بقلم الاستاذ مصطفى صخري (محام لدى التعقيب ومدرس جامعي بالمعهد الاعلى للمحاماة وكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس) جلسة المحاكمة العادلة تعرض المشرع التونسي الى جلسة المحاكمة واجراءاتها بالفصل 143 من «م ا ج» ووفقا لذلك الفصل فان المحكمة تتولى سماع اطراف القضية والخبراء والشهود اذا كان في ذلك فائدة في اطار استقراء التهم المتعهدة بها فلقد ورد به «...ثم تعرض اوراق القضية، وينادى على الشهود والخبراء وتقدم اوجه التجريح فيهم ويبت فيها ويسمع مقالهم عند الاقتضاء ..». ومن الناحية القانونية الصرفة وفي اطار ما للمظنون فيه من ضمانات لاثبات براءته له طلب التحرير على شهوده، وهو حق يجد سنده في احكام الفقرة الاولى من الفصل 144 من «م ا ج» التي جاء بها: «تسمع المحكمة من ترى فائدة في سماع شهادته» ،وهو امر كرسه فقه القضاء في العديد من القرارات اذ تقول محكمة التعقيب: رفض محكمة الموضوع سماع بينة المتهم بمقولة ان الزور ثابت بالسند التجاري تعليل غير مقنع ضرورة ان طلب سماع البينة يرمي الى اثبات انعدام الزور وليس للمحكمة البت في التهمة قبل استنفاد كافة الاستقراءات والابحاث والدفوع المثارة من قبل اطراف القضية ومن بينها سماع الشهود». كما ورد بقرار آخر في المعنى نفسه: «ان عدم استجابة المحكمة لطلب سماع بينة المتهم ومكافحته بمن اتهمه فيه هضم لحقوقه الشرعية». وفي الحقيقة فان ذلك امر لا يمكن ان نتصوره من الناحية العملية خاصة ان المخلوع سيحاكم غيابيا باعتبار ان لا احد يعتقد انه سيجازف بالحضور . وطبيعي ان «للمخلوع» حق الطعن في الحكم الصادر ضده بالطرق المخولة لذلك قانونا وهو من تجليات ضمان حقوقه في محاكمة عادلة. ما بعد المحاكمة سنتناول هنا بالدرس الاثار المترتبة عن الحكم الذي ستصدره الدائرة الجنائية ومدى امكانية تسليم المخلوع وامكانية إكساء الحكم بالصيغة التنفيذية خارج تونس. الحكم الصادر في القضية وتسليم المخلوع وزوجته: شرطة دولية ( انتربول ) في حاجة لشرطة قوية وفاعلة : على فرض صدور حكم جزائي قاض بادانة المخلوع وزوجته فان الدولة التونسية ستظل ساعية لتسليمه لها والتنفيذ عليهما وهو امر يصطدم في الحقيقة بصعوبات جمة مما يجعل التسليم امرا مستحيلا كما سيأتي توضيحه. التسليم والانتربول ان لفظ «الانتربول» متكون من INTER و POL أي الشرطة الدولية وهي منظمة يقع مقرها الرئيسي بمدينة ليون الفرنسية هدفها مكافحة الجريمة على المستوى الدولي ووقع تأسيسها سنة 1923. والشرطة الدولية رغم التسمية التي تحملها لا تجند شرطة لارسالهم لمقرات الاشخاص المطلوب تسليمهم دوليا للقبض عليهم وانما يرتكز عملها على التنسيق مع الدول الاعضاء فيها الذين يبلغ عددهم الان 187 دولة وبكل دولة من هذه الدول المذكورة مكتب اقليمي للمنظمة المذكورة تديره بنفسها ومن خلاله يتم التعاون الدولي في مكافحة الجريمة . وما يلاحظ ان منظمة «الانتربول» تعد مكسورة الجناح وفي حاجة الى شرطة ناجعة لتنفيذ بطاقات الجلب التي تصدرها والثابت ان فاعليتها كمنظمة دولية محدودة رغم خطورة الدور الموكول لها واهميته . وتتعدد النشرات التي تصدرها بحسب لونها كما يلي: نشرة حمراء، نشرة سوداء، نشرة زرقاء، نشرة صفراء، نشرة خضراء. كما تصدر نشرة برتقالية اضافة الى نشرة خاصة تتضمن تنبيه الشرطة اي مجموعات واشخاص خاضعين للجزاءات التي تفرضها الاممالمتحدة على بعض التنظيمات المسلحة كما هو الحال لتنظيم القاعدة وطالبان. وأهم نشرة تصدرها الانتربول النشرة الحمراء التي يكون موضوعها طلب توقيف شخص مطلوب دوليا توقيفا مؤقتا لتسليمه استنادا الى مذكرة توقيف او قرار قضائي صادر عن محكمة . بقي ان نشير ايضا الى ان الشرطة الدولية تعاني من صعوبات مالية تعيق القيام بدورها في مكافحة الجريمة دون ان ننسى انها تخضع لبعض القواعد الصارمة في تسليم المجرمين من ذلك انه ورد بالنشرة التي تصدرها حرفيا « لا يمكن للامانة العامة اصدار نشرة الا اذا استوفت فيها جميع شروط معاملة المعلومات. مثلا، لا تصدر النشرة اذا انطوت على خرق للمادة الثالثة من القانون الاساسي التي تحظر على المنظمة ان تنشط او تتدخل في مسائل ذات طابع سياسي او عسكري او ديني او عنصري. فضلا عن ذلك، تحتفظ الامانة العامة بحق رفض اصدار نشرية اذا اعتبرت اصدارها غير متناسب، او ينطوي على خطر يهدد التعاون الشرطي الدولي او المنظمة او موظفيها او باحد الاعضاء». وفي الحقيقة فان منظمة الانتربول ملزمة بالسعي من خلال الدول الاعضاء بها الى تسليم المخلوع الى السلطات التونسية خاصة ان الدولة التي تستضيفه اي السعودية دولة عضو بالمنظمة المذكورة منذ سنة 1956 اضافة لكل ما تقدم فان السعودية قد صادقت على اتفاقية القاهرة لتسليم المجرمين وهي الاتفاقية المصادق عليها من قبل الدول الاعضاء في الجامعة العربية بتاريخ 07/11/1973 اضافة الى ذلك فالسعودية قد صادقت على اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي بتاريخ 11/05/2000 وتطبيقا لاحكام المادة 40 من تلك الاتفاقية فان تسليم «المخلوع وزوجته» امر حتمي من الناحية النظرية . وفي الحقيقة لا يجب التفاؤل كثيرا ضرورة ان صعوبات جمة تعترض تسليم المخلوع وزوجته من ذلك : انها مسالة تخضع لمشيئة الدولة الهارب اليها ويتداخل فيها القضاء والسياسة ومبدإ سيادة الدولة . ان المخلوع وزوجته قد يكونا تحصلا على الجنسية السعودية وبالتالي في هذه الحالة لا يمكن تسليمه باعتباره اضحى مواطنا من مواطني الدولة التي يقيم بها والمبدإ المعروف في القانون الجنائي الدولي هو عدم تسليم الدولة مواطنيها وفي هذه الصورة تكون ملزمة بالقاعدة المعروفة «سلم أو حاكم». ان المخلوع وزوجته قد يكونا ايضا قد حصلا على اللجوء السياسي وفي هذه الصورة لا يمكن التسليم ايضا اضافة الى ذلك فان تسليم المجرمين بين الدول يخضع الى مركز الدولة المطالبة والمطلوب منها التسليم ويتداخل فيها الثقل السياسي والاقتصادي كما سلف وبالتالي فان امكانية تسليم المخلوع يصبح امرا مستحيلا . بقي ان نشير ختاما الى ان احترام القضاء للإجراءات المذكورة من شانه ان يقطع الطريق امام كل من قد يشكك في نزاهة القضاء واستقلاليته فالمحاكم في تونس لم تعد تخضع للسلطة التنفيذية مثلما قد يصوره «المخلوع» الذي خرج عن صمته كما جاء ببعض وسائل الاعلام وصرح على فرض صحة ذلك انه تتبعه يأتي في اطار «مسرحية وتشهير» ويمكن القول ان المحكمة المتعهدة بالقضية المحال عليها «المخلوع» وزوجته باعتبارها شريكة له وفق احكام الفصل 32 من المجلة الجزائية تصدر حكمها : بالبراءة أو الادانة وقد لا تصدر حكما الا بعد الاذن بمزيد استقراء الملف كسماع بعض الشهود او التحرير على الاطراف كما لها الاذن باجراء اختبار . وهو ما يحتم علينا التعرض الى ذلك بغاية الايجاز .