إن المتأمل في خارطة المهرجانات بتونس يلاحظ أن معظمها لها خصوصية قامت عليها مثل مهرجان الصحراء بدوز، ومهرجان الساف، مهرجان التمور والقوارص وغيرها. والمتأمل في السياسة التي أنشئت هذه المهرجانات على أساسها منذ بداية الإستقلال ونخص بالذكر مهرجاني قرطاج والحمامات وقبلهما مهرجان سوسة الدولي، فإننا ندرك أن الغاية كانت تقريب المادة الثقافية من المواطن وجعله مطلعا على الثقافات الأخرى للشعوب الشقيقة والصديقة، ومساحة للتثقيف والترفيه للمواطن التونسي، كذلك التعريف بتونس ما بعد الإستقلال في غياب وسائل الاتصال الحديثة التي حولت هذا العالم إلى قرية صغيرة. وإذا كان التونسي هو الركيزة الأساسية في كل هذه البرامج الثقافية وما وفرته الدولة التونسية من امكانات مادية تحت عنوان الدعم الثقافي، فإن هذه السياسة تتطلب اليوم إدخال بعض التحويرات في التصورات وتحديثها، وذلك بتطوير الفضاءات الخاصة بهذه المهرجانات من بنية تحتية وتجهيزات الصوت والإضاءة بما أننا أصبحنا نعيش في عالم الصورة نتيجة التقنيات الحديثة، وفي اعتقادي فإن الحدّ من عدد هذه المهرجانات مطلوب خاصة تلك المهرجانات التي لا تتحصن بفضاءات مؤهلة لاستقبال الجمهور العريض، فبالرغم من التطور التكنولوجي الذي يشهده قطاع الفرجة في العالم، والكمّ الهائل من القنوات المختصة في الموسيقى وباقي الفنون، فإن تأهيل مهرجاناتنا وتقليص عددها حتى يمكن لنا تجهيز الأهم منها بأحدث التقنيات أمر مطلوب دون أن نقصي بعض المهرجانات المختصة في قوالب فنية نخبوية مثل مهرجان الجاز بطبرقة أو مهرجان الموسيقى السمفونية وغيرها من المهرجانات المختصة والتي لا تشمل جانب الترفيه وإنما تقدم وجبات ثقافية بحتة، كذلك لا يمكن إغفال الجانب السياحي في هذه المهرجانات وما توفره بعض العروض العالمية الكبرى من دعاية تفوق في معظم الأحيان ما تقوم به وزارة السياحة من حملات دعائية للمنتوج السياحي التونسي، وبالتالي فإن العروض المباشرة بالمهرجانات تساهم وإلى حدّ كبير في التعريف ببلدنا وحضارته ورقيّ شعبه. وخلاصة القول، فإني أرى أن تقع المحافظة على أهم المهرجانات وتأهيلها، كذلك الإهتمام بالمواطن التونسي داخل الجمهورية وتمكينه من فضاءات ثقافية تمكنه من الإطلاع والتفاعل مع الشأن الثقافي.