إلى هيكلة البحث العلمي وتطوير المنظومة الوطنية عبر احداث المخابر والوحدات والأقطاب التكنولوجية ومحاضن المؤسسات تجاوز البحث العلمي التونسي القطرية إلى الانفتاح على العالم من حوله ومكنت اتفاقيتا الشراكة الموقعتين مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية من اتاحة الفرصة للباحثين التونسيين للولوج إلى أكبر المخابر العلمية في العالم والاستفادة مما يتوفر بها من تجهيزات وامكانيات غاية في التطور والدقة والحداثة. حصاد ولأن الحصاد لا يمكن أن يكون إلا من جنس العمل والجهد وبقدره أو يزيد فإن الأرقام المسجلة تدلّل على حجم ما بلغه البحث العلمي في تونس من تطور وما حققه من نجاحات إذ تمتلك تونس اليوم أزيد من 487 براءة اختراع وطنية و571 مخبر بحث ويعد الباحثون بها بالآلاف يسهرون حاليا على رعاية حوالي 2600 مشروع بحث علمي متطور سيكون لها أيما تأثير في اقتحام تونس للتجارب العلمية والتقنية في مختلف الاختصاصات التي تستفيد منها القطاعات التنموية. وبفضل البحث العلمي والتكنولوجيا المتطورة انتشر اسم تونس في كل أصقاع الدنيا ونالت بفضل كفاءاتها المهاجرة أفضل المواقع في أكبر المصانع والمؤسسات والمخابر العالمية في أوروبا وأمريكا وكندا واليابان. وأشادت محافل دولية كبرى بحجم ما يمتلكه العقل التونسي من مواكبة وقدرة على الابتكار والاختراع. وهكذا حازت منظومة البحث العلمي في تونس تألقا واشعاعا فاق الحدود وعانق العالمية بفضل ما لقيته من حسن تأطير وعناية رئاسية آمنت أن المواكبة واللحاق بالعصر وتجاوز معوقات الحاضر وبناء تنمية مستدامة لا يمكن أن يكون إلا عبر نافذة تثمين الطاقات الموجودة وحفز الكفاءات ودفعها إلى الانكباب على مجالات البحث والتجريب حتى تقطع البلاد نهائيا مع التهميش وتكون في قلب العالم لا فقط استيعابا للتطورات والتحولات الحاصلة بل اسهاما فيها ودعما لها، وتلك كانت إرادة بن علي حينما رعى البحث العلمي وشمله بعنايته حتى لا تكون تونس خارجة عن الركب ومغادرة للسرب وحتى تظل على الدوام مثالا وأنموذجا جديرا بأن تعقد معه اتفاقيات الشراكة والتعاون وأن يعوّل عليه في مسيرة البحث العلمي العالمي والانساني.