1 تأسس المجلس الوطني لحماية الثورة منذ أواخر شهر جانفي 2011 وضم حوالي 30 بين أحزاب ومنظمات ساهمت في معارضة نظام بن علي طيلة عشريتين أو أكثر ونالها من الحيف والظلم والمحاصرة الشيء الكثير... ولكنّ هذا المجلس وفروعه المحلية والجهوية وقعت محاولات عديدة لإجهاضه وذلك برفض الحكومة المؤقتة إعطاءه جانبه القانوني ورفض دور القرار عنه ودور الرقيب وتعويضه بهيئة استشارية ذات صلاحيات محدودة جدّا. ومع ذلك فقد كان طلب بعث منظومة قضائية مستقلة أهم مطالبه وأهم مطالب الثورة. 2 وفعلا، فأسّ كل نظام ديمقراطي، هو الفصل الفعلي بين السلط الثلاث وجعل السلطة القضائية تلعب دورها بكل حياد واستقلالية وفي ذلك الضمان الفعليّ لكل تقدم ولكل الحقوق، حقوق الحاكم والمحكوم، المواطن والمسؤول. وكان أهم طلب لجمعية القضاة المناضلة يتمثل في: مجلس أعلى للقضاء منتخب، وحل المجلس الأعلى للقضاء الحالي، المعيّن من طرف الرئيس المخلوع. إنهاء رئاسة المجلس الأعلى للقضاء من طرف رئيس الدولة. تمثيل كلّ أصناف القضاة في المجلس الأعلى للقضاء. وساندت جُلّ الأحزاب والمنظمات المناضلة هذا المطلب الجوهري لأنه يُرْسي النظام المدني الديمقراطي المنشود بعد اندلاع ثورة شعبنا السلمية. قضاء مستقلّ وهذا التوجه السليم لن تستطيع أن تُجهضه أية مناورات والتفافات، من ذلك ما وقع من الإسراع ببعث نقابة للقضاة وتمكينها بين ليلة وضحاها من مكتب، في حين حُرمتْ جمعية القضاة من ذلك منذ سنوات، وإن كان بعث نقابة للقضاة مطلبا شرعيا في حدّ ذاته. وكذلك ما نشهده من تباطئ في محاكمة الفاسدين السياسيين والماليين من رموز العهد البائد، أو إصدار أحكام شبه صورية أو رمزية في قضايا ثانوية والصمت المستمرّ حول جوهر القضايا المتعلقة بقتل الشهداء وأوامر إطلاق النار على المتظاهرين السلميين والعُزّل من كل سلاح ونفي عجيب لوجود القناصة أصلا... والإبقاء تقريبا على جل القضاة المشبوهين في عهد بن علي والذين استعملهم النظام البائد كأداة سياسية لتصفية خصومه السياسيين بأحكام قاسية تُعدّ مسبّقا وتصل عبر تعليمات بالهاتف أو عبر وسطاء. وبكلمة موجزة فإنّ وزارة العدل والمنظومة القضائية لم يصلها المدّ الثوري المنادي بتنظيف ما أصابها من انحرافات وفساد، مثلها مثل وزارة الداخلية ومنظومتها الأمنية. وما دام هذا هو حال وزارتيْن سياديتيْن في تونس فإنه يحق لنا أن نشعر بالخوف على حاضر ثورتنا ومستقبلنا ويحق لنا المناداة بضرورة اليقظة التامة لعموم الشعب التونسي في هذه الفترة الانتقالية الخطيرة حتى نضمن الانتقال الديمقراطي الذي يمر حتما عبر قضاء مستقلّ يُمثّل السلطة الثالثة في دولة مدنية ديمقراطية.