تونس الصباح: رحم الله زمانا كانت فيه كبرى مهرجاناتنا الصيفية الدولية تفتح دوراتها سنويا بالأعمال المسرحية الجديدة ذات القيمة الفنية والفرجوية.. لابل ان بعض هذه المهرجانات ذائعة الصيت نجدها قد تخصصت او تكاد في تقديم العروض المسرحية التونسية والعربية (مهرجان الحمامات الدولي ومهرجان الكراكة بحلق الوادي على سبيل الذكر) أما اليوم، وبعد أن تحولت جلّ المهرجانات الصيفية بما فيها الدولية العريقة الى فضاءات لاحتضان الحفلات الغنائية الراقصة و«اللمة» و«الإستمتاع» بأجواء «الربوخ» و«المزود» والعروض التهريجية والإثارة في مختلف أنواع الفنون والفرجة فإنه لم يعد على ما يبدو للمسرح في معناه الفني الراقي من حضور في هذه المهرجانات الا من خلال بعض العروض المسرحية المتفرقة وغير ذات القيمة «يفبركها» أصحابها والمجموعات المنتجة لها فقط من أجل الربح المادي أما القيمة الفنية والثقافية والجمالية للعرض فإنها تمثل آخر اهتمامات لا فقط المجموعات المنتجة لهذه العروض بل وأيضا حتى القائمين على ادارة المهرجانات ذاتها! ماذا حصل؟! ان المتابع ليحار حقا عندما يعنّ له ان يقيّم مقارنة بين ما كانت عليه حال وحجم وطبيعة العروض المسرحية في المهرجانات الصيفية سابقا وما هي عليه الآن. وما من شك في أن ركح مسرح الهواء الطلق بالحمامات وكذلك مسرح قرطاج الأثري فضلا عن مسرح «الكراكة» الأثري بحلق الوادي تعتبر الشاهد الأكبر على أهمية وقيمة وحجم الحضور الذي كان لفن المسرح بما هو فن بأتم معني الكلمة في المهرجانات الصيفية.. فعلى هذه المسارح وغيرها وفي إطار المهرجانات الصيفية تحديدا وقف نجوم الحركة المسرحية في تونس وفي العالم العربي من علي بن عيّاد والمنصف السويسي ولأمين النهدي ومحمد دريس والفاضل الجعايبي.. (من تونس) إلى دريد لحام ومحمد صبحي وحسين فهمي ومحمود ياسين.. كل هؤلاء على قيمتهم وقفوا «مرتعشين» في مواجهة الجمهور التونسي في اطار عروض مسرحية ذات قيمة فنية وثقافية اقترحتها مهرجاناتنا الصيفية تحديدا على جمهورها في دورات مختلفة. فمن مسرحية «هذا فاوست آخر» و«فرحات ولد الكاهية» مرورا بمسرحية «فاميليا» و«إسماعيل باشا» على سبيل الذكر لا الحصر وصولا الى مسرحية «على نخبك يا وطن» الشهيرة لدريد لحام ومسرحية «الناس اللي في الثالث» التي ألفها أسامة أنور عكاشة وقدمها المسرح القومي المصري ذات صائفة على ركح مسرح الحمامات.. كلها وغيرها عروض مسرحية قدمت في اطار مهرجاناتنا الصيفية لما كانت هذه المهرجانات تعير اعتبارا ايضا للبعد الثقافي والابداعي فيما تقترحه على جماهيرها من عروض فنية. ما خف وزنه ورخص سعره! اما اليوم وبعد ان اصبح بعض مسرحيينا الكبار واللامعين يمتنعون عن تقديم أعمالهم المسرحية في اطار سهرات المهرجانات الصيفية نظرا للأجواء والأبعاد غير الثقافية التي أصبحت تميّز «الاختبارات» الثقافية التي تتأسس عليها عروض وسهرات هذه المهرجانات وكذلك بعد ان أصبح كل هم بعض القائمين على ادارة هذه المهرجانات هو ضمان أكبر عدد من العروض بأقل ما يمكن من المصاريف فإن المسرح بما هو فن وصنعة ورسالة ثقافية أصبح في قطيعة تامة مع جل مهرجاناتنا الصيفية الدولية منها وغير الدولية.. وكل ما تبقى هو مجرد اعمال وعروض تهريحية تدعى الانتساب لفن المسرح تقدّمها مجموعات آلت على نفسها ان تستغل فترة المهرجانات الصيفية من أجل كسب بعض المال و«الضحك» بالتالي على جمهور المهرجانات الصيفية وكذلك على كل انسان يؤمن بأن المسرح هو فن بالأساس وهو عبارة عن مزيج راق من الأدب والجمال والثقافة والوعي.. نحن بين أيدينا قائمة في مجموعة عروض «مسرحية» ستكون حاضرة ضمن عديد المهرجانات الصيفية تنسبب الى هذا النوع من الأعمال «المفبركة» والمرتجلة ولكننا نمتنع عن ذكرها حتى لا نحرج أحدا من جهة وحتى لا نكون قد قمنا لها بدعاية اعلامية ربما ان نحن ذكرناها!