هي الحرب لها منطقها الخاص تُقتّل وتُشرّد وتُفقّر وتُغني.. وبين هذا وذاك تبقى عيون أجهزة المخابرات مفتوحة على كلّ الاحتمالات فما يحدث هنا على طول الشريط الحدودي مع ليبيا ليس إلا تثبيتا لهذه القاعدة. من مبعوثنا الخاص: الحبيب الميساوي أنت لا تراهم حتى وإن كانوا قريبين منك يتحدثون معك وينامون في نفس النزل ويأكلون ما تأكل بل إنك في حالات كثيرة تعجب بهم وبعملهم وبانخراطهم اللاّمشروط في الأعمال الإنسانية والخيرية. قدموا من بلدان بعيدة كالبرازيل والأرجنتين وحتى الصين زيادة على الآخرين القادمين من فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدةالأمريكية وروسيا وكندا هؤلاء المتطوعون ينشطون كثيرا في المخيمات ويقدمون أنفسهم كأطباء ومختصين في إغاثة اللاجئين لكنّ ما خفي كان أعظم فما تسرّب ل«الشروق» من معلومات حول رصد المصالح الأمنية والعسكرية التونسية لتحركات استخباراتية لبعض العناصر المشبوهة التي تعمل تحت غطاء منظمات الإغاثة يطرح أكثر من سؤال حول طبيعة نشاط هذه الجهات. لذلك سألت بعض المقيمين في المخيمات عن طبيعة الحديث الذي يدور عادة بينهم وبين البعض من هؤلاء المتطوعين. والحقيقة أن العديد أجابوا بأنها حوارات ممنهجة فنفس الأسئلة تقريبا تطرح كلما حلّ وافد جديد أو عائلة قادمة من ليبيا وأهمها إن كانوا من الموالين لنظام العقيد القذافي أم هم من المناصرين للثورة الليبية؟ حتى أن بعض هذه التقارير الاستخباراتية قسّم مدن الجنوب التونسي إلى فئتين على خلفية تقارير أخرى تمّ فيها رصد موقف التونسيين القيمين على الحدود مع ليبيا وكانت النتيجة دائما حسب هذه التقارير بأن مدن الجنوب الشرقي وخاصة مدينة بن قردان هي أقرب منها إلى العقيد القذافي في حين يناصر أهالي ولاية تطاوين الثوار. لكن العنصر الأهم في هذه التقارير هي تلك التي تتعلق بالمعلومات التي تحصل عليها أجهزة المخابرات الغربية من الليبيين القادمين من مدن لازالت تحت السيطرة الحكومية الليبية وخاصة العاصمة طرابلس. فعلى ضوء تلك البيانات تتحرك الديبلوماسية الغربية لزيادة الضغط على العقيد معمر القذافي وأتباعه حتى أن بعض المصادر أفادت ل«الشروق» بأن مسار الحرب يتغيّر بحسب حجم الغضب الشعبي في أحياء العاصمة الليبية. فإن كانت هناك احتجاجات في شمال طرابلس يتم تحريك الجبهة الغربية على طول الجبل الغربي ونافوسة وإن كانت الاحتجاجات من الجهة الشرقية يتم تحريك الجبهة الشرقية في مستوى مسراطة وزليطن. غنائم حرب في الأثناء تتعمّق يوما بعد يوم مأساة المقيمين في المخيمات. فالخيام أصبحت مرتعا للحشرات والعقارب والأمراض المعدية بدأت تنتشر حتى وإن كان الطب العسكري التونسي يقوم بجهد جبّار لتطويق أية أزمة صحية لكنها المخيمات لها كذلك منطقها الخاص فمهما كان مستوى أداء الإطار الطبي لا يمكن التغلب على كل الصعاب خاصة لما تزداد درجات الحرارة التي تبلغ أحيانا تحت الخيام الخمس وأربعين درجة فتكون الحلقة الأضعف الأطفال وكبار السنّ. فلقد أفادنا مصدر طبّي في مخيمات الشوشة برأس جدير أن حالات عديدة لمرض السل تمّ اكتشافها زيادة على أوبئة أخرى كالسيدا وأمراض سريعة الانتشار غير متعودين عليها في تونس. ويذكر أن أكثر من ثلاثة آلاف لاجئ إفريقي يقيمون إلى الآن بمخيّمات رأس جدير وإن كانت ظروف الإقامة في مخيمات الوافدين الليبيين أحسن فذلك لا يمنع من الحديث عن تزايد عدد المصابين ب«المينانجيت» حتى أن طفلين ليبيين تعرضا لهذا المرض الأول في مدينة ذهيبة والثاني بمدينة رمادة. لكن اللاجئين الأفارقة هم الذين يدفعون ضريبة الإقامة تحت الخيام. فلقد لقي خمسة عشر نفرا حتفهم منذ شهر فيفري الماضي 4 منهم ماتوا حرقا في حين توفي البقية نتيجة إصابتهم بأمراض معدية، آخر هؤلاء الضحايا من مالي يبدو أنه لقي حتفه بعد إصابته بمرض السيدا. ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد فقد بدأت تظهر في العديد من مدن الجنوب التونسي نوعية أخرى من التجارة هي تجارة حرب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فلقد ازداد الطلب على مادة الشاي وهو المشروب الوطني الليبي ونشطت تجارة البنزين حتى أن بين المهرّب والمهرّب انتصب مهرّب آخر يبيع البنزين على قارعة الطريق أما عن تجارة الحيوانات فحدّث ولا حرج فقد انتصبت على طول الطريق الرابطة بين وازن الليبية ورمادة أسواق للدواب لبيع الجمال والماعز والأغنام لكن الأمر الخطير هو ذلك الذي يتعلق بتجارة الاسمنت المهرّب من ليبيا وهو في الغالب اسمنت غير صالح للبناء ممّا يهدّد حياة العديد من التونسيين.