تواصل الجدل السياسي حول مسألة انسحاب حركة «النهضة» من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة خلال الأيام الماضية، وفي ظل جملة الاتهامات التي تتقاذفها الحركة مع ما تسميه بالطرف المهيمن داخل الهيئة والمقصود به حركة «التجديد» اتصلنا بكل من السيدين سمير ديلو وسمير الطيب. ديلو: تتغطّون بالهيئة للتستّر على ضعفكم ! ما الذي ترون أنه قضى على التوافق في الهيئة ؟ هناك سببان، الرئيسي هو أن تركيبة الهيئة لم تكن متوازنة ورغم عمليات التوسيع اللاحقة فقد بقيت هيمنة الطرف الايديولوجي داخلها. ثانيا، هذه الفئة المهيمنة خرجت عن روح التوافق وعمدت الى فرض أجندة حزبية لا علاقة لها بتحقيق أهداف الثورة. ما هي الأجندة التي سعى الطرف المهيمن الى فرضها؟ هناك أمران الأول هو الانحراف بالهيئة عن خط سيرها الأصلي وهو ارجاع الارادة للشعب عبر اجراء الانتخابات وتهيئة الظروف الملائمة لذلك، والتعدي على صلاحيات المجلس التأسيسي من خلال الشروع في رسم الاطار القانوني للأحزاب والجمعيات عبر مجموعة مراسيم. ثالثا، قامت بتغطية هذا الانحراف بقضايا مفتعلة لمحاججة الطرف الآخر منها ادخالنا في صراع إيديولوجي وإسقاط قضية التطبيع وإهمال المطلب الوطني في هذا الاتجاه وعدم تضمينها في العهد الجمهوري منذ البداية. ووصل الأمر ببعض أعضاء الهيئة الى التبجّح في بعض الصحف بأنهم قد سافروا الى اسرائيل وانهم لا يرون في الحوار مع العدو الصهيوني تطبيعا. وأخيرا اختلقوا قضية تمويل الأحزاب وأظهروا وكأنه المبرّر الوحيد لانسحابنا هو الخوف من قضية التمويل في حين أن بعض الجمعيات الممثلة في الهيئة تلقت ميزانيات ب500 ألف دينار من بن علي وبعض الاحزاب كانت تتلقى الرشوة السياسية في ما يسمى التمويل العمومي وبعض المقاعد في البرلمان. نحن ضد المال الأجنبي وضد المال المشبوه مهما كان مأتاه ومع تفعيل كل الاجراءات القانونية الرقابية حتى لا يستعمل المال السياسي في شراء الذمم وحتى لا تشوب نتائج الانتخابات شائبة. ما هي الأرضية التي يمكن أن تعيد التوافق الى الهيئة وتعيدكم إليها؟ هي أن يتفق الجميع على أن الوفاق ليس آلية للاتفاق فقط وانما هو عقلية وممارسة يومية والاقتناع بأن الشرعية الوحيدة التي تقوم عليها كل المؤسسات والهيئات هي التوافق وان سقط التوافق سقطت الشرعية. هل هناك نقاشات بينكم وبين رئاسة الهيئة والطرف الذي تقولون انه مهيمن للعودة؟ غلبة الرؤية الحزبية الضيّقة ومحاولة الحصول على مكاسب سريعة جعلت بعض الأطراف حتى ممّن هم محمولون على الحياد والاستقلالية كرئيس الهيئة مثلا يصرحون بأن أشغال الهيئة ستتواصل مهما كان عدد المنسحبين وفي ذلك قدر من التعالي والغرور ويتنافى مع غياب المشروعية لهذه الهيئة والحال أن أعضاءها معينون. ليس هناك نقاشات بل بعض الأطراف أبدت ترحيبها بانسحابنا وانسحابات أخرى متوقعة والسعي الوحيد الذي دأبوا عليه هو كيل الاتهامات المجانية والاجراءات المعتمدة على الاشاعات أو على قراءة النوايا. أرى أنه على الحكومة إذ تتلقى مشاريع مراسيم متعلقة بالأحزاب أو الصحافة أو الجمعيات ان تعلم أن المقترحات فئة ضعيفة لا تمثل إلا نفسها، أما بخصوص الأستاذ عياض بن عاشور ومع كامل الاحترام الذي نكنه له ولمقامه العلمي فمن المؤسف اننا ارتأينا له أن يساهم بشكل فاعل في عملية الانتقال الديمقراطي لكنه زهد في الحياد والديمقراطية وارتضى لنفسه الانحياز والاصطفاف الايديولوجي. الطيّب: أنتم الضعفاء... والدليل هروبكم المتكرّر نحن في حركة التجديد لا نعتبر أنفسنا أغلبية لأننا ممثلون بثلاثة أعضاء ككل الاحزاب ثانيا ما يشاع عن أن العديد من الشخصيات الوطنية هي من التجديد ليس صحيح لكن ما يشاع عن انهم قريبون من التجديد والقطب الحداثي هذا يشرفنا. بالنسبة الى الوفاق لم نحد يوما عن الوفاق وسعينا الى تغليبه لكن عندما لا يتوفر هذا الوفاق فكل مؤسسة تعمل بديمقراطية تلتجئ الى الاقتراع مع التأكيد علىأننا لم نكن دائما مع الاقتراع وفي مناسبتين وجدنا أنفسنا أقلية في الهيئة الاولى عند التصويت على طريقة الاقتراع في الانتخابات وكانت الاغلبية مع طريقة أكبر البقايا وتعاملنا مع ذلك بأريحية وأتصور لو أن النهضة في مكاننا لأقامت الدنيا ولم تقعدها. المرة الثانية عند التصويت على الفصل 15 حيث وجدنا أنفسنا اقلية وهذا دليل على أننا لسنا أغلبية وكل ما يقال كلام خاطئ. «النهضة» في كثير من الحالات صوتت معنا بتوافق، مثلا في ما يتعلق بمسألة التناصف رغم أنها كانت ضدها في البداية وهذا دليل على اننا يمكن ان نلتقي والمهم ان نحترم القاعدة الديمقراطية وهذا ما نعيبه على النهضة فعندما لا يكون التصويت في صالحها تحاول التهرب. بعد التصويت على هيئة الانتخابات الاستاذ كمال الجندوبي تحصل على 111 صوتا من مجموع 121 والنهضة صوتت له وبعد ذلك عندما اتخذت الهيئة قرارا ليس في صالح النهضة نعتت اللجنة بشتى النعوت من رئيس الحركة. ونذكر النهضة انها عندما كانت ملاحقة دافعنا عنها لكن تبين الآن انها حركة غير ديمقراطية والشعب يشهد ويراقب وما قامت به خطأ سياسي خطير لأنها إذا كانت تبحث عن الوفاق فأين ستبحث عنه اذا خرجت من الهيئة. والتشنج الذي يميز الشارع الآن والشباب الذي يمارس العنف من بين أسبابه تشنج الخطاب الذي تمرره النهضة ولا ننسى أن راشد الغنوشي أعلن منذ 3 أيام انه على الشباب أن ينجز ثورته الثانية وعلى النهضة ان تتحمل مسؤوليتها في ذلك. الموقف من الهيئة لم يتخذ على أساس ان الهيئة حادت أم لم تحد بل أعلن عنه الغنوشي منذ أكثر من 3 أسابيع حين أعلن في اذاعة «موزاييك» ان الهيئة انهت مهامها ومنذ ذلك الحين لاحظنا أن أعضاء الهيئة عن الحركة يوترون الجو في الجلسات. كما أن النهضة لن تصادق على قانون الأحزاب لأنه لم يناسبها خاصة في ما يخص التمويل الاجنبي. أصبحت هناك أحزاب مدججة بالمال وأخرى فقيرة لا أتحدث عن النهضة فقط بل هناك أحزاب اخرى. أعتبر أنه من ا لأساس أن يتم التصويت على هذا المرسوم. كنت أتمنى ان نصوت على المرسوم بحضور النهضة لكن ليتم ذلك حتى من دونها. ألا يعتبر هذا القانون اعتداء على صلاحيات المجلس التأسيسي؟ كما أنكم متهمون بمحاولة التغطية على ضعفكم في الشارع باعداد حزمة من القوانين؟ لا علاقة لهذا المرسوم بالمجلس التأسيسي فهو سيد نفسه. أولا ينتهي العمل بالمرسوم مع انتخاب المجلس التأسيسي وكل المنظومة القانونية ستقف والمجلس سيعد القوانين الجديدة. ثانيا بالنسبة الى الاتهام نحن قلناها وسنعيدها، لنناقش مضمون النص ولنجد حلولا لكن من البداية نرفض مناقشة النص ثم تلومني وتقول انني اريد ان أمرره حتى نحن عندنا احترازات على هذا المشروع، يكفي القليل من حسن النية وسنصل الى الوفاق، هم يرفضون مناقشة النص أصلا ويريدون ايهام الناس اننا نريد ان نتدخل في اشغال المجلس. ليس هناك أي داع لهذه الاتهامات ولا أحد يمكنه ان يفرض أي شيء على المجلس التأسيسي، هذه اتهامات مغلوطة. نفس النقاش حدث عندما ناقشنا العهد الجمهوري وهددوا بالانسحاب لكن تدخلنا ووصلنا الى وفاق. وعندما جاءت مسألة قانون الاحزاب قالوا إن العهد الجمهوري أولوية، أولويات النهضة مطاطة حيث تتحول دائما وأتساءل لماذا؟ أوجه نداء أخيرا لحركة النهضة بتغليب لغة العقل وان اللقاء والوفاق داخل الهيئة العليا ولا مكان اخر يمكن ان نجده فيه لكي ندخل مرحلة الاصلاح السياسي.